بدأت آثار وباء فيروس كوفيد 19 والمعروف بالكورونا، تلقى بظلالها على المعاملات المدنية والتجارية والالتزامات العقدية بشكل عام، بعد أن عطلت الاقتصاد العالمى وحجم التجارة الدولية وتسببت فى تباطؤ حجم النمو العالمى والذى كان متوقعاً له %2.4 ليصل إلى %1.4، بإجمالى خسائر متوقع 2 تريليون دولار وهو المبلغ نفسه بالمناسبة الذى خصصته الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة كورونا، وهو أكبر مبلغ فى تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق يتم تخصيصه لمكافحة أمر عام.
كل ذلك تسبب أيضاً فى انخفاض أعمال الشركات وهبوط فى الأرباح مقابل المصروفات. وقد دفع وباء كورونا إحدى الشركات المصرية للقيام بإجبار العاملين لديها على تخفيض أجورهم وفقاً لنسب قامت بتحديدها على أساس قيمة الأجر للعاملين لديها، كما أن بعض الشركات قامت بإنهاء عقود بعض العاملين لديها، وهو الأمر الذى يعد مخالفة قانونية، حيث إنه لا يمكن اعتبار انتشار وباء الكورونا حول العالم أحد الأسباب الأجنبية أو الظروف القاهرة لتخفيض أجور العمال أو إنهاء عقود العمل.
فالقوة القاهرة والواردة فى نص المادة 165 من القانون المدنى، والتى عرفتها محكمة النقض المصرية بأنها تكون حرباً أو زلزالاً أو حريقاً، كما قد تكون أمراً إدارياً واجب التنفيذ، بشرط أن تتوافر فيها استحالة التوقع واستحالة الدفع، وينقضى بها التزام المدين من المسئولية العقدية، فإذا حصلت الاستحالة وفقاً للتعريف السابق، ينقضى الالتزام وفقاً لنص المادة 373 من القانون المدنى المصري. أما ما نحن بصدده من تفشى لوباء كورونا حول العالم فهو ظرف طارئ فى رأينا وليس ظرفاً قاهراً، والظرف الطارئ هو ما يتسبب فى إرهاق المدين عن تنفيذ التزامه، بينما الظرف القاهر هو ما يتسبب فى استحالة تنفيذ الالتزام.
وبالرجوع إلى أثر تفشى وباء كورونا على عقد العمل من حيث إنهاء العقد أو تخفيض الأجر، بعد أن اتجهت بعض الشركات بالفعل لتخفيض أجور العاملين لديها أو إنهاء عقودهم.
الأصل أن عقد العمل إذا كان محدد المدة فإنه لا ينتهى إلا بانتهاء مدته، وفى حال قيام صاحب العمل بإنهاء عقد العمل محدد المدة منفرداً، فإنه يلتزم بسداد باقى قيمة هذا العقد حتى نهايته، أما إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، فإذا قام صاحب العمل بإنهاء العقد دون توافر شروط الإنهاء وإجراءاته الواردة فى قانون العمل المصري، فإنه يلتزم بتعويض العامل عن هذا الإنهاء بشهرين على الأقل عن كل سنة من سنوات العمل لديه. وفى جميع الأحوال لم ينص المشرع على حالات القوة القاهرة لإنهاء عقد العمل، إلا فيما يتعلق باستحالة تنفيذ العمل، كأن يذهب العامل إلى جهة العمل واستحال تنفيذ عمله لسبب يرجع لصاحب العمل، فإنه يعتبر أدى عمله ويستحق كامل أجره، وإذا كانت الاستحالة لظروف أجنبية خارجة عن صاحب العمل، استحق العامل نصف أجره. وهو ما لا يمكن معه اعتبار تفشى وباء الكورونا سبباً أجنبياً أو قوة قاهرة لإنهاء عقد العمل، خاصة أنه لم يصدر قرار من الحكومة ضمن خطتها فى مكافحة تفشى وباء كورونا يتعلق بالقطاع الخاص أو بمد حظر التجوال ليشمل ساعات العمل، ومن ثم لم يتوقف العمل فى القطاع الخاص.
أما فيما يتعلق بتخفيض الأجر، فمن المستقر عليه قانوناً وفقهاً وقضاءً أن الأجر مقابل العمل، فإذا لم يقم العامل بعمله المفروض عليه وفقاً لعقد العمل، فإنه يكون غير مستحق للأجر. وقد أجاز المشرع لصاحب العمل تخفيض الأجر فى حالات معينة وبشروط محددة، فيمكنه القيام بتخفيض الأجر بدلاً من إغلاق المنشأة أو تقليص حجمها أو تقليل نشاطها، وبشرط موافقة الجهة الإدارية، وألا يقل الأجر بعد التخفيض عن الحد الأدنى للأجور، والأهم موافقة العامل على تخفيض الأجر، وفى حالة عدم موافقة العامل على قرار التخفيض يحق له إنهاء عقد العمل مع استحقاقه لمكافأة تعادل شهراً أو شهراً ونصف الشهر عن كل سنة من سنوات الخدمة، وعلى حسب عدد سنوات خدمة العامل.
وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن محكمة استئناف القاهرة قد أصدرت، العام الماضى، حكماً يقضى بتعويض أحد العمال فى إحدى الشركات الخاصة بأربعة أشهر عن كل سنة من سنوات الخدمة نتيجة قيام شركته بتخفيض راتبه إلى النصف.
وبالعودة مرة أخرى لقيام إحدى الشركات المصرية بتخفيض أجور العاملين لديها على أثر تفشى وباء كورونا، وهو ما قامت به الشركة بالتحايل عن طريق توقيع الموظفين والعاملين لديها على طلب لتخفيض أجرهم بأنفسهم وإجبارهم على ذلك، فإنه وجب التنبيه على أن المشرع اعتبر أن حقوق العمال الواردة فى قانون العمل هى الحد الأدنى لحقوقهم ولا يمكن التقليل أو الانتقاص منها، ولو بموافقة هؤلاء العمال، كما أبطل المشرع أى اتفاق أو شرط يتضمن انتقاصاً من حقوق العمال.
وعوضاً عن هذه المخالفات القانونية من انتقاص أو تعطيل للأجر، أو إنهاء عقود العمل بشكل غير قانوني، فإنه يمكن لأصحاب العمل إعطاء العاملين لديهم إجازة مخصومة من رصيد الإجازات الخاص بهم مما يسهم فى تقليل مصاريف التشغيل، أو عقد اتفاق جماعى مع العمال لتخفيض رواتبهم، أو تعديل عقود العمال رضائياً معهم، وهى أمور ليس فيها إنتقاص لحقوق العمال فى رأينا.
مؤمن سليم محامى ـ مكتب سرى الدين وشركاه