واصل فيروس كورونا القاتل رحلة افتراسه للأخضر واليابس فى البورصة المصرية، ليكبّدها خسائر قياسية فى جلستى الأحد والاثنين الماضيين، وسط هبوط حاد فى المؤشرات، وخسائر ضخمة فى رأسمال البورصة السوقى بواقع 50.4 مليار جنيه.
وشدد خبراء التحليل الفنى على أن البورصة بحاجة ماسّة لتدخّل جراحى من الحكومة المصرية يشمل مجموعة من المحفزات تكون بمثابة تقوية لقدرات البورصة على التعافى من آثار فيروس كورونا، متمثلة فى إلغاء الضرائب على السوق، وخفض أسعار الطاقة للمصانع، وبدء تنفيذ برنامج الطروحات.
وتوقّع الخبراء عدم قدرة السوق المصرية على التعافي؛ نظرًا لحالة الضعف التى تعيشها من قِبل ظهور فيروس كورونا، مشيرين إلى أن مستوى الـ10000 نقطة سيكون بمثابة الدعم للمؤشر الرئيسى «EGX30».
وللمرة الثانية فى شهر مارس، والثالثة فى عام 2020 أجبر فيروس كورونا إدارة البورصة المصرية على إيقاف التداول لمدة نصف ساعة عقب التراجع الحادّ لمؤشراتها، وسط ذعر المستثمرين بالسوق.
وهبط المؤشر الرئيسى «EGX30» بنسبة %7.31 ليسجل 10983 نقطة، ومؤشر «EGX70ewi» للأسهم الصغيرة والمتوسطة %5.04 إلى 1083 نقطة، و«EGX100» الأوسع نطاقًا بنسبة %5.71 إلى 1167 نقطة.
وخسر رأس المال السوقى لأسهم الشركات المقيدة، أمس الاثنين، نحو 33 مليار جنيه ليسجل 594 مليار جنيه، مقابل 627 مليارًا بتعاملات الأحد.
وعكست الضغوط البيعية للمستثمرين العرب والأجانب حالة الخوف والقلق من انتشار وتفشى الفيروس القاتل فى القطر المصري، إذ سجلوا صافى بيع 11.219 و82.195 مليون جنيه على التوالي، مقابل صافى شراء بقيمة 93.415 مليون جنيه للمصريين.
من جانبه شرح هانى جنينة، رئيس قسم البحوث بشركة برايم المالية القابضة للاستثمارات المالية، الأوضاع الاقتصادية العالمية فى ظل انتشار فيروس كورونا، موضحًا أن الاقتصاد العالمى يعاني، خلال الفترة الراهنة، ضعفًا وانكماشًا فى اثنين من أصل ثلاث دعائم أساسية يستند عليها.
وتابع أن الصين تعانى حالة انكماش اقتصادى بسبب انتشار الفيروس، كما أن الاتحاد الأوروبى يعانى ضعفًا واضحًا، ومن ثم لم يتبقّ سوى سوق أمريكا لتكون الداعم الأخير للاقتصاد العالمي.
وقال إن ما يحدث فى البورصات من انهيارات كبيرة يأتى بسبب قيام المستثمرين بالتخارج من أى أصول مالية تحمل، ولو مخاطرة محدودة، ليتم نقل الأموال إلى الأوعية الأكثر أمانًا، مثل أدوات الدين والذهب.
وأشار إلى أنه على صعيد السوق المصرية شهد، اليومان الماضيان، خروج نحو 2 مليار دولار من استثمارات أدوات الدين المحلية، موضحًا أن البورصة انتقلت من مرحلة التخارج العشوائى للاستثمارات، على إثر حالة الفزع العامة، إلى «التخارج التمييزي» الذى يضع فى اعتباره العوامل الداخلية الخاصة بكل بلد، مثل سد النهضة فى حالة مصر.
وحول أسعار الأسهم المصرية أكد جنينة أن القيمة السوقية لها وصلت إلى مستويات متدنية جدًّا تشابه تلك التى تم الوصول إليها أثناء الأزمة المالية العالمية فى 2008 وثورة يناير فى 2011.
وتابع أن سهم البنك التجارى الدولي، على سبيل المثال، يتداول عند مضاعف قيمة دفترية 2 مرة؛ وهى قيمة قريبة جدًّا من القاع، إذ وصل إلى 1.6 فى مارس 2009 عقب الأزمة المالية العالمية، كما اقترب من تلك القيمة فى نهاية 2011، لكن الشيء المطمْئن أن السهم لم يمكث فى تلك المستويات طويلًا بل سرعان ما ارتدّ لأعلى.
ولفت إلى أن تلك حال السهم القائد للسوق، أما بقية الأسهم فقد تكون عند مستويات قريبة للألفينات، متابعًا أن هذا قد يخلق فرصًا للشراء، لكن يجب أن يتم ذلك تدريجيًّا وببطء؛ إذ لا يمكن توقع فترة استمرار الأوضاع الحالية.
وقال إن من المنتظر خفض أسعار الغاز فى مصر بنسب جيدة، خاصة بعد تراجعات أسعار البترول، ما يعتبر عاملًا إيجابيًّا للشركات المقيدة، ناصحًا بالابتعاد عن الأسهم التى يستثمر فيها الأجانب خلال الوقت الحالي.
من جانبه قال إبراهيم النمر، رئيس قسم التحليل الفنى بشركة نعيم لتداول الأوراق المالية، إن مناعة السوق المصرية لم تتحمل تداعيات انتشار فيروس كورونا، ولا تستطيع دفع البورصة للتعافى من تلك الآثار، مثلما ستتجه الأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن خسائر البورصة المصرية فى الأيام الماضية كانت أكبر من نظيرتها فى الأسواق العالمية، خاصة الأمريكية والأوروبية– التى ترتبط ارتباطًا مباشرًا بخسائر شركات مقيدة بها- مرجعًا ذلك إلى أن السوق المحلية كانت بحالة من الضعف الشديد الذى كان يجب معه التدخل لإنقاذ الوضع.
وأوضح النمر أن الحكومة مُطالبة بمجموعة من الإجراءات لزيادة مناعة البورصة المصرية وقدرتها على استيعاب فيروس كورونا، مؤكدًا أن الحكومة تأخرت بشدة فى تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية وإنهاء أزمة ملف الضرائب، متسائلًا عن الاستفادة العائدة على الدولة من ضريبة تسببت فى خسائر كبيرة للسوق.
وأشار النمر إلى أن البورصة خسرت كل مكاسبها المحققة منذ تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016.
فيما قال مهاب عجينة، رئيس قسم التحليل الفنى بشركة بلتون لتداول الأوراق المالية، إن انهيار جلسة أمس غير عادي، موضحًا أن مستوى 12 ألف نقطة أقرب مقاومة للمؤشر الرئيسى فى الوقت الحالي، بينما يظل مستوى 10 آلاف نقطة أقرب منطقة دعم.
وشدد عجينة على ضرورة وجود توعية وإعادة نظر من الحكومة لسوق المال التى تحولت إلى اتجاه هابط على جميع المستويات القريبة والبعيدة.
ورجّح تفاقم عمليات الهبوط خلال الأيام المتبقية من الأسبوع، موضحًا أن الأداء سيكون مرهونًا بأسعار البترول وأداء الأسواق العالمية.
وطالب عجينة بإعادة النظر فى توزيع الاستثمار ووضع خطة شاملة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد المحلي، كما حدث فى دول مختلفة حول العالم، مع ضرورة تشكيل إدارة للأزمة.
وأوضح عجينة أن السوق حققت أكبر معدل هبوط يومى منذ الأيام اللاحقة لثورة يناير، أى منذ 9 سنوات، التى سبقتها تراجعات قوية فى مارس 2006.
وأشار إلى أن الحكومة عليها أن تحدد من الآثار المترتبة على انخفاض أسعار البترول؛ لمواجهة العجز فى الموازنة العامة للدولة، وإمكانية تخفيض أسعار الغاز المقدَّمة للمصانع، ومن ثم دعم الشركات المقيدة.
فيما قال ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربى الأفريقى لتداول الأوراق المالية، إن السوق شهدت تراجعات قوية، أمس، على إثر عدة أسباب، فى مقدمتها تفشى فيروس كورونا بدول كثيرة حول العالم، فضلًا عن تتبع أثر التراجع الحاد فى البورصات العربية والخليجية.
وأشار إلى أن طريقة التعامل مع انتشار الفيروس المميت فى مصر لم تكن بالشكل الملائم، خاصة أن آلية الحصول على شهادات خلو المواطنين من الفيروس قد أبدت شيئًا من العشوائية.
وأوضح أن هناك أسبابًا تتعلق بالبورصة نفسها تتمثل فى استمرار فرض ضريبة على سوق ضعيفة، ومن ثم لا بد من حسم القضية فى أسرع وقت.
وطالب المستثمرين بالتركيز على شراء الأسهم التى تقدم توزيعاتٍ نقدية أعلى من العائد، كذلك الشركات القوية ماليًّا التى تمتلك نقدية كبيرة، ولديها خطط لشراء أسهم خزينة.
وأكد المصرى أن منطقة 10 آلاف نقطة محطة قوية قد تواجه السوق بعض التماسك بالقرب منها.