هناك أربع تبعات رئيسية لاغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، ذراع الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعمل العسكرى والمخابراتى خارج الدولة.
واحد.. تبعات للعمل الميدانى. قاسم سليمانى عمِل فى العقد الماضى بشكل رئيسى فى لبنان، سوريا، العراق واليمن. دوره كان استشاريًا فى سوريا، الدور كان ميدانياً لكن الهدف الذى عمل سليمانى هناك من أجله – سوريا موحدة تحت حكم نظام الأسد – قد تحقق إلى حد بعيد. فى اليمن، بحكم ظروف لوجيستية، دور الرجل كان فى إعطاء نصائح، وأحياناً المساعدة فى التوجيه، ليس أكثر. لكن دور سليمانى فى العراق كان، فى الفترة الأخيرة، الأهم بين كل أدواره الميدانية.
فى العراق، حيث اغتيل، كان سليمانى إلى حد بعيد يدير مع حلفاء إيران – وحدات الحشد الشعبى – طرق مواجهة الثورة المندلعة منذ شهور ضد النظام، والمهم هنا أن هذا النظام العراقى يستند، إلى درجة كبيرة، إلى نوع من الشيعية السياسية، المظلة الفكرية نفسها التى يستمد منها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانى شرعيته. لذلك، فإن سقوط نوع من الشيعية السياسية فى العراق خطر مباشر على النظام الإيرانى. وعليه، فإن دور الرجل فى العراق لم يكن فقط الحفاظ على نفوذ إيران فى العراق، بل لمواجهة خطر سياسى على النظام الإيرانى نفسه.
بعد أقل من يومين على اغتيال سليمانى، عين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئى، قائداً جديداً لفيلق القدس. لكن، حتى فى أفضل الأحوال، هذا التغير لن يكون سلساً. ذلك أن قاسم سليمانى كان من ذلك النوع النادر من القادة ذوى الرؤية الاستراتيجية، مع الإدارة التفصيلية للعمل الميدانى، مع براعة مشهود لها فى مجال المخابرات، كما فى مجال صُنع السردية التى تخاطب العقول والقلوب، ومع كل ذلك فقد كان للرجل – حسب من عرفوه مباشرة – كاريزما واضحة. هذه المواصفات جعلت منه «ماركة» خاصة، كانت لأكثر من عقد من الزمان أهم أسلحة فيلق القدس. لذلك فإن إختفاءه سيكون له تأثير كبير على القدرة الميدانية للفيلق.
هناك نقطة أخرى ستُصعب الانتقال من سليمانى لأى قائد آخر.. وهى أن سليمانى استطاع أن يجعل من فيلق القدس وحدة تعمل بموارد واسعة وتقريباً بلا أى مراقبة من قيادة الجيش الإيرانى. ومثل تلك الاستقلالية من الصعب تصور استمرارها تحت قائد جديد ليس له ما كان لسليمانى. ولذلك، فغالباً ستكون هناك تغيرات مهمة فى كيفية عمل الفيلق.
النقطة الثانية من تبعات اغتيال سليمانى متعلقة بدواخل السياسة الإيرانية. قاسم سليمانى لم يكن قط مرشحا لخلافة خامنئى، ذلك أنه يفتقر إلى التأهل الدينى المطلوب فى نظام الجمهورية الإسلامية بإيران. لكن الرجل كان واحداً من أصحاب النفوذ الواسع داخل الدولة.
ومثل ذلك النفوذ كان عامل توازن بين مصالح وطموحات أجنحة وأشخاص داخل هيكل النظام الإيرانى، سواء فى جانبه الدينى (فى قم، عاصمة الشيعية السياسية) أو فى جانبه العسكرى. والآن بغياب سليمانى فإن طموحات كثيرين قد تظهر، وغالباً فإن بعض هذه الطموحات ذاهب لتضاربات سيكون لها أثرها فى السياسة الداخلية الإيرانية.
النقطة الثالثة متعلقة بالعمل الأمنى، كما أنها متعلقة بالهالة التى تكونت حول اسم قاسم سليمانى. والنقطة هى أن اغتيال سليمانى جاء مباشرة بعد محاصرة ودخول ساحة السفارة الأمريكية فى بغداد، وبعد ساعات من قول الرئيس دونالد ترامب (على تويتر) أن مَن وراء ذلك الفعل سيدفعون الثمن. وعليه، فإن الإغتيال سيدفع مراقبين كثيرين للإعتقاد – أو على الأقل للتساؤل – عما إذا كان الهيكل العملى الذى أحاط بسليمانى مخترقاً من الأمريكيين ومتابعاً وأمكن ضربه بسهولة.
التابع الرابع للاغتيال هو أن إيران مُجبرة على الرد. وإذا كان الرد الذى جاء حتى الآن – قصف صاروخى لقاعدة عراقية يستخدمها الجيش الأمريكى – حذراً، وخاصة حريصاً على الا يكون هناك قتلى أميركيون – فذلك لا يعنى أن الموضوع قد أُغلِق، وأن رد إيران قد انتهى.
ذلك لأنه سيكون هناك ضغوط داخلية – ومن مجموعات تدور فى الفلك الإيرانى – فى أن تكون هناك ردود أخرى. والمشكلة أن أحد هذه الردود قد يأتى خاطئا او قد يؤدى إلى خسائر أمريكية أكبر مما قدر موجهو الضربة. وساعتها سيكون على الرئيس الأمريكى أن يرد. وإذا كان ذلك الرئيس هو ترامب، وفى سنة انتخابات رئاسية، فإن الرد قد يكون قاسياً. تلك السلسلة من الردود تُدخل الخليج ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط فى ديناميكية شديدة الخطورة.
كاتب مصرى مقيم فى لندن