ظاهرة العقارات المخالفة أجندة الحكومة الحالية، فى ظل تزايد كوارث انهيار
المبانى التى تم إنشاؤها فى أعقاب الثورة، استغلالاً لحالة الفوضى
والانفلات الأمنى، وهو ما دفع وزير الإسكان لإصدار العديد من القرارات،
للحد من انتشار الظاهرة، أبرزها حرمانها من توصيل المرافق لها.
وفى
الوقت الذى وصف فيه بعض الخبراء القرار بالجيد، يرى آخرون أنه يجب التعامل
مع الظاهرة برؤية أشمل، بحيث يجب التمييز بين العقارات المخالفة إدارياً
وغير آمنة إنشائياً، والعقارات المخالفة إدارياً وآمنة إنشائياً، حيث يجب
الهدم و الإزالة فوراً فى الحالة الأولى، بينما يمكن الاكتفاء بغرامات فى
الحالة الثانية.
فى البداية أشارت نفيسة هاشم، وكيل أول، مدير قطاع
الإسكان بوزارة الإسكان، إلى تقديم كل من وزارات الإسكان والمرافق
والكهرباء والتنمية المحلية مذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن عدم توصيل المرافق
للمبانى المخالفة وإلغاء القرارات الصادرة بشأن التوصيل فى العام الماضى
للحد من انتشار تلك المخالفات والتى شهدت تزايداً مطرداً إبان فترات
الانفلاتات الأمنية وحالة عدم الاستقرار السياسى، لافتة إلى ترقب تفعيل تلك
المقدمة وإصدار حلول تشريعية للحد من المخالفات.
وأضافت أن تلك
التوصية الغرض منها الحد من انتشار المخالفات وإلحاق الضرر والخسائر بمالكى
تلك المشروعات نظراً لصعوبة تسويقها فى ظل افتقارها للمرافق، فضلاً عن
أهمية عدم مساعدة الدولة المخالف فى التمتع بالمرافق.
وأكدت أنه لم
يتم تحديد الآلية الخاصة بالتعامل مع المبانى المخالفة ومالكيها إلى الآن،
حيث إن الحلول المطروحة تتمثل فى الإزالة الفورية والعاجلة أو فرض غرامات
على المبانى من شأنها الاضرار بهامش الربح للمالك وتكبده الخسائر أو مصادرة
تلك المبانى.
وأشارت إلى الخسائر البشرية والعمرانية المتوقعة من انتشار المخالفات المستمرة بالمدن والمحافظات والتى تهدد سلامة المواطنين.
ومن
ناحيته قال الدكتور أكثم أبوالعلا، المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء
إنه لا صحة لما يتردد عن اعتزام وزارة الكهرباء بتوصيل مرفق الكهرباء إلى
العقارات المخالفة بتكلفة مضاعفة، مؤكداً التزام الكهرباء بالقرارات التى
تم الاتفاق عليها خلال اجتماع وزراء الإسكان والكهرباء والمرافق بعدم توصيل
أى من المرافق الأساسية إلى العقارات المخالفة.
وأضاف أن وزارة
الكهرباء طالبت خلال هذا الاجتماع بتطبيق نظام العداد الكودى، حيث إن أى
مستهلك لخدمة الكهرباء تتم محاسبته عليها سواء كان ذلك من خلال عقار مخالف
أو سليم، خاصة أن العديد من العقارات المخالفة بدأت سرقة التيار الكهربائى
بما يضيع على الوزارة الحصول على تكلفة هذا التيار، مشيراً إلى أن وزيرى
الإسكان والمرافق اعتبرا أن ذلك سيعمل على انتشار البناء المخالف، بينما
يمكن إجراء مزيد من الإجراءات والتقنيات على نظام العداد الكودى لتلافى تلك
الشبهة.
يذكر أن المادة 62 من قانون البناء الموحد تنص على عدم
جواز الجهات القائمة على شئون المرافق تزويد العقارات المبنية أو أى من
وحداتها بخدماتها، إلا بعد إيداع شهادة صلاحية المبنى ومرافقه للإشغال
بالجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم، وتعتبر هذه الشهادة
بمثابة رخصة تشغيل للمبنى، وتلتزم الجهة الإدارية بإصدار خطابات لتوصيل
المرافق فى مدة أقصاها أسبوعان من تاريخ إيداع الشهادة، وفقاً لما تبينه
اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
فيما تنص المادة 99 على عقوبة من
يخالف ذلك بالحبس والغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على
مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وفى السياق نفسه قال محيى
الصيرفى، مدير العلاقات العامة بالشركة القابضة لمرافق مياه الشرب والصرف
الصحى، إن الشركة لا تقوم بتوصيل المياه إلى العقارات المخالفة ولكن ما
يحدث أن بعض ساكنى هذه العقارات يقوم بتوصيل المياه خلسة دون علم الشركة
القابضة، وهو ما يدفع الشركة إلى تحرير محاضر تؤدى لغرامات.
وطالب
الصيرفى بضرورة زيادة الغرامات وتغليظ العقوبة فى حال التعدى على مرافق
الدولة، خاصة أنه يؤثر على كمية المياه الموجهة للعقارات السليمة وهو ما
حدث فى بعض المناطق العشوائية.
ولفت إلى بعض الدراسات المقدمة إلى
مجلس الوزراء التى من شأنها مصادرة المبانى السليمة إنشائياً وإزالة غير
الآمن منها، ودعا إلى تعجيل صدور هذه القرارات للحد من ظاهرة البناء
المخالف.
وقال الدكتور أبوزيد راجح، الرئيس السابق لمركز بحوث
الإسكان والبناء، إن ظاهرة البناء المخالف أصبحت شيئاً دارجاً، وأصبح
البانى الملتزم بقواعد ومعايير الجودة هو الاستثناء، بما يستدعى بالضرورة
تدخل الجهات المسئولة لتحجيم هذه الظاهرة أياً كانت النتائج السلبية
المترتبة على ذلك.
وأوضح أبوزيد أن قرار وزير الإسكان عدم توصيل
المرافق إلى العقارات المخالفة، قرار جيد فهو يمثل عقوبة رادعة ولكن يلزمه
إحكام الرقابة على عمليات سرقة المرافق حتى يأتى بنتائجه وثماره كاملة، حيث
إن من يبنى مخالفاً فى الغالب يهدف إلى الربح، وفى حال عدم وجود المرافق
الأساسية فى عقاره لن يستطيع بيع الوحدات التى بناها، وهو ما سيؤدى لركود
هذه الوحدات المخالفة، أو بيعها بأسعار تقل كثيراً عن تكلفتها الحقيقية،
وبمرور الوقت وانتشار ركود هذه الوحدات المخالفة سيضطر مالك والأراضى إلى
الالتزام بالمعايير البنائية المحددة بضمان توصيل المرافق بصورة سليمة.
وأشار
إلى أن هذا القرار لا يمكن أن يكون العلاج، ولكنه مسكن جيد للغاية، حيث إن
هناك العديد من العقارات المخالفة بالفعل، علاوة على امكانية التلاعب فى
هذا القرار، بقصر المخالفة على الارتفاعات فقط، بحيث تكون الجهات المسئولة
عن توصيل المرافق ملزمة بتوصيل المرافق إلى الوحدات غير المخالفة بالعقار،
ثم يقوم هو بإنشاء وصلات لتوزيع هذه المرافق على كامل وحدات العمارة.
وأضاف
أن الحل النهائى يكون بإزالة الأجزاء المخالفة كما هو منصوص عليه فى قانون
119 لسنة 2008، المعروف بقانون البناء الموحد، وعدم الالتفات إلى دعوات
البعض بالتصالح مع المخالفين، خاصة أن مجرد تطبيق أو الموافقة على فكرة
التصالح ستكون بمثابة اعتراف الدولة بهذه العقارات المخالفة، موضحاً أنه
يعلم تماماً صعوبة تنفيذ قرارات الإزالة فى هذا التوقيت الحرج الذى تمر به
الدولة، ولكنه مسئولية القائمين على إدارة البلد والذين تعهدوا بتطبيق
القانون.
وفى سياق متصل أشار الدكتور مجدى قرقر، خبير التخطيط
العمرانى، إلى عدة حلول مقترحة للخروج من الأزمة الحالية والحد من تفاقم
أزمات انتشار المبانى المخالفة، منها: منع توصيل المرافق إلى تلك المبانى
وهو مقترح قدمته «الإسكان» إلى مجلس الوزراء لإصدار قانون وتشريعات تجرم
انتشار المخالفات، وبالرغم من قوة الحل المطروح لكنه يقتصر فقط على الحد
نسبياً من انتشار المخالفات وليس القضاء عليها تماماً.
ولفت قرقر
إلى ضرورة تعديل القوانين المنظمة لعمليات التصرف فى الأراضى وإتاحة الفرص
لإدخال أنظمة بديلة للمزادات، ومن ثم إتاحة الفرص أمام الحكومة لاستقطاب
المستثمرين إلى المجتمعات العمرانية النائية مما سيساهم فى حل أزمة
العشوائيات واستمرار التوسع داخل الحيز نفسه.
واعتبر قرقر أن التصرف
فى المبانى القائمة حالياً، خاصة التى تم تسكينها أهم العقبات التى ستواجه
مجلس الوزراء خلال الفترة الحالية فى ظل صعوبة إزالة المبانى وارتفاع
تكاليف عمليات الهدم، فضلاً عن تطلب تلك العمليات قوى أمنية خاصة قد لا
تتناسب مع ظروف السوق الحالية مما يساهم فى تفاقم الخسائر.
من جهته
أشار المهندس عبدالمجيد جادو، الخبير العقارى، إلى ضرورة الفصل بين
العقارات المخالفة، التى تم تشييدها قبل ثورة يناير نظراً إلى فساد
المحليات وصعوبة الإجراءات الحكومية الخاصة بإصدار التراخيص، وبين العقارات
والمبانى التى تم تشييدها عقب ثورة يناير، والتى تتطلب إجراءات فورية
وحاسمة تجاه مالكيها لاستغلال فترات الانفلات الأمنى وعدم الاستقرار
السياسى فى تحقيق أرباح.
وحذر جادو من الأخطار المتوقعة التى تتمثل
فى إهدار المال العام فى حال إزالة كل المبانى المخالفة، التى تزايدت بصورة
مفزعة فى الأشهر الأخيرة، مما يتطلب ضرورة الوصول إلى حلول منها توفير
لجان هندسية تحت إشراف وزارة الإسكان تتولى الكشف عن تلك المبانى وسلامتها
الإنشائية، وفى حال مطابقتها المعاير البنائية والكود المصرى تتم مصادرة
تلك المبانى لصالح الدولة أو فرض غرامات على مالكيها، وفى حال عدم سلامتها
إنشائياً تتم إزالة تلك المبانى بصورة فورية.
وفى السياق نفسه قال
المهندس الاستشارى أبوالحسن نصار، إن العقارات المخالفة أضحت كثيرة للغاية،
لافتاً إلى أنه على الدولة تقسيم مخالفات المبانى إلى قسمين، الأول
العقارات المخالفة التى تفتقد الحد الأدنى من السلامة الإنشائية، والثانى
العقارات المخالفة والآمنة إنشائياً، موضحاً أنه فى القسم الأول الذى تكون
فيه المخالفة هندسية وإدارية يجب الإزالة فوراً، خاصة أنها تنطوى على مخاطر
عدة على ساكنيها.
وبالنسبة للقسم الثانى، العقارات المخالفة الآمنة
إنشائياً، فإن المخالفة تكون إدارية فقط، وبالتالى يجب عدم إزالة العقار،
وإنما إيجاد غرامة تتناسب مع حجم الجرم والمخالفة التى ارتكبها، مع مراعاة
تغليظ هذه العقوبة كأن يتم تطبيق غرامة على كل متر مخالف تصل إلى ألف جنيه،
منتقداً آلية الإزالة فى هذا النوع من المخالفات، حيث إن التقدير المبدئى
لحجم العقارات المخالفة بـ300 ألف عقار تضم 4.5 مليون وحدة، فلا يعقل أن
تتم إزالة مثل هذا الكم بما يعد إهداراً للثروة العقارية، خاصة فى ظل أزمة
السكن التى يعيشها القطاع حالياً.
وألمح نصار إلى أن القرار الأخير
لوزير الإسكان بمنع توصيل المرافق إلى العقار المخالف سيكون ضحيته هو
المشترى، والذى سبق أن كان ضحية للبائع الذى باع له الوحدة على الرغم من
أنها مخالفة، مشيراً إلى أن قوانين أخرى يجب أن تتشارك فى تحمل مسئولية
العقارات المخالفة وعلى رأسهما قانون نقابة المهندسين وقانون الاتحاد
المصرى لمقاولى التشييد والبناء.
وينص قانون الاتحاد المصرى لمقاولى
التشييد والبناء رقم 104 لسنة 1992 ولائحته التنفيذية، على تحويل المقاول
الذى تثبت إدانته فى عقار مخالف إلى مجلس تأديبى ويتم على أثره شطبه من
جداول الاتحاد لفترات متباينة وفقاً لمقدار الخطأ البنائى الذى ارتكبه، وقد
تصل إلى الشطب النهائى للمقاول.
وشدد مصدر أمنى على أهمية توفير
لجان مستمرة ودورية من المحليات تستهدف متابعة المخالفات والتعديات
المستمرة على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة، حيث ساهم غياب المحليات وعدم
تحرير محاضر دورية بالمخالفات فى انتشار عمليات البناء المخالف خاصة فى
المدن والمحافظات، لافتاً إلى استمرار تفاقم تلك الأزمة وتضاعف حجم
المخالفات التى تنذر بكوارث اقتصادية واجتماعية على الأجل الطويل.
وأشار
إلى ضرورة قيام مجلس الوزراء بإصدار تشريعات وقوانين لإلزام المخالف بدفع
غرامات عن كل وحدة تم بناؤها بالعقار، نظراً إلى صعوبة إجراء عمليات
الإزالة لتلك العقارات التى قد تلحق خسائر بحجم الثروة العقارية فى حال
سلامتها الإنشائية.
وأضاف أن المشكلة تكمن فى عدم التنسيق بين
القطاعات الحكومية، حيث تصدر المحليات قرارات بإزالة وهدم المبانى
المخالفة، فى حين تصدر وزارة الكهرباء قراراً بتوصيل الكهرباء مما يسمح
بإمكانية التلاعب من قبل مالكى العقارات، ويحد من تكاتف الوزارات والهيئات
للوصول إلى حلول مثلى للحد من انتشار العشوائيات وإيقاف المخالفات.
وشدد
على ضرورة التأكد من المواصفات البنائية والمعايير الإنشائية للمخالفات فى
حال صدور قرارات بتقنين أوضاعها، حيث قامت وزارة الكهرباء فى عام 2005،
بفتح المجال أمام تقنين المبانى، إلا أنه صدر قرار بعدم السماح بالتقنين
بعد ذلك للحد من انتشار المخالفات.