مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (24)
كان للدكتور يوسف رشاد، الدور الأكبر فى تشكيل الحرس الحديدى، والذى اختار له الملك فاروق هذا الاسم. وكانت بذرة هذا الحرس مجموعة الأصدقاء: مصطفى كمال صدقى وخالد وفهمى وحسن وإبراهيم وتوفيق والذين طلب منه الملك توثيق علاقته بهم ليكونوا مستعدين لتنفيذ ما يطلب منهم.
وفى إحدى الليالى وبعد مأدبة العشاء، التفت يوسف رشاد ـ فيما يروى مرتضى المراغى ـ إلى مجموعة الأصدقاء يسألهم: ما رأيكم فى حادث 4 فبراير؟ وبحماسة شديدة قال مصطفى كمال صدقى: آخر ندالة من الإنجليز.
قال يوسف: طيب وإيه رأيك فى النحاس وأمين عثمان؟
قال مصطفى بنفس انفعاله: خونة.
قال يوسف: طيب وإيه جزاء الخائنين؟
أجاب مصطفى: ضرب الرصاص والقتل.
قال يوسف رشاد بهدوء وهو يلتفت إلى الآخرين حتى يشتركوا فى الحوار: يعنى أنتم موافقين على الكلام ده؟
قالو جميعًا بصوت تبدو فيه رائحة الخمر: كل اللى يقوله مصطفى إحنا موافقين عليه.
قال يوسف: يعنى أنت مستعد يا مصطفى تضرب رصاص وتقتل؟
أجاب مصطفى كمال صدقى: عندك شك يا أبو حجاج؟.. إذا كنت عاوزنى أقوم دلوقتى أنا جاهز ومستعد.
قال يوسف رشاد وقد أطمأن إلى سيطرته عليهم: لأ.. خلى ده للوقت المناسب.. المهم أننا نكون جاهزين نحلف ومستعدين ننتقم لإهانة الوطن فى 4 فبراير.
قالو جميعًا: تمام كل اللى بتقوله مظبوط.
وبعد أسبوع من هذه الليلة تم نقل مصطفى إلى سلاح الفرسان وفهمى إلى الحرس الملكى، وخالد إلى المخابرات الحربية، ورقى إبراهيم إلى رتبة ملازم أول، وتوفيق إلى الدرجة الخامسة، واختار لهم فاروق اسم الحرس الحديدى.
اغتيال عثمان وإقالة النحاس
دفع الملك إلى يوسف رشاد ـ فيما يضيف مرتضى المراغى ـ دفع مبلغًا كبيرًا من المال لشراء ثلاث سيارات مستعملة ولكن فى حالة جيدة ؛ وقد اشتريت بأسماء مستعارة وأعدت لها نمر مزيفة كما تم شراء عدة بنادق رشاشة وقنابل يدوية وديناميت.
وكانت أول مهمة قامت بها المجموعة اغتيال أمين عثمان وقد نجحوا فيها. فقد تربص له توفيق وحسن حين توجه إلى مكتبه الخاص وانتظروا خروجه.
كان توفيق يريد قتله فى المصعد وأن يغطى حسن هروبه، ولكن أمين عثمان نزل من السلم فجرى وراءه وأطلق عليه الرصاص، وحاول الفرار ولكن قبض عليه.
وجاء الأمر باغتيال مصطفى النحاس وكان فاروق قد تربص به واستثمر الآثار الاقتصادية التى انعكست فى صورة غلاء ووجه إليه خطابًا عنيفًا أقاله فيه يوم 8 أكتوبر 1944. وكان الإنجليز قد ضمنوا الانتصار فى الحرب فلم يعد يهمهم الإبقاء على النحاس.
كانت هذه ثالث إقالة للنحاس باشا، وفى تاريخ الوفد فقد رأس النحاس قبل ثورة يوليو 1952 خمس وزارات انتهت جميعًا بالإقالة.
وكان نص خطاب الإقالة الذى وجهه فاروق إلى النحاس يوم 8 أكتوبر 1944 والذى يعكس ويعبر عن روح الكراهية التى يكنها فاروق للنحاس ــ ما يلى:
عزيزى مصطفى النحاس باشا:
لما كنت حريصًا على أن تحكم بلادى وزارة ديمقراطية تعمل للوطن وتطبق أحكام الدستور نصًا وروحًا، وتسوى بين المصريين جميعًا فى الحقوق والواجبات وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب. فقد رأينا أن نقيلكم من منصبكم وأصدرنا أمرنا هذا لمقامكم الرفيع شاكرين لكم ولحضرات الوزراء زملائكم ما أمكنكم أداؤه من الخدمات أثناء قيامكم بمهمتكم.
وفشلت محاولتان لاغتيال النحاس.
لم يرض فاروق النحاس باشا سياسيًا فأراد اغتياله ماديًا وأعطى الإشارة لمجموعة الحرس الحديدى بتنفيذ المهمة.
تربص مصطفى كمال صدقى وفهمى وإبراهيم لمصطفى النحاس وكانوا قد علموا أنه سيذهب إلى مأتم أحد أصدقائه. وخرج النحاس من داره وأمامه حارسان فأطلقوا عليه مدفعًا رشاشًا.
لم يصب النحاس.. فقد جرح الحارسان جروحا بالغة أما النحاس فلم يصب بخدش، ولكن عندما أطلق عليه مصطفى وفهمى وإبراهيم الرصاص فإنهم هربوا دون أن يعرفوا نتيجة ما فعلوه.
ثم عرفوا لاحقًا أن النحاس قد نجا، واستاء فاروق لذلك أشد الاستياء، فقررت المجوعة إعادة المحاولة، فذهبوا فى سيارة مملوءة بالديناميت، وأوقفوها أمام منزله وتركوها، وركبوا سيارة أخرى، وبعد ربع ساعة انفجرت فى السيارة قنبلة موقوتة وتطايرت الشظايا، وحطمت سور منزله ودخلت شظية غرفة نومه، ولكن النحاس لم يصب بأذى.
وقال أهل مصر: إن النحاس باشا من أولياء الله.
وبعد هاتين الحادثتين ضعفت ثقة الملك فى الحرس الحديدى الذى كونه يوسف رشاد، وفكر فى أن ينشئ بنفسه حرسًا حديدًا آخر، واستدعى أحد رجال حاشيته ممن يثق بأنه على صلة بمهربى الحشيش، وطلب منه البحث عن جماعة تقوم باصطياد الرءوس.
www. ragai2009.com