نشرتا وكالة “شينخوا” الصينية مقالا عن مشاركة مصر في معرض الصين الدولي للواردات بشانغهاي في الدورة الأولى منه في العام الماضي، مؤكدة أنها حققت نتائج إيجابية عادت بالفوز المشترك على البلدين وأعطت زخما جديدا لعلاقاتهما التجارية.
وجاء في نص المقالة: تتعاظم أهمية حضور مصر للدورة الثانية من المعرض، الذي يقام هذا العام في الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر، في أنها ترفع مؤشر العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى أعلى وتبرز الدبلوماسية التجارية المصرية النشطة تحت مظلة هذا المعرض الهام الذي يواصل التأكيد على أن العولمة الاقتصادية اتجاه تاريخي لا رجعة عنه وأن التعاون المفتوح يمثل قوة دافعة هامة لتعزيز حيوية الاقتصاد والتجارة الدوليين.
ويعد المعرض أحد الأحداث الرئيسية الأربعة وآخرها التي تستضيفها الصين هذا العام – وهي منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، ومؤتمر حوار الحضارات الآسيوية، ومعرض بكين الدولي للبستنة. ويقدم ساحة رحبة أخرى للتعاون الاستراتيجي الشامل بين الصين ومصر، وفرصة للاستفادة من التوسع السريع للسوق الاستهلاكية الصينية ومن ثم زيادة الصادرات المصرية إليها وتعزيز تلاقي فرص العرض والطلب بين الجانبين.
ولقد شكل التواصل والصداقة بين شعبي الصين ومصر منذ القدم ركيزة أساسية لتعاون البلدين وصولا إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1956 والتي وصفها السيد آن هوي هو، الذي سبق أن عمل سفيرا لدى مصر بأنها ساهمت كونها أول علاقات دبلوماسية يقيمها بلد عربي وإفريقي مع الصين في تدشين عهد جديد للعلاقات بين الصين والدول العربية وكذا بين الصين والدول الإفريقية.
ودوما يأتي تطوير العلاقات الصينية المصرية في بؤرة اهتمام البلدين حيث أعطت الرؤية الثاقبة من جانب قيادتي الصين ومصر دفعة كبيرة للعلاقات الثنائية لتتكلل في السنوات الأخيرة بعدد غير مسبوق من اتفاقات ومذكرات التفاهم في مجالات ومنها الاقتصاد والتجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية وغيرها، لتسهم بشكل فعال في جهود التنمية والبناء والتطور المنشود الذي يطمح إليه البلدان الصديقان.
وقد انعكست هذه العلاقات الاقتصادية المتينة بين الصين ومصر إيجابا على شعبيهما وواكبت علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما ودفعت آلية التبادل التجاري بينهما قدما، حيث سجل حجم التبادل التجاري الثنائي رقما قياسيا في عام 2018 وبلغ حجم الصادرات المصرية إلى الصين 1.8 مليار دولار لأول مرة في تاريخ التبادل التجاري بين البلدين، بزيادة 37.84 في المائة مقارنة مع العام الماضي، وفقا لما ذكره هان بينغ مستشار الشؤون الاقتصادية والتجارية بالسفارة الصينية بالقاهرة.
فالروابط الاقتصادية تعد مقوما هاما للعلاقات بين الصين ومصر وتقوم في جوهرها على التعاون متبادل المنفعة، حيث تحرص مصر على فتح أسواق جديدة لمنتجاتها في الأسواق الخارجية وخاصة السوق الصينية الضخمة، فيما تفتح الصين أبوابها على نطاق أوسع للسلع المصرية وخاصة الحاصلات الزراعية منها. فصادرات مصر من الموالح، لاسيما البرتقال، إلى الصين ارتفعت خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2019 لتبلغ 134 مليون دولار أمريكي، بزيادة 65.8 في المائة مقارنة بمستوياتها في عام 2018، وفقا لما أعلنه جهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والصناعة المصرية.
واكتسب التعاون الصيني المصري متانة في ظل الزيارات التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للصين وكذا انطلاقة ملموسة ومتميزة منذ أن وقعت الصين ومصر مذكرة تفاهم بشأن بناء الحزام والطريق في يناير 2016، خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ لمصر ودخلت معها العلاقات الصينية المصرية مرحلة جديدة من تعزيز التفاعل والتعاون.
فمبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين في عام 2013 هي مبادرة للتنمية السلمية والتعاون الاقتصادي، ووقعت الصين بشأنها 174 وثيقة تعاون مع 126 دولة ومنطقة و29 منظمة دولية، وأدت الجهود التي استثمرت فيها إلى تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار بين الدول والمناطق المشاركة فيها وأطلقت إمكانات النمو ومكنت هذه الدول والمناطق من التعامل مع عولمة اقتصادية أوسع وأعمق.
وقد كانت مصر من أوائل الدول التى أعلنت دعمها للمبادرة انطلاقا من درايتها بحجم الفرص الضخمة التي تتيحها. ومن خلال الإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة برزت جهد الجانبين الحثيث في تحقيق المواءمة بين استراتيجتهما التنموية المتمثلة في مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية مصر 2030 انطلاقا من نقاط الالتقاء والتكامل بينهما.
وتجسدت هذه المواءمة في تعاون الجانبين في تنفيذ العديد من المشروعات التنموية الكبرى التي تشارك فيها الشركات الصينية بدور مميز، حيث تقدم خبراتها وتكنولوجياتها في مجالات متعددة وتوفر فرص عمل للشباب المصري فيما تستفيد من الموقع الجغرافي المتميز لمصر والذي يتيح لها النفاذ إلى عدد من الأسواق الإقليمية والدولية في ضوء الاتفاقات التجارية الموقعة بين مصر وتلك الدول والتجمعات خاصة الإفريقية منها، ولهذا أكد وو بينغ بينغ الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة بكين أن مصر تعد من الناحية الجيوسياسية دولة مهمة للغاية في هذه المبادرة.
وبدءا من مشاركة الصين بفعالية في مشروع تنمية محور قناة السويس من خلال منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري التي استطاعت تطوير أكثر من 7 كم مربع في العين السخنة وأنهت المرحلة الأولى منها بجذب حوالي 68 مشروعا لتحتضن 77 شركة باستثمار فعلي يتجاوز مليار دولار أمريكي حتى نهاية 2018، وصولا إلى بناء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، تواصل شركات صينية العمل في مشروعات بمصر لتساعد في التصنيع وبناء البنية التحتية ونقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر، ما يعد دليلا على حرص البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة.
وتواصل مبادرة الحزام والطريق فتح آفاق رحبة للتعاون بين البلدين في ظل جهودهما المشتركة، فقد وقعت الدولتان اتفاقية حول بناء أكبر مشروع عالمي لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف في مصر عام 2018، كما أصبحت مصر أول بلد يقوم بالتعاون في مجال الأقمار الصناعية مع الصين في إطار المبادرة مع توقيع البلدين في سبتمبر 2019 على وثائق بدء تنفيذ مشروع القمر الصناعي “مصر سات 2” ليدخل المشروع بشكل رسمي مرحلة التنفيذ.
وإلى جانب كونه يوفر منصة تعرض من خلالها الشركات الأجنبية منتجاتها وتستكشف قنوات جديدة لدخول السوق الصينية، يتميز معرض الصين الدولي للواردات بتضمنه لفعاليات منها عقد لقاءات ثنائية ومنتديات استثمارية تتيح لمصر نافذة لعرض أوجه تنميتها وإنجازاتها الاقتصادية وما لديها من فرص استثمارية وما اتخذته من إجراءات لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار، لاسيما أن حجم الاستثمار الصيني في مصر بلغ في عام 2019 نحو سبعة مليارات دولار أمريكي ووفر حوالي أربعين ألف فرصة عمل للمواطنين المصريين.
يصادف عام 2019، الذكرى السنوية السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وفيه يكون قد مضى على إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية-المصرية 63 عاما توطدت خلالها أيضا العلاقات الثنائية في مجالات الثقافة والتعليم والسياحة ليسير البلدان جنبا إلى جنب وينخرطان في تفاعل ودي مثمر رغم التغيرات التي يشهدها العالم، ومن ثم فإن علاقاتهما تحمل سمات مميزة وتمثل نموذجا للتعاون بين بلدان الجنوب.
يقول المثل العربي “الصديق قبل الطريق” ويقول الصينيون “الفهم المتبادل كنز ثمين للأصدقاء”. وانطلاقا من هذا سيواصل البلدان الصديقان الصين ومصر بذل جهود دؤوبة لتحقيق المزيد من التطلعات والآمال المشتركة في التنمية وإنماء وتوسيع آفاق التعاون بينهما وكتابة فصل أكثر جمالا في علاقاتهما الاستراتيجية الشاملة.