ربما لا يزال البعض من قدامى السعوديين.. يذكرون «الباشا الأحمر»، كما كان يطيب لهم تلقيب السفير السوفيتى فى المملكة الوليدة فى ثلاثينيات القرن الماضى.. وهو يقوم بنفسه فى بعض المناطق بتوزيع الدقيق وما إليه على الأهالى، ذلك قبل أن تتباعد الشُقّة بين البلدين بعد دخول الولايات المتحدة على الخط، بالتزامن مع اكتشافات النفط بالمملكة مع بداية الأربعينيات، وليصبحا- الرياض وموسكو- مذّاك على طرفى نقيض على الصعيدين الإقليمى والدولى، ولنحو نصف قرن تالٍ إلى انتهاء الحرب الباردة فى التسعينيات، قبل أن تنفتح صفحة جديدة من العلاقات بين السعودية وروسيا «المنفتحة غير الأيديولوجية»، التى سرعان ما استعادت من خلال «آليات السوق» وضعيتها الجديدة، ودورها الذى سبق أن انحسر عنها منتصف السبعينيات، كصانعة للسلام فى الشرق الأوسط، الأمر الذى تأكد لها فى سبتمبر 2015.. كحقيقة سياسية وعسكرية فى شرق البحر المتوسط، والمنطقة، حيث يترسخ نفوذها عبر السعى نحو استعادة السلام فى تلك المنطقة المضطربة، ليس- كغيرها- من خلال الحرب والتدمير، من أبرز دلالاته إنهاء الحرب الأهلية منذ 2011 فى سوريا، الذى توازى مع بدء تقارب كبير بين روسيا الاتحادية والمملكة السعودية أظهر رغبة الجانبين للمضى قدماً، منذ زيارة الرئيس الروسى للرياض 2007، فى التعاون الوثيق متعدد الأوجه، خاصة فى مجال الطاقة، ولتتوطد العلاقات الثنائية رسوخاً بزيارة العاهل السعودى لموسكو فى 2017.. التى شهدت سلسلة من اتفاقات التعاون الاقتصادى والعسكرى، ومقاربة سياسية لأهم الملفات الاستراتيجية فى المنطقة.. مما تشغل العالم، تطورت فى مختلف الاتجاهات، بحسب حديث الرئيس «بوتين» عشية زيارته الثانية للسعودية منتصف أكتوبر 2019، وحيث يحتل التعاون الاقتصادى خلالها مكانة لافتة تدور عن توقيع نحو 30 اتفاقية متنوعة بين البلدين، إلى جانب البحث فى كل القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك، وبهدف استعادة دول المنطقة استقرارها الغائب، خاصة مع معرفة الرياض- بدقة- أن بوسع موسكو العمل على تجاوز كثير من الصعوبات فى هذه الملفات والقضايا، ما يمثل نقلة نوعية فى العلاقة بين قوة دولية كبيرة.. وبين قوة محورية هامة داخل إقليمها، قد تتحقق أهدافهما من خلال دبلوماسياتهما المتميزتين، الساعية للاقتراب إلى شراكة استراتيجية بينهما، ببطء لكن بثبات، بين دبلوماسية روسية (جليدية) تقيس الأمر مرات قبل أن تقطع فيه برأى.. وبين دبلوماسية سعودية (صحراوية) تقوم على الهدوء والانتظار قبل المبادرة برأى، وكلاهما لا يعرف اليأس طريقه إليهما على المدى البعيد، لذلك من المنتظر أن يسفر التقاؤهما- بالاقتناع- بعد طول بعد وجفاء، إلى نتائج غير محدودة، سواء على الصعيد الثنائى أو بالنسبة لجهودهما فى مصانعات السلام الإقليمى، الأمر الذى قد يتوازى مع فتح قنوات اتصال بين كل من الرياض وطهران من ناحية، وبين الأخيرة وتل أبيب من ناحية أخرى، وربما- ثالثاً- بين سوريا وإسرائيل، ومن دون استثناء القضية الفلسطينية، ذلك من خلال تعاون السعودية وروسيا فى مباشرة جهود الوساطة (المتكاملة) لتخفيف التوترات بين الخصوم الإقليميين، لصالحهما، الأمر الذى يؤكد دورهما (النفعي) المتعاظم فى الخريطة الإقليمية الكبرى شرق الأوسطية.
شريف عطية
7:12 ص, الخميس, 17 أكتوبر 19
End of current post