من تراب الطريق (748)

من تراب الطريق (748)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:31 ص, الخميس, 5 ديسمبر 19

من اللافت إن شيئًا لم يتغير من حرصنا على المغالاة فى التظاهر باستخدام أحدث الآلات والقوى فى المنافسة التى لم نحسنها بعد.. فقد تراجعنا بشدة إلى الوراء..

لأننا بتنا فى أعماق التفكك التام والأنانية السائدة فى كل مستوى، واليأس الذى بات يعلنه الشعب ويطويه فى أعماقه الخاصة. هذه الأعماق التى تغمرها صباح مساء الشكوك والمخاوف لانعدام الرجاء فى المستقبل القريب، فى ظهور الرخاء الجاد الذى كنا نتوقعه من قبل.

بتنا اليوم كل منا دون استثناء مكتف بيومه هذا يعيشه بقدر ما يمكنه.. لا يفكر فى غده وماذا بيده خيرا من يومه، بل لا يفكر فى غدٍ ما يمكنه أن يعيشه لأنه ينتظره ويرجوه. هذا الوجود الخالى من الرجاء والأمل المبشر الجاد غَاصٌ بسرعة البرق بالسخط أو الغضب أو الشجار أو العراك أو القتال.. أو يحتشد فى مجتمعه باستمرار بحقد الحاقد ولعن اللاعن ومقت كل نجاح تصور أن غيره حققه فى دنيا الكساد أو الفساد!

معظم الناس لم تعد تثق ثقة تامة قط فى شىء أو شخص. فى البيت أو خارجه.. فى حاكم أو محكوم.. فى عادى مألوف أو غير مألوف.. فى جاهل يتخبط أو ساقط لا يبالى بحرام أو حلال فى إرضاء أناه، وإنما توجد حركات وقرابات واتصالات ومعارف ومنافع وقتية مكررة وغير مكررة وحيل مشتركة وغير مشتركة ومظاهر تجارات داخلية أو خارجية ومعالم صناعات أو زراعات أو نقل أو مبادلة أو بنوك أو شركات أو بورصات ومكاتب متصلة مع سماسرتها.

فنحن اليوم فى أواخر ما كان منتفخا عدة مرات فى القرنين التاسع عشر والعشرين ثم انكمش فى أيامنا باطراد متتابع، وقد جاوز الانكماشات السابقة بما يحتاجه إلى تغيير هائل يكتسح معظم ما عرفناه وألفناه فى ماضينا وماضى من سبقونا جميعا بطوله وعرضه، مما لا أول له ولا آخر من الانخفاضات والارتفاعات والعكس، ثم انتهى بالانخفاضات الحالية التى قد تجاوزت أى تكرار ممكن فى عين العاقل الفاهم الذى لا تخدعه أنانيته!

فما معنا اليوم والغد نهايات فيما يبدو وليست مجرد تغيرات وقتية تزيد وتنقص مع الأزمنة والأمكنة إلاّ أن يكون فى انتظارنا، برغم غموض أحوالنا واضطرابها الفاشى، انطلاق إلى الفضاء وما فيه من مادى وحركى للشمس وكواكبها وتوابعها والكون الهائل الذى لا نعرف حتى الآن امتداداته وما يحتويه من خيرات لم تُعرف لنا بعد..

إذا قدر القادر عزّ وجلّ لنا شيئا من ذلك الخير، لأبنائنا أو لأبنائهم أو من يجىء بعدهم، لحققنا للبشرية عالما جديدا لا يعرف قط ما نسميه نحن اليوم والغد، بالمكر والخديعة والخبث والأنانية.. لم تعد هناك جدوى فى المظاهر كائنة ما كانت من أكابر الناس وأكابر التقديرات وأكابر الخطوات وأكابر المحاولات والاجتهادات.. إذ الحقيقة هى الأصل والظواهر صور، فتحكمات القرارات والاعتمادات والقوانين واللوائح وإعلانها وتوزيعها والأوامر بها دون تنفيذ حقيقى جاد خيال وعبث لا يسنده أصل قائم فعلى يعرفه معرفة تامة كل آدمى!

فما يدعى المتسلطون أو المعتدون أنه واجب يلتزم به الخلق كائنا ما كان شكله ونوعه وأوله وآخره هذا الادعاء هو بدعة وخرافة ومجازفة سوف يودى هؤلاء الحمقى بالبشرية إلى نهايات تعيسة، ما لم يقيض للبشرية من يحل محلهم من مخلوقات أعرف وأبصر وأعقل. وسبحان القائل فى كتابه العزيز: «وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» .

[email protected]

www. ragai2009.com