مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (8)
أسرع أحمد حسين من على فراش المرض ـ فيما يروى بمذكرة دفاعه ، أسرع بالاتصال برفعة على ماهر باشا ، فوجده ـ فيما يقول ! ــ لا يعرف تمامًا مدى خطورة الموقف ، وما هو جار ويعرفه أحمد حسين فى مجلس الوزراء وفى ساحة عابدين وانضمام البوليس وكثير من أفراد الجيش للجمهور ، وأن لا سبيل لعلاج حالة الثورة إلاَّ بإقالة الوزارة على الفور وتأليف وزارة جديدة برئاسته ـ أى برئاسة على ماهر ، على أن تكون وزارة قومية تخدم الشعب بروح وطنية صادقة ، ورجاه ـ فيما يقول ـ ألا يتحرج من أى اعتبار ، فالمسألة ليست شخصية وإنما هى مسألة إنقاذ البلد. وأضاف أحمد حسين أنه أظهر لعلى ماهر مخاوفه إذا لم تسقط الوزارة واستمرت الفوضى والحرائق ـ أن ينتهزها الإنجليز فرصة لاحتلال القاهرة ، ورجاه فى ختام الحديث أن يتصل بحافظ عفيفى ـ رئيس الديوان ـ ويحيطه بجلية الأمر وضرورة الإسراع لإنقاذ البلاد بالصورة التى يقترحها.
ولم يهدأ أحمد حسين ، فاتصل أيضًا من على فراش المرض ـ فيما يروى بمذكرته ـ بالأستاذ إبراهيم شكرى الذى كان يقيم فى شربين ، كيما يحضر إلى القاهرة باعتباره نائبًا فى البرلمان وأقدر منه ـ لمرضه ـ على العمل والاتصال الشخصى.
ويضيف أحمد حسين بمذكرته ، أنه جاءته بعد ذلك أنباء بأن مظاهرة الجماهير الحاشدة قد بدأت تتفرق وأن بعضها قد تحول إلى مظاهرات صغيرة بدأت فى أفواج متفرقة فى مختلف الجهات على حرق أنواع مختلفة من المحلات بغير ضابط وكان معنى ذلك تطور الحال إلى الفوضى المطلقة.. وأن كل من كان يحدثه بالتليفون بعد ذلك من مختلف أفراد الشعب يظهرون بالرعب والفزع مما يرون ويشاهدون ويطلبون النجدة.. فقلب القاهرة يوشك أن يحترق عن بكرة أبيه.
كما أضاف أن على باشا ماهر اتصل به ثانية ، وأخبره بأنه لم يتمكن من مخاطبة حافظ عفيفى فقلت له ما أصبح فيه الناس من رعب وفزع والخطر المحدق بحرق مدينة القاهرة وأن الموقف أصبح يتلخص فى خراب ودمار شامل فلا بوليس ولا جيش ولا حكومة وإنما فوضى وفتنة.. لا يعرف سوى الله كيف تنتهى وكيف تنجو منها البلاد.. وكرر أحمد حسين رأيه أن العلاج السريع هو أن يؤلف وزارة تدارك الموقف بحزم ، فطلب منه رفعة على ماهر أن يظل على اتصال به فوعده بالمرور عليه اليوم التالى إذا مكنته صحته وكانت الظروف تسمح
بذلك.
وأنه فى الساعة الرابعة مساء حدثه متحدث من وزارة الداخلية ، وأخبره أن الأحكام العرفية ستعلن ، وبأن هناك همس بالتآمر عليه ، وحذره من ان يغتال وسط هذه الفوضى وأن الحكومة سوف تزعم أن سبب موته هو اشتراكه فى الحوادث ، أو أنه قاوم عندما همت بالقبض عليه. بيد أن الأستاذ أحمد حسين لم يفصح عن هذا المتحدث ، لأنه رفض أن يذكر له اسمه مكتفيًا بالقول بأنه صديق ولم يستطع أحمد حسين ـ فيما يقول ـ أن يستبعد هذه الفكرة من رأسه رغم غرابتها ، وسرعان ما استبدت به الفكرة مشفوعة بأن فى خطر محقق إذا واصل بقاءه بالبيت ، وفى الساعة الخامسة تحامل على نفسه وانتقل إلى بيت آخر للأسرة ليواصل تمريضه فيه.
وفى الساعة السادسة مساء ـ عاود الاتصال من على فراش المرض بالبيت الآخر ، بالأستاذ مصطفى أمين بحثًا عن الأخبار ، ففاجأه بأن فؤاد سراج الدين قد أبلغ السراى أن الاشتراكيين هم المسئولون عن كل ما وقع بالقاهرة ، فوقع عليه الخبر كالصاعقة أن يصل الإفلاس والإجرام بوزير الداخلية ـ على حد تعبيره ـ إلى هذا الحد من الزور والبهتان وإتهام أبرياء سعوا جاهدين لتلافى وقوع أمثال هذه الكارثة ، فيلصق بهم أخطر تهمة ليستر بها عجزه وفشله ويغطى بها ـ على حد تعبيره ـ أحقاد نفسه الرخيصة.
www. ragai2009.com