من تراب الطريق (747)

من تراب الطريق (747)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:17 ص, الأربعاء, 4 ديسمبر 19

يبدو لمن يرقب عالم اليوم، أن سعة الاجتهاد فى الأرض قد ضاقت على الآدميين، لتكاثرهم وكثرتهم الهائلة المتزايدة، وما أدت إليه الآلات والأدوات المتقدمة البالغة الدقة، من منافسة للأيدى البشرية العاملة، ومن فرض التنافس فى اقتنائها والأكثر تطورًا منها ـ على أصحاب رءوس الأموال فى الصناعات الحديثة، فضلاً عما يترتب عليها من انتشار البطالة.

والآدميون ليسوا نسخًا متكررة، وإنما تختلف ذواتهم اختلافًا كثيرًا أو قليلاً، ومن ثم لا يتطابق أحدٌ منهم مع غيره، ولا يشبهه فى السحنة واللون والطول، وفى الذكورة والأنوثة، وفى الأعمار. وتبعًا لذلك تتغير الجماعات وتختلف كل منها بعاداتها وخصائصها وعلاقاتها فى داخلها وفى خارجها، ويتنازع أفرادها على رئاستها وقيادتها وتبوأ مواقع الصدارة فيها.

وجماعات البشر تتضخم فى الحاضر أكثر مما كانت تتضخم فى الماضى، وخذ الصين كمثال، فقد ازدادت عدديًّا ازديادًا هائلاً فى السنوات الأخيرة. كما ازداد تعداد الولايات المتحدة، وأضيف إليها خلال القرنين الأخيرين جماعات وولايات كاملة، وشملت مساحتها الآن أغلب مساحة أمريكا الشمالية شرقًا وغربًا؛ وشمالاً وجنوبًا.

وكلنا يعتقد أن كثرة المعارف المتداولة بيننا باتت من المسلمات التى لا تحتاج إلى إثبات، مع أنها تترجم فقط عما اعتاده أغلب الناس، ولا تعدو فى الغالب الأغلب أن تكون اتباعات وانسياقات وتكرارات وتقليدات، لا يبدو منها للملأ شذوذ أو غرابة.. يسرى ذلك على الجماهير بعامة، شاملة الحكام والمحكومين، والأغنياء والفقراء، وأدى التعامل مع المتبع على أنه هو الحقيقة المسلم بها، والاستسلام إلى منطق التقاتل والصراعات، أدى إلى انحرافنا جميعًا على مدى أربعمائة أو خمسمائة سنة حتى غصنا إلى قاع ثائر غائر نهايته إذا استمر عدم التفطن ـ زوال أو انقراض وجود البشر!

وحياة الآدميين من بدايتها إلى اليوم والغد ؛ قصيرة جدًا بالقياس إلى عمر الكون، وتنتهى دائمًا بزوال لا يحيط به الباقون على قيد الحياة.

حياة الأحياء كافة حياة وقتية فى أفرادهم، ولكنها متعاقبة متطاولة فى تعاقب وتبادل أعقابها إلى ما شاء الله تعالى.

والآدمى ـ ككلمة ـ وصف عام للبشر ؛ يتصف به كل فرد مدة حياته هو علـى الأرض. أما الموتى فقد فقدوا وجودهم فى الدنيا نهائيًّا بغير رجعة إليها، وآثارهم التى فى أيدى الأحياء منا محصورة فيما كانوا قد أبدوه أو فعلوه وهم أحياء فى زمانهم، وهو بالقطع غير زمننا، كما أن زمامنا غير الأزمنة التى تجىء وتتعاقب من بعدنا.

فحياتنا وقتية زمانًا لكل فرد من عمره منذ خلقنا.. محصورة بداية ونهاية فى الأعمار الوقتية فقط فى أزمنة متتالية دائمًا بلا انقطاع، والمستقبل هو فقط الذى يتحرك من حاضر صدر عن ماضٍ خلال حياة تنتهى حقًا دنيويًّا بنهايات الأعمار التى تعقبها المواليد، وهى متغيرة باطراد متغير بين النقص والزيادة والقلة والكثرة والتقارب والتباعد والتجمع والتفرق والسهل والجبل والأنهار والثلوج والأمواج والجفاف والجدب ودوام الترحال.. وهذا الانتشار المنقطع المتعدد من أول البشرية حتى اليوم ـ يتحرك هنا وهناك فى جماعات وطوائف ينحاز إليها أفراد.. قربًا أو بعدًا بعضهم إلى بعض أو عـن بعـض.. تلقائيًّا أو بترتيب دول وحكام وقادة يحددون نوع الانتشار ومآله اتساعًا أو ضيقًا أو انتقالاً أو فضًا أو نهايةً وزوالاً مفروضًا فرضًا!

والواقع أن البشرية رغم كل ما تتظاهر به من إلمام بأحدث الآلات والتقنيات واستخدامها، إنما تتراجع بالفعل تراجعًا شديدًا غير مسبوق إلى الوراء. لا خير للبشرية إنْ لم تتفطن إلى أسباب ذلك ودواعيه، ووسائل مغالبته والخروج منه!

[email protected]

www. ragai2009.com