ذكرت وكالة أنباء شينخوا الصينية أنه تم تقديم علاج لقرابة 73 ألف مريض، وإجراء أكثر من 4 آلاف عملية جراحية، فضلًا عن تخفيف آلام مصابين بأمراض خطيرة كأورام النخاع الشوكي والشلل الدماغي، وشفاء بعضهم، هذا ما تكشفه النظرة الأولى على الأرقام المبهرة للبعثة الطبية الصينية الـ34 في السودان.
وخلال عام واحد من العمل في السودان، نال الطاقم الطبي الصيني امتنان وشكر حكومة وشعب السودان؛ لما تحلَّى به من مهارات طبية رائعة وأخلاق نبيلة، جعلته يجلب التقدير والثناء أيضًا لوطنه الأم.
المثابرة بإخلاص في أصعب الظروف
بعد وصول البعثة الطبية إلى السودان، في أكتوبر 2018، لم يواجه الطاقم الطبي الصيني مشكلات في اختلاف بيئة العمل والمعيشة، ومحاولات التكيف مع ذلك فحسب، وإنما توجّب عليه أيضًا التعامل مع الظروف الناشئة عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية في البلاد.
لكن تمسُّك الطاقم الطبي بواجب تقديم الرعاية الطبية في إطار المهمات الخارجية جعَل أفراده يتحلَّون بالحماسة والإيجابية، ويكرسون أنفسهم للعمل الطبي المكثف الذي يندرج ضمن المساعدات الخارجية،
وبالرغم من عدم التجهيز الكافي للمرافق الطبية ونقص المعدات، قدَّموا العلاج لمرضى محليين مصابين بأمراض خطيرة باحترافية عالية.
وقال الطبيب شيانغ يي، المختص بجراحة المخ والأعصاب، إن المستشفى الذي يقيم فيه الفريق الطبي الصيني يعتبر الأفضل من نوعه بالمنطقة المحلية، لكن الظروف الصحية متدنية للغاية، وحتى الأدوات الجراحية لا تحظى بتدابير تعقيم صارمة، والجراحة في هذه الظروف تجعل المريض مهددًا بخطر الإصابة بالعديد من الأمراض التي تقشعر لها الأبدان.
لذلك اتبع الأطباء الصينيون إجراءات متفردة لضمان الحد الأدنى الآمن من التعقيم؛ لتجاوز قلّة المعدات.
وقال قوه يونغ، رئيس البعثة الطبية، إنه “لأمر نادر المثابرة في ظل أصعب الظروف”، مضيفًا أنه “عندما كان الوضع السياسي في السودان يعيش حالة اضطراب، كان هناك إضراب في المستشفى،
الأمر الذي نجم عنه تعليق العمل فيه. بالنظر إلى ألم المرضى وخيبة أملهم، لم يشتكِ أحد من أعضاء البعثة الطبية، وأصرّوا على الاستمرار في عملهم لتقديم العلاج الطبي حتى استئناف التشغيل العادي للمستشفى”.
وفي سبتمبر الماضي، قامت البعثة الطبية الصينية بإجراء عمليات مجانية لمصابين بمرض إعتام عدسة العين أو “المياه البيضاء” في السودان ممن يعانون من صعوبات مالية، مما جلب الأمل بالتعافي للكثيرين.
وبسبب عدد المرضى الضخم، غالبًا ما اضطر أطباء العيون كتونغ شي لونغ ووانغ يونغ بين، للعمل حتى منتصف الليل.
لكن ما بدَّد كل هذا التعب هو رؤية أعين المرضى المملوءة بالامتنان بعد شفائهم، بحسب ما ذكر الأطباء، وتأكيدهم أن هذا الأمر يستحق كل هذا العناء.
الامتنان لـ”الملاك الأبيض” الصيني
كما مكّنت الخصال المهنية والإنسانية التي تجلّت في ممارسات وأخلاق الأطباء الصينيين، من كسب صداقة الشعب السوداني،
حيث لقيت مساهماتهم أعلى درجات التقدير والاعتراف من السكان المحليين الذين قابلوهم بخالص الامتنان والعرفان.
وغالبًا ما يتم التعرف على الأطباء الصينيين عندما يسيرون في الشارع من قِبل مرضى عالجوهم، والاحتضان والمصافحة وكيس من الفول السوداني وزجاجة ماء، كلها طرق يعبر بها البسطاء من الشعب السوداني عن جزيل امتنانه للأطباء الصينيين.
ومن إحدى هذه الحالات، امرأة تلقّت علاجًا لما بعد الولادة من قِبل الطبيبة هو جيان من قسم أمراض النساء والتوليد، حيث جرى نقل كَميات كبيرة من الدم إليها حتى تجاوزت مرحلة الخطر في النهاية.
بعد العملية الجراحية أمسكت بقوة بيد الطبيبة هو جيان تشكرها، وقررت إطلاق اسمها على ابنتها المولودة حديثًا؛ امتنانًا منها للطبيبة الصينية التي أنقذت حياتها.
في حفل وداع للبعثة الطبية أقيم مؤخرًا، أعرب ممثل وكيل وزارة الصحة السودانية عبد الله الجاك، عن امتنانه للحكومة الصينية ولجميع طاقم البعثة الطبية،
قائلًا إن التعاون الطبي بين الصين والسودان جعل العلاقة الممتدة بين البلدين أكثر شمولًا وغنى، وأصبحت الصداقة بين الشعبين أقوى وأوثق.
كما قال السفير الصيني لدى السودان ما شين مين، إن “التعاون الشامل بين البلدين، بما في ذلك التعاون الطبي يعد مثالًا ساطعًا للتعاون بين الصين والدول الإفريقية والعربية”،
مؤكدًا التزام الصين بالعمل مع جميع القطاعات بالسودان؛ لتعزيز التعاون الثنائي وتوسيع التعاون الطبي والصحي الجديد وعمليات التبادل والتعاون في مجال الصحة وتدريب الموظفين واستخدام الموارد الطبية والمشروعات القائمة لصالح المزيد من السودانيين.
“سفراء مدنيون” ينشرون الأمل في أفريقيا
“تعليم المرء الصيد خير من إعطائه سمكة كل يوم”. خلال تواجدهم في السودان، دأب الأطباء الصينيون على التفكير في الوضع الطبي والصحي القاصر، وكيفية تحسين المعايير الطبية وتخفيف المعاناة التي يكابدها المزيد من المرضى هناك.
وبهدف تحقيق ذلك بذل أفراد الطاقم الطبي قصارى جهدهم لنقل معارفهم إلى الأطباء المحليين في السودان. وتم عقد سلسلة من الدورات التدريبية حول الجراحة المجهرية والجراحة التنظيرية والجراحة العظمية والتقطيب.
ووفقًا لفنغ يونغ، نائب مدير إدارة التعاون الدولي التابعة للجنة الوطنية للصحة، فإنه منذ عام 1963 حين وصل أول فريق طبي صيني إلى الجزائر بشمال أفريقيا، أرسلت الصين حوالي 20 ألف طبيب إلى إجمالي 51 دولة ومنطقة في أفريقيا، وعمل عاملون في المجال الطبي من الصين مع أطباء محليين على إنقاذ أكثر من 200 مليون شخص.
ودائمًا ما كانت مساعدة الصين الطبية لأفريقيا شاملة ومتنوعة في أشكالها. وقال فنغ إنه بالإضافة إلى إرسال الفرق الطبية، قامت الصين بعد عام 2006 ببناء 30 مستشفى في إفريقيا وتبرعت بكمية كبيرة من الأدوية والمعدات الطبية، وقدمت مِنحًا حكومية لفنيين صحيين للدراسة والتدريب في الصين.
وتمكن أكثر من 1000 عامل طبي في أفريقيا من الحصول على تدريب قصير الأجل في مجال الرعاية الصحية في الصين. إلى جانب ذلك، وفي السنوات الأخيرة، شاركت الصين بنشاط في جهود الوقاية من الملاريا ومكافحتها في أفريقيا.
وقام فريق طبي صيني في مالاوي بأول عملية لاستئصال معدة على الإطلاق في البلاد، وفي غينيا حيث تنقطع الكهرباء باستمرار، نجح أطباء صينيون في إجراء أول عملية بضع أو شق صدر على ضوء الهاتف المحمول.
وعندما تفشّى وباء فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014، أرسلت الصين أكثر من 1200 من العاملين في المجال الطبي وخبراء الصحة العامة إلى المنطقة، وحظي أداؤهم جميعًا بالثناء والإشادات من حكومات وشعوب البلدان المستقبلة.
وقال فنغ إن الفرق الطبية الصينية في إطار المساعدات الخارجية تعتبر بمثابة “ملاك أبيض” أو “سفير مدني”،
وفي الوقت التي تعمل فيه هذه الفرق على تحسين الوضع الصحي بأفريقيا، فإنها تضيق المسافة بين الشعوب وتزيد من الثقة المتبادلة بين الصين وأفريقيا وتعزز الصداقة بينهما.