بعد عشر سنوات متصلة قضاها «نتنياهو» رئيساً للحكومة الإسرائيلية 2009 – 2019 تجمدت خلالها بسبب سياساتها الاستيطانية التوسعية، مسيرة عملية السلام تماماً دون قيد أنملة للأمام، إذ به «نتنياهو» يخفق للمرة الثانية خلال العام الأخير، ومن بعد انتخابين تشريعيين، فى أبريل وسبتمبر، لم يحقق فيهما غير فوز هزيل.. أعجزه عن إعادة تشكيل الحكومة، ما خلق فراغاً سياسياً ونيابياً غير مسبوق فى إسرائيل منذ زرعها فى فلسطين 1948، وليجد حزب الليكود، الذى احتكر السلطة منذ 1977، إلا قليلاً، نفسه فى مأزق التخلى، ليس عن رئاسة الوزراء فحسب، بل أيضاً عن مبدئية مواقفه التوراتية المتشددة التى استطاع خلال أربعة عقود أن يبرمج على أساسها اتجاهات الرأى العام، قبل أن تتكشف- ربما- عقمها نحو طريق مسدود، ما انعكس نسبياً على نتائج الانتخابات.. وفى انقسام الأحزاب حول المشاركة الائتلافية من عدمه. مع حزب الليكود، سواء كانت من أحزاب أقصى اليمين أو تلك التى على يسار الليكود من أحزاب الوسط ويمين الوسط، أو اليسار، بما فى ذلك «حزب الجنرالات» الجديد بزعامة «بينى جانتس» الذى ينتظر انتهاء المهلة لـ«نتنياهو» فى تشكيل الحكومة 24 أكتوبر 2019، كى يتسلم خطاب التكليف من رئيس الدولة بتشكيل الحكومة (المتعثرة) منذ أبريل، ذلك فى الوقت الذى يصل إلى تل أبيب فى نهاية أكتوبر كبير مستشارى الرئيس الأميركى «كوشنر»، فى محاولة لإنقاذ الأزمة الائتلافية التى قد تطيح بمستقبل «نتنياهو» السياسى، ظهير البيت الأبيض فى صياغة المبادرة الأميركية «صفقة القرن» التى توشك- برحيله- أن تلفظ بعد طول تعثر لثلاث سنوات سابقة، أنفاسها الأخيرة، ما يتزامن من جانب آخر مع التنسيق الجارى بين مصر والأردن والجامعة العربية بشأن الاستقرار على رفض «صفقة القرن»، الأمر الذى تم إبلاغه إلى وفد الكونجرس برئاسة «بيلو سي» عند زيارته للأردن فى أكتوبر، بحسب الفورين بوليسى الأميركية، ولتنحصر خطوة «كوشنر» القادمة لإنقاذ المبادرة الأميركية، ليس من أجل «نتنياهو» الذى تراجعت شعبيته بقدر ما ستكون مهمته من أجل لقاء «جانتس»، إما لإقناعه بالائتلاف مع «نتنياهو» وهو ما يرفضه قطعياً زعيم حزب الجنرالات، لأسبابه، أو أن يحاول المبعوث الرئاسى الأميركى الاتفاق مع «جانتس» لتبنى العمل سويا من أجل استكمال «صفقة القرن» حال نجح فى تشكيل الحكومة الجديدة، سواء- راهناً- أو فى أعقاب انتخابات مبكرة ثالثة ليست غير محتملة فى مطلع 2020، الأمر الذى قد يتوقف- ربما- على مدى قناعة الحزب الجديد، وأنصاره، بعدم جدوى النظرية القائلة بـ«ضم الأراضي» التى تتبناها قوى اليمين التوراتي.. وللعمل من ثم على تجريب النظرية البديلة عن «حل وسط إقليمي»، لا يرفضها العالم العربى بالمطلق، وقد يجد فيها الجانب الأميركى- الإسرائيلى مخرجاً للطريق المسدود، لما وصلت إليه «صفقة القرن» حتى لو كان الثمن إمكانية الطلاق بين إدارة «ترامب».. وسياسات «نتنياهو»، خاصة مع حرص «كوشنر» على اللقاء مع «جانتس» بالتوازى مع حالة البرود الأميركية المستجدة مع «نتنياهو» عقب نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ما دعا الإدارة الأميركية إلى فتح قناة اتصال مع «جانتس»، كأمر طبيعى غير مستبعد عن سلوك الأميركيين الذين يفضلون التعامل مع الأقوياء، ما قد يزيح عن واشنطن انزعاجها من خطر اضمحلال وساطتها، وهو الأمر الذى يثير جدلاً فى إسرائيل باعتباره يمثل مظاهرة إعلان نوايا (جديدة) من الإدارة الأميركية للرهان على «جانتس» رئيساً للحكومة الإسرائيلية القادمة.
على صعيد مواز، لا يزال من المشكوك فيه حتى الساعة الأخيرة أن يصرف «نتنياهو» النظر عن إمكانية تشكيل حكومة برئاسته، حيث يمارس فى سبيل ذلك ضغوطاً يرافقها إغراءات شديدة على حزب «اليهود الروس» برئاسة «ليبرمان» لكى يعيده إلى صفوف اليمين، كما أنه يعرض على «جانتس» تشكيل حكومة واسعة.. يتبادلان رئاستها مع تقسيم الحقائب الوزارية مناصفة، إلا أن رفض الأخير يرجع إلى ثقته فى نجاح ائتلافه الحكومى المنتظر، خاصة فى ضوء اعتماده على أصوات القائمة العربية، الأمر الذى يعتبره «نتنياهو» خطراً على إسرائيل، ذلك فى إطار- هجومه المضاد على حزب الجنرالات، فى وقت لم ييأس تماماً من انضمام «ليبرمان»- إسرائيل بيتنا.. للائتلاف الليكودى، إذ لا يعتبر رفضه نهائياً، ذلك وبينما ينتظر حزب الجنرالات استلام رئاسة خطاب التكليف بالوزارة الجديدة، لا يمل «نتنياهو»- «المتفائل بحذر»- وفقاً لتعبيره، عن مواصلة استجداءاته من أجل إمكانية البقاء فى السلطة، ولو رئيساً بالمناصفة مع حكومة وحدة واسعة.