تعرف على أسباب تراكم الكاش الزائد لدى البنوك الألمانية (جراف)

تمتنع البنوك عن فرض رسوم على المودعين لمنع هروب العملاء

تعرف على أسباب تراكم الكاش الزائد لدى البنوك الألمانية (جراف)
أيمن عزام

أيمن عزام

7:14 م, الخميس, 20 فبراير 20

البنوك الألمانية لا تزال تدفع ثمن الأزمة المالية العالمية عام 2008 وأزمة الديون السيادية الأوروبية عام 2010، فتدابير مثل الفائدة السلبية استهدفت تحفيز النمو عن طريق تشجيع الشركات والأفراد على الاقتراض لكنها فشلت في تحقيق المستهدف منها، حسب تقرير لموقع دويتشة فيليه.

لم تنجح هذه السياسة مثلا في زيادة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي عبر تشجيع الشركات على الاقتراض.

واستمر تباطؤ النمو خلال السنوات الخمس الماضية في ظل تقديم قروض تقل عن المستهدف.

ولحقت في هذا الأثناء أضرار جسيمة بالمودعين والبنوك على حد سواء. 

وقال اندريه شولتز الذي يدير بنك إيداعات بالقرب من برلين:” يستحسن في هذه الأيام الاحتفاظ بالكاش بدلا من إيداعه لدى البنك المركزي الأوروبي.

وذلك برغم المخاطر الكثيرة التي تنشأ عادة جراء الاحتفاظ بالكاش بعيدا عن البنوك مثل تزايد تكاليف التأمين واللوجيستيات، ويكشف هذا حجم الفشل الذي منيت به الفائدة السلبية ”

الكاش الزائد يتصاعد

لجأت البنوك منذ فرض الفائدة السلبية عليها قبل  ست سنوات إلى تخزين داخل أقبية لجعلها متاحة بسهولة للعملاء، وخزنت بعض البنوك الكثير من الكاش لدرجة عجزها عن توفير المساحات الكافية لتخزينها، حسب موقع زيروهيدج. 

وارتفعت قيمة الكاش المخزنة داخل البنوك الألمانية لتصل إلى رقم قياسي يقدر بنحو 43.4 مليار يورو (48 مليار دولار) في ديسمبر 2019، حسب بيانات البنك المركزي الألماني.

تزيد هذه الكمية ثلاث مرات مقارنة بالكمية التي كانت متاحة بنهاية مايو 2014، أي قبل شهر من فرض الفائدة السلبية على الإيداعات. 

أودعت بنوك منطقة اليورو أحجام ضخمة من الكاش الزائد بقيمة 1 تريليون يورو أواخر 2016 لدى البنك المركزي الأوروبي نظير رسوم عقابية تتسبب في تقليص أرباحها. 

قرر البنك المركزي فرض هذه الرسوم العقابية عام 2014 لإجبار البنوك على وقف تخزين الكاش الزائد، وإقراض المزيد من الأموال لتعزيز النمو والتضخم. 

البنك المركزي الأوروبي هو السبب

وحسب رويترز، البنك المركزي الأوربي نفسه هو المسئول عن تراكم هذا الكاش الزائد الذي يواصل النمو.

وذلك جراء التزام البنك المركزي  بطباعة نحو 80 مليار يورو شهريا لتخفيض أسعار الفائدة بهدف تشجيع الشركات والأفراد على الاقتراض.

هذه السيولة الجديدة ينتهى بها المطاف لتسكن حساب أحد البنوك لأن القروض التي تقدمها البنوك ليست كبيرة بالقدر الكافي برغم تراجع الفائدة على الاقتراض.

وأدت الفائدة السلبية المقررة على الإيداعات إلى تغريم البنوك نحو 2.6 مليار يورو منذ عام 2014، حسب وكالة رويترز. 

البنوك لا تفرض غرامة على المودعين

وتفضل البنوك الامتناع عن فرض غرامة على المودعين برغم تراجع الفائدة إلى سالب 0.5%.

ويؤدي هذا إلى انكماش هوامش أرباح البنوك وتقليص قدرتها على التأقلم مع الصدمات المستقبلية. 

وقال ماركو تريانو مدير شركة سكوب ريتنج : تمتنع البنوك عن تعويض خسائرها عبر  خفض العوائد التي يحصل عليها المودعين.

تحتاج البنوك لخفض التكاليف وفرض رسوم على المودعين – كلا الأمرين سيؤديان إلى هروب العملاء.” 

وبدأت بعض البنوك في فرض رسوم على المودعين نظير الخدمات الأساسية في أسواق كانت هذه الرسوم محظورة تماما وتعامل معاملة “التابو”.

وقرر بوستبنك التابع لدويتش بنك إلغاء الحسابات الجارية المجانية أمام ملايين المودعين. 

وقال انرياس دومبريت مدير البنك المركزي الألماني:” أعتقد أن البنوك محقة عندما تناقش إلغاء الحسابات الجارية.

لا يمكن تقديم الخدمات المصرفية بلا مقابل إذا كانت البنوك لا تتحصل على أية هوامش من الفائدة.” 

ثلثي الكاش الزائد لدى البنوك الألمانية والفرنسية

تمتلك البنوك الألمانية والفرنسية ثلثي الكاش الزائد، حسب بيانات البنك المركزي الألماني. ولا تحتفظ البنوك الإيطالية والأسبانية بأي احتياطيات زائدة. 

طرح الاقتصاديون عدة فرضيات لتوضيح السبب.

ومنها الصادرات الألمانية القوية للبلدان الأخرى الأعضاء في منطقة اليورو، حسب تقرير لوكالة رويترز.

ومنها هيمنة السمسرة المالية على البنوك الفرنسية والألمانية بفضل السمعة الجيدة التي يتمتعان وتصنيفهما ضمن البلدان الأكثر أمانا داخل منطقة اليورو.

ومن شأن هذا تحفيز المودعين على إيداع أموالهما داخل هذه البنوك. 

تكلفة تخزين الكاش تقل عن غرامة المركزي

قال البنك المركزي الأوروبي أن البنوك في منطقة اليورو خصوصا في ألمانيا تقبل على زيادة كميات الكاش المودع لديها بغرض تجنب الغرامة التي يفرضها البنك المركزي الأوروبي على السيولة الزائدة. 

ارتفع الكاش المودع لدى البنوك الأوربية بنحو 21 مليار يورو خلال الفترة من مارس 2016 ونهاية عام 2017 ليصل إلى 77 مليار يورو.

وتسهم البنوك الألمانية بنحو ثلثي الزيادة. 

وقرر البنك المركزي الأوربي خفض الفائدة على الإيداعات لما دون الصفر في عام 2014.

ويعني هذا أن المركزي يفرض عليها سداد ما يشبه الرسوم على الكاش الزائد.

وذلك أملا في تشجيع البنوك على إقراض هذه الأموال لصالح الاقتصاد الحقيقي لتوليد النمو والتضخم. 

وبما أن تكلفة تخزين البنكنوت داخل أقبية البنوك تقل عن تكلفة الغرامة التي يفرضها البنك المركزي الأوروبي فإن البنوك صاحبة الكاش الزائد تتجه لتخزين المزيد من الكاش.

البنوك الألمانية والفرنسية تتحمل معظم الأعباء

تحملت البنوك الألمانية والفرنسية معظم أعباء أسعار الفائدة السلبية حيث سددت البلدين نسبة 60% من إجمالي الفائدة السلبية عام 2019، حسب تقرير لديبوزت سولوشن البحثية. 

وسددت البنوك الألمانية فائدة بقيمة  2.3 مليار يورو مقابل 1.8 مليار سددتها البنوك الفرنسية. 

ولم تستفد لذلك بنوك البلدين بالشريحة الجديدة التي اقترحها البنك المركزي الأوربي.

وتم تفعيل هذه الشريحة الجديدة في أكتوبر 2019 لتقليص مدفوعات الفائدة التي تلتزم هذه البنوك بسدادها.

ومن المتوقع أن تستفيد بنوك جنوب أوربا من هذه الشريحة الجديدة. 

وتسعى هذه الشريحة الجديدة للفائدة السلبية تخفيف أعباء هذه الفائدة التي تتحملها البنوك الأوروبية.

وذلك عن طريق استثناء الإيداعات التي تزيد ستة مرات عن الحد الأدنى للاحتياطيات المفروضة على البنوك من قبل المركزي الأوروبي.

وتلتزم هذه البنوك بإيداع هذه الاحتياطيات لدى البنوك المركزي القومية داخل كل دولة أوروبية. 

وبعد تمرير الشريحة الجديدة للفائدة قرر المركزي الأوربي  خفض الفائدة على الإيداعات لتصل إلى 0.5% نزولا من 0.4% في سبتمبر 2019. 

جدوى الفائدة السلبية

ثار جدال في منطقة اليورو منذ تمرير أسعار الفائدة السلبية هناك عام 2014 حول الجدوى الاقتصادية لهذه السياسة، حسب تقرير لدويتشة فيليه.

بدأ تفعيل الفائدة السلبية كوسيلة للتغلب على الأزمة المالية العالمية عام 2008 ثم أزمة الديون السيادية الأوربية عام 2010.

تصب الفائدة السلبية لصالح المقترضين لكنها مقابل هذا تضر بالمودعين.

تمنح البنوك مثلا قروضا بقيمة 1000 يورو نظير فائدة تصل إلى سالب 0.5%.

ويعني هذا أن المقترضين سيلتزمون برد 995 يورو فقط.

والحصول على قرض عقاري بقيمة 250 ألف يورو يعني الحاجة لسداد اقساط بنسبة 0.52% من قيمة القرض لمدة عشر سنوات.

أما المودعين فلا يحصلون على أية عوائد نظير أموالهم المودعة.

بل تدرس البنوك معاقبة المودعين الذين لديهم إيداعات بقيمة تزيد على 100 ألف يورو في حساباتهم المصرفية.

وذلك عن طريق تفعيل الفائدة السلبية التي فرضها البنك المركزي الأوروبي.

تراجع التضخم وتباطؤ النمو

تم التغلب على الصدمات المالية المباشرة الناشئة عن الأزمة المالية العالمية عام 2008 .

لكن تأثيراتها على الاقتصاد الحقيقي لا تزال حاضرة لتتخذ صورة تراجع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.

وأصبح يتطلب هذا تبني تدابير غير تقليدية تشمل الفائدة السلبية. 

ومن المتوقع استمرار الفائدة السلبية في أوربا لحين صعود التضخم إلى 2%.

وتستهدف الفائدة السلبية تشجيع البنوك على زيادة الإقراض بدلا من تخزينها لدى البنك المركزي الأوربي، حسب تقرير دويتشة فيلية.

 وتسهم الفائدة السلبية كذلك في إضعاف قيمة اليورو مما يتيح زيادة قيمة الصادرات.

وبرغم هذا توقف النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو أو اتجه للانكماش. 

وخارج منطقة اليورو، سمحت سويسرا والدنمارك والسويد واليابان بتفعيل الفائدة السلبية.

ويمكن تبرير اللجوء للفائدة السلبية عموما بتزايد الأعمار في الدول المتقدمة للحد الذي يؤدي إلى ضعف الطلب.

وبجانب هذا، تلعب التحديثات التكنولوجية دورا مهما في دفع الأسعار للتراجع.

وفيما يلي جراف يوضح حجم الكاش الزائد المتاح لدى البنوك الألمانية بالمليار يورو: