ابتدأت المتوالية الهندسية- المثيرة فى تراتبها لحصار العالم العربى- فى أعقاب غزو العراق 2003 .. إلى تصفية الترسانة الصاروخية الليبية عشية 2004.. إلى «محاسبة» سوريا منذ 2005، قبل سنوات من اجتياح انتفاضات «الربيع العربى» (يناير – مارس 2011) كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا، بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الأميركية من العراق، بهدف تصفية جيوش وطنية تمثل عناصر قلق منذ الخمسينيات تقريباً للاستراتيجية ا لأميركية (الغربية)، التى استحدثت فى منتصف العشرية الأولى للقرن 21.. مقترحها بشأن مشروع للشرق الأوسط الجديد «الموسع»، والمراهنة على تطبيقه من خلال «الفوضى الخلاقة» – وفق تعبير الخارجية الأميركية آنئذ – إلا أن الموجة الربيعية العربية لم تكتمل وفق رهانات الرؤية الأميركية على كل من تركيا وقطر وتنظيم «الإخوان».. للهيمنة على مجمل المنطقة، إذ ما كادت تلك المتوالية الملتبسة التى استغرق الإعداد لها سنوات.. توشك على استكمال حلقاتها، إلا وسقط حكم «الإخوان» فى مصر 2013، كما وتأكد صمود سوريا مع دخول الروس إلى جانبها 2015، فيما انتبهت دول الخليج لمواجهة المخاطر التى قد تمثلها «دولة الخلافة» على أنظمتها من قبل تركيا وجماعة الإخوان وقطر، إلا أن فشل الموجة الأولى من الربيع العربى لم يحول بين المخططين لها من الخارج.. ومعاودة التفكير فى تعديل الخطة لمنع التواصل بين كل من إيران وروسيا والصين (وحلفائهم من العرب).. لما قد يمثله ذلك المحور الناشئ من تعديل على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، والعالم، الأمر الذى أفضى إلى تداخل السجالات بين الجانبين على النحو الذى تدور بشأنه الانتفاضات الجارية منذ أكتوبر 2019 فى كل من لبنان والعراق وإيران، من ناحية، ولما يتصل من ناحية أخرى بتركيا التى سارعت باستئناف رهانها على إقامة «دولة الخلافة» من خلال التسلل إلى ليبيا (من بعد فشل رهانها على مصر وسوريا)، إذ أبرمت فى نهاية نوفمبر مع حكومة «الوفاق» (عن المؤتمر الدولى فى الصخيرات ديسمبر 2015) مذكرة تفاهم تقضى- مع عدم قانونيتها- بتسليم الجهاز الأمنى التركى كافة الأرقام القومية للمواطنين الليبيين، ما يعنى تدخل تركى رسمى فى سيادة الدولة الليبية، الأمر الذى يشكل وضع خطير داهم على الجبهة الغربية لمصر، كما ويفتح ليبيا أمام الجيش التركى، فى مواجهة شبه مؤكدة مع الجيش المصرى.. الذى عليه أن يتحمل آنئذ عبء الاشتباكات المسلحة على جبهتين فى وقت واحد، ناهيك عن تبعاتهما على الأمن الداخلى.
إلى ذلك، وعلى صعيد متصل للقلق الأميركى لما تعتبره الخارجية الأميركية تدخلات روسيا فى الشأن الليبى، فإن إقحام تركيا على خط الأزمة الليبية، ومع ما لها من علاقات مزدوجة يشوبها رهانات ملتبسة مع كل من واشنطن وموسكو، سواء فى سوريا أو حلف الناتو.. إلخ، فإن تدخل أنقرة المتصاعد فى الشأن الليبى، قد يسفر عن معادلة ثلاثية ربما تحد من مساهمات مصرية إلى جانب الجيش الوطنى الليبى، ما دفع القاهرة إلى المبادرة بإدانة مذكرتى التفاهم التركية- الليبية، فى مجالى التعاون الأمنى والمناطق البحرية، بوصفه أمراً «غير شرعى».. لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أطراف ثالثة، ومع أن الإعلان التركى للتدخل فى الشأن الليبى «مناف للعقل» من الناحية الجغرافية، إلا أن سلطات أنقرة تعتمد على فرضية «الأمر الواقع».. بما يتفق (أو قد لا يتفق) مع احتمالات المخططين لهبوب عواصف «الربيع العربى» مجدداً.