مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (9)
ختم أحمد حسين مذكرة دفاعه المطولة، بمحاولة السلطات القبض عليه بمداهمة مقر الحزب بحثًا عنه، فيما يرى أنه لم يكن هناك مبرر لاعتقاله إلاَّ أن تكون هناك مؤامرة ضده. بيد أن ما استطرد إليه فى روايته يشير إلى أن البحث عنه لم يكن للقبض عليه، وإنما لاستدعائه لسماع أقواله أمام النيابة، بدليل أن النيابة قبلت عذره الذى أبداه عنه المحامى سليمان رحارى، واستجاب وكيل النيابة الأستاذ عدلى نسيم إلى رجاء سماع أقواله بمنزله لمرضه، إلاَّ أن توالى أحداث الحريق أفضى إلى الإرجاء لليوم التالى فربما سمحت صحته بالحضور، وأشار وكيل النيابة على المحامى بإحضار شهادة طبية مؤيدة لمرضه إذا لم يستطع الحضور، وهذا كله يؤكد أن الأمر لم يتجاوز طلبه لسماع أقواله وليس القبض عليه كما هُيّئ له.
ولعل القارئ قد لاحظ قدر العداء الذى يضمره الأستاذ أحمد حسين لحزب الوفد بعامة ولفؤاد سراج الدين بخاصة، وقد ذهبت هذه العداوة بكثير من الموضوعية فى روايته التى أحصت حوادث عديدة بينما كان على فراش المرض، وظنى أن هذا جَرَّ عليه أكثر مما كان سبيلاً للدفاع عنه.
ولم يخف أحمد حسين فى الختام، غبطته بحصول الحل الذى اقترحه، حيث اختير على ماهر بالفعل لترأس الوزارة الجديدة بعد إقالة وزارة الوفد.
وخلص أحمد حسين مما ضمنه مذكرته، إلى استنتاجات قال فيها بحصر اللفظ:
«أولاً ـ أن ما وقع فى مدينة الإسماعيلية ليلة الخميس وأذيع على الناس يوم الجمعة من دك محافظة الإسماعيلية وقتل عدد كبير من رجال بوليسها وجرح عدد أكبر وأسر ألف عسكرى.. كان لهذه الأخبار أسوأ الأثر فى نفوس الشعب بصفة عامة فزادته سخطًا على سخط وضاعف من غضبه ما تظهره الحكومة من عجز وضعف فى مجابهة الموقف.
«ثانيا ـ أن تمرد رجال بلوكات النظام فى الصباح المبكر من يوم السبت يجب أن يعتبر بمثابة عود الثقاب الذى أشعل نيران هذا اليوم.
«وأنه كان متعينًا على وزير الداخلية أن يقدر خطورة التمرد والنتائج الخطيرة التى ستترتب عليه إذا لم يبادر بعلاجه علاجًا حاسمًا فى ساعة مبكرة. وأنه قد فشل فى قمع هذا التمرد ـ بل يبدو أنه لم يحاول علاج هذا التمرد ـ فلم يبق أمامه إلاَّ أن يستقيل لا أن يخفى خطورة الموقف الذى تداعت أحداثه كما حدثت فيما بعد مما يؤكد فشل وزير الداخلية وأنه إذا كان هناك من يمكن اتهامه بحرق القاهرة فهو وزير الداخلية وأجهزته المسئولة»
كان هذا هو رأى أحمد حسين.
بيد أن مرتضى المراغى كان له رأىٌ آخر، خلاصته أن كل الدلائل تؤكد أن فاروق هو الذى دبَّر حريق القاهرة، وأن من مفارقات القدر أنه دبَّر الحريق فى يوم السبت 26 يناير لإخراج الوفد من الحكم، وأنه خرج هو من مصر يوم السبت 26 يوليو من نفس العام، أما سر كراهية الملك فاروق للوفد، فكان محل استطراد مرتضى المراغى فى استخلاصاته التى نلتقى وإيّاها فى المقال القادم.
www. ragai2009.com