تتسارع فى السنوات الأخيرة- أنظمة عربية- لغسل الأيدى من تبعات الصراع مع إسرائيل ، لفرط تعقيدات تبعاته، إلا أن الرأى العام عربياً ينحو إلى وجهة نظر أخرى.. تمثل كابحاً لئلا يهرول الحكام إلى الالتحام مع إسرائيل، كأمر باطل لا يأتى من القمة، بل يجب أن ينبع من الجذور، أساسه القبول المتبادل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، كعقبة تحول دون كامل الاعتراف العربى بالدولة العبرية De facto من ناحية، كما يتناقض من ناحية أخرى مع رؤية المشروع الصهيونى لغاياته العليا من مركز القوة، إذ ما بين شعور العالم العربى بمدى الغبن الواقع عليهم.. وبين شعور الصهاينة بمهانة عدم التحصل على الاعتراف بوجودهم من جانب جيرانهم، تنتصب المكابرة بين الجانبين كى توقف عجلة التسوية السلمية عن الدوران- وتتزايد مصاعب المقاربة بالنسبة للعلاقات العربية- الإسرائيلية، ذلك فيما تشير استطلاعات الرأى إلى عدم اهتمام الإسرائيليين بالتسوية مع الفلسطينيين، كما يرفض العرب بالمقابل كل مبادرات التسوية الأميركية إن لم تنص على «حل الدولتين»، فى الوقت الذى تتصاعد توجهات اليمين المتشدد الإسرائيلى القائمة على الاستخفاف المستمر بالمجتمع الدولى.. ما يشكل عقبة أمام تطوير علاقات قائمة بالفعل مع العالم العربى.. تعتبره السلطة الفلسطينية إجماعاً عربياً لإفشال محاولات إسرائيلية للضغط على تغيير أولويات «المبادرة العربية للسلام» التى اتفقت عليها قمة بيروت 2002، كمرجعية لإقرار مبدأ «السلام مقابل الأرض»، ما يفرض على المجتمع الدولى- بحسب السلطة الفلسطينية- التصدى الحازم للتمرد الأميركى- الإسرائيلى على إرادة السلام العربية.
على صعيد مواز، تعانى إسرائيل فراغاً سياسياً منذ أبريل 2019.. نظراً للفشل مرتين فى تشكيل الحكومة، ذلك فيما يباشر اليمين الإسرائيلى التحضير لثالث انتخابات خلال عام، إلا أن رئيس الحكومة «المكلف»- جانتس- عن حزب الجنرالات، يمين الوسط، يرفض الاستسلام لمحاولات رئيس حكومة تصريف الأعمال- نتنياهو- إفشال تشكيل الحكومة الجديدة، إذ يسارع- جانتس- بإبرام اتفاق (محتمل) مع «ليبرمان» (اليهود الروس)، ومع حزب العمل (اليسار)، فضلاً عن الاتفاق مع قائمة الأحزاب العربية (المعادية للدولة من وجهة نظر قادة حزب الليكود) لتشكيل حكومة مشتركة، مما قد يمثل تغييرًا إيجابيًا بالنسبة لتوجه «جانتس» عن العرب وحقوقهم- لأول مرة- منذ حكومة «رابين» 1993، وربما عن ضرورة إعادة تفعيل مسيرة السلام (على غرار «أولمرت») مع الرئيس الفلسطيني، ذلك حال أخفقت مساعى «نتنياهو» فى التقريب نحو انتخابات ثالثة مطلع العام 2020، رغم اصطدام مساعيه برأى عام «منهك» تفضل غالبيته حكومة برئاسة «جانتس» عن اقتراع ثالث.
إلى ذلك، تدخل 13 منظمة يهودية أميركية على خط تعقيدات الأزمة السياسية لتحذر ساسة إسرائيل من خطورة ضم الضفة الغربية، إذ يعتبر البيان الصادر عنهم أن تشابه كل من «نتنياهو» و«جانتس» على تبنى إقرار السيادة الإسرائيلية على غور الأردن.. بمثابة إجراء خطير غير قانوني، سوف يعتبره الفلسطينيون مدمراً لكل فرص السلام، كما يحذرون إسرائيل من الوقوع فى خطأ قد يبدو عند موافقة إدارة «ترامب» على إجراءات الضم، إذ إن لسياسة الحكومة الأميركية مصالحها طويلة الأمد بالنسبة للسياسة المستقبلية المحتملة للولايات المتحدة.
خلاصة القول، فى ضوء ما سبق من سياق.. وما تبين عن استطلاعات الرأى العام فى ذكرى اغتيال «رابين»، يتوقع نحو %40 من الإسرائيليين أن تشهد الدولة اغتيالات سياسية فى السنوات المقبلة، وما إلى ذلك من احتمال متغيرات عميقة، سواء فى الداخل الإسرائيلى، أو بالنسبة لحلفائها الغربيين، كما لما يتصل بالعالم العربى الذى على وحداته السياسية التريث ملياً دون التسرع فى إيقاع خطاهم نحو تصفية الصراع مع إسرائيل، بشروطها، وإلى أن يستبين شكل المتغيرات التى قد تطرأ خلال المهلة الانتقالية المقبلة للمشروع الصهيونى.