من المعروف أنه لم تكن لليونان القديمة سطوة وقيمة عالية إلاّ فى ملك الإسكندر الأكبر فى القرن الثالث قبـل الميلاد، وقد تفكك ملكه إلى دويلات مختلفة حل محلها فى القرون الثانى والأول قبل الميلاد والأول والثانى بعده، حل محلها الرومان.. ثم انقسم الملك الرومانى إلى ملكية شرقية وأخرى غربية.. ثم تمزق الجانب الغربى وحلت محله البابوية الغربية وتقوقع الملك الشرقى إلى أن أجهز عليه السلطان محمد الفاتح (التركى) بفتح القسطنطينية بعد الألف والمائة الرابعة والخمسين، وتمجد من بعده إلى العلا ـ السلطان سليمان الأول المعظم فى دولة استمرت من 1520 إلى 1566م.. ثم بدأت الدولة العثمانية العلية فى الانكماش والتدهور تدريجيًا، على حين نهضت دول أوربا الغربية بعكسها من القرن السابع عشر الميلادى إلى نهاية الحرب العالمية الأولى فى عام 1918، وانتهت فيها الملكية والملك إلى يومنا هذا عدا إنجلترا وأسبانيا والدانمرك والسويد وبلجيكا وهولندا، وخلال ذلك الزمان الماضى أخذت الملوكية الفرنسية فى الكبرياء والازدهار النسبى من أواخر القرن السادس عشر الميلادى ـ ولم تلبث كثيرًا حتى تجاوزتها إنجلترا فى القرون الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل القرن العشرين.. فى هذه القرون بثت إنجلترا سلطانها الذى عاد الآن فانكمش تماما وتحول مع الوقت إلى كندا وأمريكا وأفريقيا وأستراليا والشرق الآسيوى والهند كلها.. فلما انتهت الحرب العالمية الأولى فى نهاية 1918، كانت قوى إنجلترا قد أنهكت تمامًا برغم انتصارها بمعونة فرنسا والولايات المتحدة، وقد غطت متاعب إنجلترا وفرنسا مصاعب وهلاكات تلك الحرب الهائلة الضروس، لكنها لم تتمكن قط من إزالتها.. أما ألمانيا المتصلبة المتحكمة التى استبعدت عن الملوكية ـ فقد بادرت بالانتقام السريع من أولئك المنتصرين الذين لم يتوقعوا الاستعداد للحرب العالمية الثانية.. فقد رتب هتلر ثورة النازى من سنة 1933 إلى 1945 وبدأ بإحراق الرسينتاج وبالحصول لنفسه على لقب الفوهرر وقيـادة الدولـة فـى المـدة من 1934 إلى 1939 مع تسلط البوليس المتحد والأمن، وعداوته الخاصة ليهود ألمانيا، مع إلغاء حقوقهم والاستيلاء على أملاكهم ومحاصرتهم إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية، فتخلص منهم هتلر الذى احتكر الجيش والخارجية، وبات هو القائد العام لجميع القوى العسكرية، وحل محل وزير الدفاع، كما أبعد ستة عشر من كبار القادة حتى صار فى النهاية الحاكم الوحيد المنفرد على ألمانيا بكاملها الهائل وقتئذ.. إذ استولت قواته الألمانية على النمسا فى 12 مارس سنة 1938، ثم امتدت إلى تشيكوسلوفاكيا، ثم استولت على بولندا، ثم فاز هتلر على فرنسا وإنجلترا وهزمهما على أرض فرنسا واكتسح بلجيكا وهولندا، واندفع من بولندا إلى روسيا ووصل إلى مشارف موسكو.. وكان هتلر قد تخلص تمامًا من علاقـاته بالاتحاد السوفيتى، وانقلب عليه لابتلاعه وأوشك أن يحقق مراده بضمه إلى سلطانه الذى قارب الاستيلاء على شرق أوروبا كلها وعلى شمال آسيا بأسرها.. وفى عام 1943 دفعت ألمانيا النازية الهتلرية هجومًا إلى الفولجا وتحولت إلى ستالينجراد إصرارا لعناد هتلر على عدم التراجع، ولكن فى أعماق روسيا بعد أن طالت خطوط الإمداد، دارت عليه الدوائر ودحره السوفييت واستولوا على الجيوش الألمانية فى يناير سنة 1943، فصادف ذلك فى عام 1944 قيام الغربيين الحلفاء بالهجوم وقتئذ على ألمانيا نفسها، وفى العام التالى دخلوا عاصمة ألمانيا وانتهى عندئذ فيها إلى الأبد وجود هتلر وصديقته وجوبلز وأسرته !
وقد استسلمت ألمانيا المحتلة بعد زوال ثورة النازى نهائيا إلى الفائزين إذ ذاك.. أى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وبريطانيا وفرنسا، وبات ترتيب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية معقولاً، وقد زال الاحتلال الألمانى السابق من كل شبر فى غرب أوروبا شمالاً ووسطاً وجنوبًا، وصار حرًّا مستقلاً، على حين وقع شرق ألمانيا كله وجميع الدول الأخرى التى كانت مستقلة قبل الاحتلال الألمانى ـ وقع ذلك كله تحت السيطرة العليا الدائمة عندئذ للاتحاد السوفيتى الذى لم يكن يسمح لغير ألمانى شيوعى بإدارة ألمانيا الشرقية أو الاشتراك فى إدارتها فى أى اتجاه.. وفى نهاية ثمانينيات القرن الماضى انتهت تمامًا الثورة النازية، وثارت وانفصلت كل أمة كانت منضمة إليها، كما ثار أغلب أهالى روسيا على النازية الهائلة وعلى رفضها وطردها سواء فى الجـزء الأوروبى أو الآسيوى الممتد إلـى المحيط الباسفيكى، وقد بقيت كوريا الشمالية مع الصين ومع جنوبه إلى يومنا هذا فى المعسكر المخالف للاتحاد السوفيتى قبل زواله !
ربما لن ينقذ المسكونة الأرضية من الهلاك إلاَّ منافع وفوائد الفضاء، ومزايا الشمس وكواكبها وتوابعها فى هذا الكون العظيم الذى لا نعرف عنه إلاَّ أقل القليل.
لم يظهر بعد البشر القادرين على الفهم الواضح الجلى الذى لا يضل، وعلى التعامل المجدى ليل نهار، خارج الأرض كلها بعمقها وسطحها وجوهـا.. للأسف ينسى الجميع تمامًا ماضينا وحاضرنا الحالى كليـة.. وينسـون ما عندنـا ومعنا بلا تمييز.. لأن هذا النسيان يغفل حتما عن وجودنا المختل الضائع الذى زاد على الماضين قبلنا حمقًا وبشاعة، فضلاً عن سطحيتنا وأنانيتنا وغرورنا الغيـر المسبـوق الـذى لا يوصف !
www. ragai2009.com