حوار – محمود إدريس
انتقد المهندس حسين الصواف، رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط للمقاولات
والإنشاءات، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء
سابقًا، أسلوب تعامل الدولة مع شركات المقاولات والذى انعكس بالسلب على
صعيد العقود المبرمة بين الطرفين والتى تحتوى على تحيز واضح لصالح الجهة
الإدارية، إضافة إلى عدم المبالاة فى الالتزام بمواعيد المستحقات والتى
عادة ما تتأخر لما بعد تسليم المشروع بسنوات ولا يستطيع المقاول تعليق
العمل لحين الحصول على مستحقاته وإلا لاحقته الغرامات.
![]() |
حسين الصواف |
وأبدى الصواف استياءه فى حواره مع «المال» من طول فترة الحكم فى القضايا
المتعلقة بالمستحقات والمعاملات المالية، موضحًا أن عامل الوقت يلعب دورًا
مهمًا فى هذه النوعية من القضايا، نظرًا لانخفاض القيم الشرائية للمبالغ
المالية، وعدم تدارك القائمين على إصدار الأحكام هذه الجزئية فى التعويض
المادى.
وانتقد الصواف أسلوب تعامل الدولة مع شركات المقاولات منذ فترة التسعينيات
وحتى الآن، موضحًا أن الدولة تعامل المقاولين من منطلق أنهم فئة درجة ثانية
وباعتبارهم يهدفون بصورة أساسية للنصب على الدولة وأخذ أموال لا
يستحقونها، موضحًا أن ذلك المنطق فى التعامل ينعكس فيما بعد فى صورة عدم
التعامل مع مستحقات المقاولين بجدية ويتم تأخيرها، بالإضافة إلى التعنت فى
صرف فروق الأسعار، وهو ما ولد لديه شعورًا بالندم على الفترة التى اقتصر
فيها عمله على المشروعات التى تطرحها وزارة الرى، حيث بلغ إجمالى مستحقاته
المتأخرة لدى أجهزة ووزارات الدولة 6 ملايين جنيه.
وأوضح أن الشركة تعمل فى مجال مشروعات البنية التحتية والمرافق، خاصة مرفق
المياه ومشروعات تغذية نهايات الترع بالمياه الجوفية، كما أن المياه المارة
بالترع لا تصل لنهاياتها بسبب تقاعس المسئولين فى تطهير مجرى الترعة بما
يعوق مرور المياه بشكل انسيابى، وبدلا من أن تقوم وزارة الرى بتنقية مجرى
الترعة فإنها تتبع الطريقة الأسهل وهى إنشاء محطات مياه عند نهاية الترعة
لتتم تغذيتها بالمياه الجوفية.
واعتبر الصواف أن هذه الآلية فى التعامل مع الترع بمثابة إهدار متعمد لثروة
مصر من المياه الجوفية فى ظل الحرب التى يخوضها العالم بأسره للحفاظ على
المياه، لافتًا إلى أنه قدم شكوى إلى وزير الرى بهذا الشأن بهدف توفير
المياه الجوفية والاستفادة منها فى مشروعات ومجالات أخرى، وكان الرد أن
منسوب المياه الجوفية عند نهايات الترع عال ولذلك فإن تغذية نهايات الترع
بالمياه الجوفية تخفض من نسبتها وتغزى الترعة فى الوقت نفسه.
كما انتقد الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء ووصفه بأنه أعجز من أن
يحل مشاكله الشخصية مع الجهات المختلفة، فكيف سيحل مشاكل شركات المقاولات
الأعضاء، مطالبًا بضرورة فصل تبعية الاتحاد عن وزارة الإسكان وتمتعه
بالاستقلالية التامة وخروجه من عباءة الدولة حتى يحقق الأهداف التى أنشئ من
أجلها، فكون الاتحاد تابعًا للدولة فهو يعمل لصالحها.
وضرب مثلاً عندما صعدت شركات المقاولات أزمة فروق الأسعار بسبب تحرير أسعار
الصرف فى عام 2003، وهددت بالاعتصامات والإضرابات تحركت الدولة شكليًا
ونسقت مع الاتحاد لضمان عدم سداد الدولة أى مبالغ مالية من خلال تعديل
المادة 22 من قانون المناقصات والمزايدات 89 لسنة 1998، لتصبح المادة 22
مكرر 1 بموجب القانون 5 لسنة 2005، وتنص علي: فى العقود التى تكون مدة
تنفيذها ستة أشهر فأكثر، تلتزم الجهة المتعاقدة فى نهاية كل ثلاثة أشهر
تعاقدية بتعديل قيمة العقد وفقا للزيادة أو النقص فى تكاليف بنود العقد
التى طرأت بعد التاريخ المحدد لفتح المظاريف الفنية أو بعد تاريخ التعاقد
المبنى على أمر الإسناد المباشر، وذلك وفقًا لمعاملات يحددها المقاول فى
عطائه ويتم التعاقد على أساسها، ويكون هذا التعديل ملزمًا للطرفين، ويقع
باطلاً كل اتفاق يخالف ذلك، وتم إدراج عبارة «وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا
القانون معاملات تغيير الأسعار فى الحالات المختلفة».
وأوضح أنه بالنظر إلى اللائحة التنفيذية للقانون والتى تحدد معاملات تغيير
الأسعار فى الحالات المختلفة فإنه ينص على أنه للمقاول صرف فروق الأسعار
وعلى المدير العام أو رئيس المصلحة صرف فروق الأسعار ويجب على مدير
الحسابات بعد المراجعة أن يقوم بالصرف شرط أن يكون قد أعلن عن ذلك فى بنود
المناقصة، لافتًا إلى أن الاتحاد سوق المادة إعلاميًا على أنه انتصار لفئة
المقاولين وأنه أصبح بإمكان جميع المقاولين المتضررين الحصول على فروق
الأسعار بشكل فورى، وتعمد الاتحاد تجاهل ذكر شرط تحقيق صرف التعويضات، وهو
ما يعد إلغاء للقانون لأن الغالبية العظمى من المناقصات التى تم طرحها قبل
2003 لا تحتوى على حصول المقاول على فروق أسعار لأنه إذا كانت تحتوى على
ذلك فإن المقاول كان سيطالب بحقه بالفروق وإذا تعنتت الجهة الإدارية سيتم
تصعيد الأمر قضائيًا لوجود بند بالعقد بشأن فروق الأسعار.
وطالب الصواف بإعادة هيكلة قانون المناقصات والمزايدات الحالى والعودة إلى
القانون السابق له رقم 9 لسنة 1981 والذى يعطى للجمعيات التعاونية
الإنشائية صفة المقاول ولها الحق الكامل فى المنافسة على المشروعات
المختلفة بما فيها التى تطرحها الدولة، لافتًا إلى أن أصحاب المصالح من
المقاولين التابعين للدولة أو القطاع الخاص ذوى النفوذ القوى لدى الدولة
طالبوا بتعديل القانون بداعى أنه غير ملائم لتطورات مهنة المقاولات وأصبح
غير قادر على تنظيم مهن الهندسة والإنشاء والتشييد بالقطاع المحلى، رغم أن
الجمعيات التعاونية كانت توفر على الدولة مبالغ طائلة نتيجة تنفيذها
مشروعات المرافق بأقل التكاليف، علاوة على محاربتها الاحتكار الذى عانى منه
القطاع فترات طويلة فى مطلع الألفية الجديدة، لافتًا إلى أن الميزة
الوحيدة التى كانت تميز الجمعيات التعاونية الإنشائية هى استثناؤها من
التأمين الابتدائى والنهائى.
ودلل على ذلك بارتفاع هوامش الأرباح فى القانون الجديد من %10 ليتراوح ما
بين 30 و%40 من إجمالى قيمة عقد المقاولة، مطالبًا بإعفاء المناقصات التى
تقل عن 2 مليون جنيه من التأمين نهائيًا.
وأوضح أن قطاع المقاولات يعانى ندرة الأعمال المطروحة كنتيجة مباشرة لغياب
السيولة المادية لدى جهات الإسناد، لافتًا إلى أن بعض جهات الإسناد اتجهت
لعرض مشروعاتها على المقاولين لتنفيذها بالتقسيط، أى أن المقاول يكون هو
الممول الحقيقى للمشروع لحين تحقيق المشروع عوائد وأرباح إلا أن غالبية
شركات المقاولات تعانى الأزمة التمويلية نفسها، وبالتالى اندثرت هذه
الظاهرة فى مهدها.
واقترح الصواف إنشاء جهة مستقلة عن أى وزارة تتولى إعداد المناقصات وتوصيف
بنودها ومتابعة تنفيذ المقاولين والفصل فى المشاكل بين المقاولين وجهات
الدولة وتعمل على توحيد معايير تصنيف المقاولين بدلاً من ترك الحرية
الكاملة لكل وزارة فى تطبيق رؤيتها الخاصة والتى تختلف حتمًا مع رؤى وزارات
أخرى بما يعمل على تشتت القوانين.
كما طالب بالاهتمام بمراكز التدريب المهنية حتى نحصل على خريجين مهرة،
ونستطيع تعويض العمالة الماهرة التى تهاجر إلى دول الخليج لارتفاع المقابل
المادى وتوافر فرص العمل، لافتًا إلى أن المدارس الثانوية الصناعية لا تقدم
خريجًا واحدًا صالحًا لسوق العمل، ويجب على وزير التعليم تطوير المدارس
الثانوية الصناعية لتحقيق الأهداف المنوطة بها، موضحًا أن السبب الرئيسى
لتطور ألمانيا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية هو اهتمامهم بالتدريب
الصناعى.
ويرى الصواف أن أداء الأجهزة الرقابية أهم أسباب تفشى الفساد فى جميع
القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، متمنيًا أن يتم تغيير ذلك فى النظام
الجديد بعد الثورة، لافتًا إلى أن الأجهزة الرقابية أو التحصيلية نفسها هى
القائمة على الفساد، وأنه لو تم تفعيل المادة 114 من قانون العقوبات المصرى
والتى تنص على أن كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو
العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا أو ما يزيد على
المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن، لأن ذلك
سيجرف تربة الفساد فى القطاعات الاقتصادية والخدمية.
وأكد ضرورة محاسبة المسئولين عن إهدار أموال الدولة فى جميع الأجهزة
الحكومية بداية من المهندس الاستشارى التابع للجهة الإدارية وصولاً إلى
الموظفين الإداريين القائمين على تسيير المناقصة وهو ما سيقضى على
اللامبالاة عند موظفى الدولة العاملين بها.