ازداد الاهتمام بدور المسؤولية الاجتماعية ومؤشرات الاستدامة فى أسواق المال مؤخراً، فلم تعد البورصات تركز فقط على العوائد الاقتصادية للشركات، لكن أصبح هناك أبعاد ومؤشرات جديدة، تعتمد على الأدوات المالية غير التقليدية، التى ترتبط بالمعايير البيئية كالسندات الخضراء، التى أصبحت محط أنظار صناديق الاستثمار الكبرى للدخول فى الكيانات الملتزمة بهذه الضوابط.
تتبنى هيئات ومسؤولى سوق المال فى مصر دوراً مماثلاُ من خلال تنفيذ استراتيجية الحكومة للتنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، من خلال الاهتمام بالاتجاهات العالمية الحديثة فى هذا المجال.
عمران: نطالب بتوضيح مدى التأثر بالتغيرات المناخية اختيارياً ثم إلزامياً
شدد محمد عمران، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، على ضرورة إفصاح الشركات المقيدة بالبورصة المصرية، وشركات الخدمات المالية غير المصرفية عن مدى تأثرها بالتغيرات المناخية والانبعاثات الحرارية، مشيرًا إلى أن الهيئة ألزمت الشركات التابعة لها بضرورة تطبيق قواعد التمثيل النسائى عبر وجود عنصر نسائى فى مجلس إدارة الشركة لتحقيق التنمية المستدامة.
أكد أن الرقابة المالية تطالب الشركات الخاضعة لها بتوضيح مدى تأثرها بالتغييرات المناخية فى تقريرها السنوى، وتطبيق معايير الاستدامة، موضحاُ أن ذلك يكون اختياريا فى بداية الأمر على أن يتحول فى مرحلة لاحقة إلى أمرًا إلزامياً.
أشار فى تصريح لـ”المال” إلى أن الهيئة مازالت تعمل على تنفيذ استراتيجية إدارة المخاطر بالشركات العاملة بالأنشطة المالية غير المصرفية وتفعيل الإنذار المبكر.
المتتبع لخريطة مؤشرات سوق المال المصرى على مدار أعوام سابقة يلاحظ اهتمام واسع منها بشأن الاستدامة، فبمجرد تشغيل الموقع الإلكترونى للبورصة المصرية على شبكة الإنترنت تجد على الصفحة الرئيسية له مؤشراً تحت اسم “SP/EGX “ هو المؤشر الخاص باستدامة الشركات بجوار مؤشر “egx30” الرئيسى ومختلف المؤشرات.
طبقا لمركز معلومات البورصة، دشنت البورصة بالتعاون مع كل من مركز المدير المصرى “EIoD “ ومؤسسة ستاندرد آند بورز مؤشر S&P/EGX ESG للاستدامة وتم إطلاقه فى 2010 والذي يعد ثانى مؤشر على مستوى الأسواق الناشئة، بعد نجاحه فى الهند.
بدأ التعامل على المؤشر عند مستوى سعرى بلغ 1000 نقطة، وقفز خلال هذه الفترة ليتجاوز فى الوقت الحالى مستوى 1900 نقطة، وتعتمد منهجية المؤشر على اختيار أفضل الشركات أداء وفقا للإفصاح الفعلى والمعايير البيئية والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة من بين أنشط 100 شركة مقيدة فى البورصة المصرية.
فريد: دورات تدريبية للشركات الأقل التزاما بمعايير الاستدامة
قال محمد فريد، رئيس البورصة، إن سوق الأوراق المالية توجهت للاهتمام بالاستدامة إدراكًا لأهمية تعزيز ممارسات الاستدامة فى الشركات منذ 2010، عندما دشنت البورصة المصرية مؤشرا يتابع أسعار أسهم الشركات التى لديها ترتيبا مرتفعا فيما يتعلق بممارسات الاستدامة، وهى الحفاظ على مستويات أداء بيئى جيد، والأعمال والمسؤولية المجتمعية، وإتباعها لمعايير الحوكمة.
أكد لـ”المال” أن بناء قدرات أسواق المال فيما یتعلق بالاستدامة وفق أفضل الممارسات العالمية، بات ضرورة لا غنى عنها لضمان استمرارية نتائج عمليات التطوير والإصلاح فى البورصات وتحقيق مستهدفاتها، ومساهمة أسواق رأس المال فى تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة والمعدة والمعلنة من الأمم المتحدة.
أوضح أن العديد من الدراسات أثبتت أن الشركات التى تطبق معايير الحكومة، ولديها الوعى بالأمور المرتبطة بالأبعاد البيئية والمسئولية المجتمعية والمساواة والتنوع بين الجنسين فى العمل، تحقق نتائج مالية أفضل من مثيلاتها التى لا تطبق هذه المعايير، وبالأخص أن كانت تلك الشركات مدرجة فى أسواق المال.
أوضح أن مصر أول دولة عربية وفى شمال إفريقيا تصدر مؤشر للشركات التى لديها ترتيب مرتفع فى ممارسات الاستدامة، وحالياً المغرب فقط بجوار مصر، كما أن قواعد القيد وتعديلاتها تنص فى العديد من البنود على متطلبات الحوكمة والإفصاح عنها، فضلا عن قيام البورصة المصرية بإعداد برنامج تعريفى وتدريبى بشأن معايير الإفصاح والاستدامة.
جدد رئيس للبورصة المصرية دعوته لمنظمات التنمية الدولية للاستثمار فى الشركات المكونة لمؤشرات الاستدامة، موضحا أنه تبنى مبادرة خلال فعاليات مؤتمر الحوار العالمى لمبادرة الأمم المتحدة للبورصات المستدامة فى جنيف، أكتوبر 2018 .
لفت إلى أنه من بين هذه المؤشرات، الاستدامة الصادر عن ستاندرد أند بورز والبورصة المصرية للشركات الأكثر التزاما بمعايير الاستدامة والحوكمة، الذى يمكن الاستثمار فيه عبر تأسيس صناديق المؤشرات المتداولة، ليس فقط لتحفيز الشركات على الإفصاحات المرتبطة بالاستدامة، وإنما للعمل على الاستثمار فى هذه المجالات مثل تخفيض استهلاك الطاقة المولدة من مصادر متجددة وغيرها.
أكد أن البورصة المصرية قد انتهت هذا العام من تحديث أول تقرير استدامة أصدرته للشركات فى 2016، موضحاً أنه جارى التحضير لعمل دورات تدريبية للشركات الأقل التزاما بمعايير الاستدامة، ولا تصدر تقارير عن الاستدامة، سعيًا من البورصة لتحفيزها على الانخراط فى ممارسات الاستدامة.
الألفى: اتجاه لمواكبة العالم ورغبة الصناديق الكبرى بالاستثمار فى الكيانات الأكثر حفاظا على البيئة
قال عمرو الألفى، رئيس قطاع البحوث بشركة “شعاع” لتداول الأوراق المالية، إن هناك اهتمام دولى خاصة من البنك الدولى، الذى تتضمن أهدافه الـ 17 تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة، التى يأتى من ضمنها التغير المناخى وانبعاث الكربون على سبيل المثال وتأثيره على الشركات.
يرى أن هناك بعض صناديق الاستثمار يكون لديهم الرغبة فى شراء الأسهم التى تلتزم بمعايير الاستدامة والحفاظ على البيئة، بالتالى هى شكل من أشكال الترويج للسوق المصرية، مؤكدا أن تحول مصر إلى هذا الاتجاه يشير إلى مواكبة العالم فى حين أن البعض يرى أن هذه الأمور ثانوية لكن الاستدامة أصبحت مهمة على مستوى العالم.
أكد أن بعض القائمين على إعداد رسائل الماجستير والدكتوراة فى الجامعات المختلفة وجهوا لنا أسئلة تتعلق بمدى تاثر الشركات بتطبيق الاستدامة، لا سيما على الاستثمارات التى توجه للشركات الملتزمة بهذا التوجه.
يذكر أن الآلية الذى يتم بمقتضاها اختيار الكيانات الممثلة فى مؤشر الاستدامة، تتضمن المسح السنوى للشركة والموقع على شبكة الإنترنت والقوائم المالية والنشرات، وتقارير الإفصاح مع العلم أن المؤشر يأخذ فى الاعتبار معايير السيولة ورأس المال السوقى لهذه الشركات.
كا يجرى كل 3 أشهر مراجعة أهم الأخبار والأحداث الجوهرية على الشركات المكونة لمؤشر الاستدامة، بهدف تحديد سلوك الشركات، بحسب بيانات مركز معلومات البورصة.
كانت البورصة المصرية قد اقترحت فى نوفمبر 2017 تشكيل لجنة الاستدامة تابعة لاتحاد البورصات الأفريقية، التى تعمل تحت رئاسة مصر، وقادت بورصة مصر إعداد أول خارطة طريق لاستدامة أسواق رأس المال الأفريقية، فى ديسمبر 2018 .
اعتمد فريق العمل إعداد خارطة طريق استدامة البورصات الأفريقية، برئاسة البورصة المصرية، على استطلاع رأى لأعضاء اتحاد البورصات الأفريقية يضم 41 سؤالا بشأن ممارسات الاستدامة، شارك فيه %84 من أعضاء الاتحاد، وتتضمن خارطة الطريق التى تواكب أفضل الممارسات العالمية فى مجال الاستدامة، 4 محاور رئيسية.
المحور الأول تعريف الاستدامة وكيفية تطبيقها، وشمل الثانى تحفيز البورصات على عمل تقارير استدامة سنوية، مع حث المقيدة على إصدار تقارير نصف سنوية تتضمن مجهوداتها على مستوى البيئة والحوكمة والمسئولية المجتمعية.
أما المحور الثالث فتضمن مساعدة البورصات على إعداد منتجات ومؤشرات تضم الشركات الأكثر التزاماً بمعايير الاستدامة، تمهيداً لإطلاق مؤشر قارى لاستدامة الشركات، والمحور الرابع رفع درجة وعى السوق بمعايير الاستدامة والعمل على تمكين المرأة.
فى نوفمبر الماضى أصدرت البورصة المصرية تقرير المتابعة الأول لخارطة طريق استدامة البورصات الأفريقية، خلال فعاليات المؤتمر السنوى لاتحاد البورصات الأفريقية الـ23، الذى عقد فى بوتسوانا وتضمن تقرير المتابعة تحليلاً لوضع الاستدامة فى المحاور الرئيسية لخارطة طريق الاستدامة، ومنها محور تقييم الأثر داخلياً للوقوف على وضع البورصات فيما يتعلق بالاستدامة.
وتضمن تقارير الاستدامة على مستوى البورصات، والشركات المقيدة، فضلاً عن محور تطوير الأسواق والمنتجات المالية المرتبطة بالاستدامة، وأخيرا محور التعليم ورفع الوعى بأهمية الاستدامة.
ذكر التقرير أن أداء البورصات الأفريقية شهد تحسناً ملموساً فى الأبعاد المختلفة للاستدامة، وارتفع عدد البورصات التى تقوم بالإعلان عن أعمال الاستدامة ضمن تقاريرها السنوية، وزاد الاهتمام بآليات التمويل “الأخضر المستدام”، كما شاركت البورصات الأفريقية بشكل أكثر فاعلية فى المبادرات العالمية للاستدامة.