زكية هداية – شرين طه
يعد القطاع العقارى أحد أهم روافد الدخل القومي، فقد ساهم خلال العام الماضى 2019 بـ%5.9 من الناتج المحلى بدلا من %5.7 فى عام 2018، ولذلك توليه الحكومة أهمية كبيرة، وتسعى لتذليل العقبات أمام المطورين من خلال استصدار تشريعات تسهم فى تحريك السوق، وكان قرار تخصيص 50 مليار جنيه لصالح تمويل الوحدات السكنية للطبقة المتوسطة أحد أهم هذه القرارات.
ويرى مطورون أن القرار ينشط حركة البيع والشراء ويوفر السيولة التى يعانى القطاع من نقصها، وأيضا يستهلك مخزون الوحدات السكنية لدى المطورين، بعد أن سادت حالة من الركود للسوق خلال الربع الأول من العام الماضى خلفت فجوة كبيرة بين العرض والطلب.
ومبادرة البنك المركزى أدخلت شرائح وفئات جديدة يستطع المطور جذبها، بعدما كانت السوق بالكامل تستهدف %25 فقط من الراغبين فى الشراء لارتفاع سعر الوحدات وقصر مدة التقسيط التى لم تكن تتعدى الـ8 سنوات.
طارق شكري: 200 ألف وحدة مغلقة ستدخل ضمنها
وقال المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري، ورئيس مجلس إدارة مجموعة عربية للتطوير، إن القطاع يعانى من مشكلة زيادة العرض عن الطلب نظرا لوجود مئات الشركات التى دخلت للسوق ونفذت مشروعات على الأرض ولم تستطع بيعها حتى الآن.
وأضاف شكرى أن المبادرة تخدم الطبقة المتوسطة التى لم تكن ضمن العملاء المستهدفين من قبل المطورين، ووجهت الدولة معظم مشروعاتها السكنية لهم، وتم توفير أكثر من250 ألف وحدة سكنية على مدار السنوات الماضية بدعم مباشر وغير مباشر فى قيمة الأرض وتكلفة البناء ودعم فى التمويل العقاري.
وتمثل الطبقة المتوسطة %40 من عدد السكان، وبالتالى فدخول هذا الكم من العملاء للسوق يستهلك مخزون الوحدات المشطبة ولم يتم بيعها والتى تتعدى الـ200 ألف وحدة فى مناطق مختلفة من القاهرة والجيزة.
وتمثل هذه الطبقة شريحة كبيرة من مشترى العقارات بعد محدودى الدخل، ثم الإسكان الفاخر، فالسوق تنقسم بين الشرائح الثلاث بواقع %45 لمحدودى الدخل، و %40 للإسكان المتوسط و %15 للإسكان الفاخر، وبذلك فمبادرتا البنك المركزى تغطيان %85 من عملاء السوق.
وأوضح شكرى أن الشركات التى أنهت مشروعاتها خلال العامين الماضيين ولديها مخزون من الوحدات لم تسوقه بعد أمامها فرصة كبيرة لاقتناصها، حيث إن الاشتراطات التى تم وضعها من قبل البنك المركزى تتوافق كليا مع تلك النوعية، وهو ما تم التأكيد عليه من قبل غرفة التطوير العقارى خلال الاجتماعات التى سبقت إقرار المبادرة.
وأكد شكرى أن قوة المبادرة تكمن فى أنها بمثابة نقطة التقاء بين العملاء والمطورين، من خلال توفير الاحتياجات التمويلية التى كانت تعرقل عملية الشراء؛ بسبب ارتفاع التكلفة والقفزة التى شهدتها الأسعار، مشيرا إلى أن الاستفادة الكبيرة التى ستعود على الشركات تتمثل فى أن السيولة ستتوافر لديها خلال مدة أقصر جراء دخول البنك أو شركة التمويل كطرف فى عملية الشراء.
وأشار إلى أن المبادرة مع الاشتراطات الخاصة بقانون منح الإقامة لمشترى العقارات كلها مؤشرات عن الوضع المرتقب لعام 2020، متوقعا رواجًا فى حركة البيع والشراء مع وجود مثل هذه المؤشرات وبدء الشركات فى تسليم مشروعاتها.
وأوضح شكرى أن المبادرة جاءت فى وقتها، خاصة فى ظل التراجع الذى شهدته معدلات الإقبال على الشراء فى السوق، ورغم ذلك فإن الطلب على الوحدات السكنية لا يزال مرتفعًا، ولكن يقابله زيادة المعروض فى السوق.
وأكد أن صمام الأمان للقطاع العقارى هو الاحتياج الكبير للسكن والطلب المتزايد، وهو ما يعمل على خفض مخاطر الاستثمار به، وهذا السبب شجع العديد من الشركات التى لا تمتلك ملاءة مالية كافية للدخول فى السوق، وتسعى الغرفة بقانون التطوير العقارى الذى سيتم إقراره فى الربع الأول من 2020 لتنقية السوق من هذه الشركات لضمان تقديم خدمة جيدة للعملاء.
هانى العسال: نقص السيولة لدى العملاء وارتفاع الأسعار تسبب فى تراكم الطلب
واتفق معه فى الرأي، هانى العسال، العضو المنتدب لشركة مصر إيطاليا للتطوير العقاري، مؤكدا أن هناك العديد من الشركات تمتلك وحدات جاهزة ولم يتم بيعها حتى الآن؛ نظرا لنقص السيولة لدى العملاء وارتفاع أسعار الوحدات خلال العامين الماضيين، مما تسبب فى حدوث حالة من الركود للسوق، وترتب على ذلك تباطؤ فى البيع والشراء.
ومبادرة البنك المركزى فرصة أمام كل الشركات التى ما زالت تمتلك وحدات جاهزة للبيع للمشاركة فيها لأنه بموجب المبادرة يحصل المطور على ثمن الوحدة كاملا من البنك، ويتعامل العميل مع البنوك مباشرة، وبالتالى تتوفر السيولة للمطور من أجل الدخول فى مشروعات جديدة تحرك السوق.
من جانبه، قال آسر حمدي، رئيس مجلس إدارة شركة الشرقيون للتنمية العمرانية، إن عام 2020 عام التفاؤل العقاري، نظرا لزيادة حجم الطلب بالسوق، خاصة الوحدات السكنية وهذا سينعكس على حركة الشراء مع بداية العام، لوجود مبادرة البنك المركزى للتمويل العقارى التى وسعت الفئات المستهدفة من قبل المطورين بعدما كانت محصورة فى طبقة ذوى الدخل المرتفع.
وأضاف حمدى أن الطبقة المتوسطة هى الشريحة الأكثر طلبا فى المجتمع فهى تمثل %40 من تكوينه، ولم يكن المطور يستهدفها لارتفاع ثمن الوحدة عن قدرة الأشخاص المنتمين لها وقصر مدد التقسيط، ولكن مبادرة المركزى أدخلت هذه الفئة ضمن العملاء المحتملين للشركات، وهذا يسهم بشكل كبير فى استخدام مخزون الوحدات الموجود بالسوق منذ 4 أعوام على أقل تقدير.
وأوضح أن مخزون الوحدات الموجود بالسوق سيتم استهلاكه من العملاء عن طريق مبادرة التمويل العقارى التى وفرت للعميل فرصة الحصول على وحدة سكنية بمقدم %30 وبمدة تقسيط تصل لـ20 عاما، وهذا ما لا يستطع المطور العقارى تقديمه للعميل.
وقال نهاد عادل، رئيس مجلس إدارة مجموعة بى تو بى للتسويق العقاري، إن مخزون الوحدات السكنية بالقطاع تعدى الـ250 ألف وحدة، ولعل أحد أهم أسباب تراكم الطلب هو الارتفاع فى الأسعار الذى شهدته السوق، خاصة بعد التعويم وقصر مدد التقسيط، ومن ثم تدخلت الدولة بعدة مبادرات لتحريكها، وكان أهمها تخفيض سعر الفائدة ومبادرة تخصيص 50 مليار جنيه للتمويل للطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة.
وأضاف عادل فى تصريح لـ»المال»، إن هذه المبادرة ستسهم بشكل واضح فى استهلاك مخزون الوحدات الموجودة والمغلقة، متوقعا أن يتم نفاذ هذه الوحدات خلال 4 أعوام على أقصى تقدير؛ لأن مصر تسجل كل عام مليون حالة الزواج، وهذه الحالات تحتاج لسكن ولو قسمنا شرائح المجتمع سنجد أن هناك 50 ألف حالة زواج بالطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة كل عام، وبالتالى ستتجه هذه الحالات للتمويل العقارى فهو الحل الأمثل أمامها.
وأشار إلى أن كل المطورين بالسوق كانوا يستهدفون طبقة واحدة من المجتمع، وهذه الطبقة تملكت وحدات بالفعل، ولهذا فالعملاء المحتملون للسوق من الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة وهذا ما تستهدفه المبادرة.
وعن عقبة التشطيب والتسجيل، قال عادل إن البيع نصف تشطيب اختراع مصرى لا يحدث فى العالم كله، وبالتالى فالتشطيب أمر واقع على المطور الالتزام به، وبالنسبة لتسجيل الوحدات الذى يعد أحد شروط دخول الوحدة السكنية ضمن المبادرة فغرفة التطوير العقارى تسعى لتذليل العقبة بالتعاون مع الدولة.
وتوقع أيمن سامي، رئيس فرع شركة الاستشارات العقارية» جيه إل إل»، أن يشهد العام الراهن انخفاضا جديدا بأسعار الفائدة البالغة %13 لتصل إلى ما بين 9 إلى %10 مشيرا إلى أن انخفاض الفائدة يدفع إلى إنعاش القطاع، خاصة أنه يعد الملاذ الآمن ويدر عائدا سنويا.
وفى سياق متصل، أوضح سامى أن المطورين الذين يقدمون تقسيطا لسنوات طويلة الأجل يحققون ربحا أقل، مشيرا إلى أن لعبهم دورا ليس دورهم يؤدى إلى إهدار أرباحهم؛ لكنهم يتجهون للتقسيط لتوفير آلية لبيع الوحدات، خاصة أن السوق المصرية شهدت خلال 2019 انخفاضا فى السيولة مما قلل حركة المبيعات.
وقال الدكتور أحمد حسن، رئيس مجلس إدارة شركة ماريوت هيلز، إن القطاع العقارى يواجه مشكلة كبيرة تتعلق بمدد التقسيط والتسليم.
وأضاف أن مدد التقسيط تدفع بزيادة معدل المخاطر؛ وأن النموذج الأمثل هو أن تكون مدد السداد قصيرة الأجل لا تتعدى 4 سنوات مع خطط تسليم قصيرة أيضا، تماشيا مع معدل خفض الفائدة.
وأوضح أن المدد الطويلة تعرض المطور والعميل إلى تقلبات الأسعار فى المواد الخام، وأيضا معدلات المخاطر المحيطة بالمشروع.
وأشار إلى أن الأقساط قصيرة الأجل تساعد فى عدم ارتفاع قيمة الوحدة، عكس التقسيط طويل الأجل الذى يرفع تكلفة العقار بنسب كبيرة، خاصة مع تراكم الفائدة على مدار السنوات، متابعا أن اتجاه محافظ البنك المركزى بخفض الفائدة يساعد على التقسيط لمدة أقل مما يحقق أقصى استفادة لشريحة الإسكان الاجتماعى أو المتوسط.
أما بشير مصطفى، رئيس مجلس إدارة شركة فيرست جروب، فأشار إلى أن نسبة التضخم شهدت انخفاضا مقارنة مع 2018، متمنيا استقرار الأسعار، خاصة مع توجه البنك المركزى بخفض أسعار الفائدة وتقديم تسهيلات بنكية للتمويل العقاري.
وأضاف أن معدل الخطر يرتفع من جانب شركات التطوير العقارى لطرح تسهيلات لتوفير آلية بيع الوحدات، وقد نشهد استمرار المطورين فى تقديم عروض تلقى استحسان العملاء، مما ينعكس بشكل سلبى على أرباح المطورين لتحملهم دورا ليس دورهم، وهو توفير تقسيط على سنوات طويلة تصل من 8 إلى 10 سنوات.