لعبت الحكومة دورا كبيرا خلال المرحلة الماضية فى تغيير الصورة الذهنية عن الخدمات العامة لدى المواطنين، ضمن خططها الحثيثة لاستكمال منظومة التحول الرقمى والشمول المالى، وتوجت تلك الخطوات بإعلان بورسعيد أول مدينة رقمية فى مصر.
«المال» استطلعت آراء مسئولى وخبراء قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حول مدى جاهزية البنية التحتية فى تعميم منظومة الاقتصاد الرقمى.
وأكد بعض الخبراء أن مصر مؤهلة لمواكبة التحول الرقمى العالمى مع ظهور تكنولوجيات الجيل الخامس للاتصالات «5G» والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، وتعميم التطبيقات التكنولوجية فى مختلف القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها القطاع المصرفى.
«الشفافية العالمية»: ميكنة الخدمات الحكومية يمنع 80 % من الفساد
وبحسب المنظمة العالمية للشفافية، فإن ميكنة الخدمات الحكومية تعمل على منع %80 من الفساد.
كما طالبوا أيضا بضرورة إطلاق حملات توعية تستهدف تأهيل أكبر عدد من المواطنين للاعتماد على الوسائل الرقمية فى إنجاز المعاملات المالية والتحول لمجتمع «ديجتيال» بالكامل بما يساهم فى ترشيد الاستهلاك وزيادة معدلات الإنتاج، تزامنا مع القضاء على مظاهر الروتين والبيروقراطية الحكومية.
بينما يرى فريق آخر من الخبراء أن البنية التحتية للاتصالات لاتزال غير مؤهلة لتعميم منظومة التحول الرقمى على مستوى الجمهورية لأسباب تتعلق بعدم إتاحة سرعات مرتفعة لخدمات الإنترنت وغياب ربط شبكات البيانات ( الفايبر) كما شددوا على ضرورة استقطاب الشركات العالمية فى عمليات تأهيل البنية التحتية وتأسيس البرامج المتعلقة بمشروع التحول الرقمى.
وتتبنى وزارة الاتصالات خطة لرفع كفاءة العمل الحكومى وميكنة الخدمات العامة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة 2030 بالتعاون مع وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى من أجل تحقيق حوكمة قائمة على استخدام التكنولوجيا الرقمية.
وتعتمد تلك الخطة على تبادل بيانات الجهات الحكومية فيما بينها، وتطوير قنوات مبتكرة لتقديم الخدمة للمواطنين من خلال المنافذ الحكومية أو بوابة الحكومة المصرية أو تطبيقات المحمول.
كما تعمل الوزارة أيضا على إطلاق نحو 25 خدمة حكومية إلكترونية رئيسية، ينبثق عنها 120 خدمة إلكترونية فرعية على رأسها مشروع التأمين الصحى الشامل، ومشروع ميكنة آليات التحصيل الضريبى بالتعاون مع وزارة المالية، وخدمات المرور والأحوال المدنية بالتعاون مع وزارة الداخلية.
خالد نجم: تغيير ثقافة الموظف وإنهاء البيروقراطية الأهم
وقال خالد نجم، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، إن البنية التحتية فى مصر مؤهلة للتحول الرقمى بأغلب المناطق، مؤكدا أن القطاع الخاص يعتبر فرس الرهان من خلال طرح مشروعات شراكة مع القطاع العام فى ميكنة الخدمات العامة للمواطنين أسوة بالتجارب العالمية الناجحة، بما يساهم فى زيادة معدلات الإنتاج.
وطالب بتعميم تجربة تحول محافظة بورسعيد فى مشروع التحول الرقمى ليمتد إلى باقى المحافظات، وفق جدول زمنى ليشمل مختلف أنحاء الجمهورية.
وناشد بضرورة الاعتماد على أحدث أساليب نقل البيانات (الداتا) باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية مع ضعف القدرة الفنية على تغطية المناطق النائية بشبكة متطورة من خطوط كابلات الألياف الضوئية وربطها بالمناطق المركزية.
وشدد على ضرورة تطوير أساليب الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية للمواطنين من خلال إطلاق حزمة برامج والتطبيقات الذكية تسهم فى تيسير المعاملات الحكومية مع الموطنين، بالإضافة إلى تدريب الكوادر البشرية على منظومة التحول الرقمى وطريقه تقديمها للمواطنين فى إطار احتواء أعطال أنظمة التشغيل فى الهيئات الحكومية.
وأضاف أن فرص نجاح منظومة التحول الرقمى تتمثل فى تغيير ثقافة الموظف الحكومى وإنهاء البيروقراطية والروتين اللذين يسودان أغلب القطاعات الحكومية، مطالبا بإطلاق حملات توعية تستهدف كل فئات المجتمع ومقدمى الخدمات فى مشروع التحول.
واقترح «نجم» مشاركة الكيانات العالمية فى عمليات التحول الرقمى للاستفادة من الخبرات ونقل أحدث أساليب التكنولوجيا التى تمتلكها فى تلك المجال؛ مما ينعكس بالإيجاب على زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى كل القطاعات بالسوق المحلية.
وتشير شركة «إريكسون» العالمية لحلول الاتصالات إلى أن كل %10 انتشار فى خدمات البرودباند (إنترنت النطاق العريض) يساهم فى زيادة الناتج القومى للدولة بنسبة %1.
عمرو بدوى: تحديثها بالكامل يتطلب 100 مليار جنيه استثمارات
وأكد الدكتور عمرو بدوى، الرئيس السابق للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، أن البينية التحتية فى قطاع الاتصالات بحاجة إلى مزيد من أعمال التطوير الخاصة بالشبكة القومية لإتاحة البيانات (خدمات الإنترنت )، مع إعادة النظر فى أسعار خدمات الإنترنت المقدمة سواء للشركات أو الأفراد استنادا لتجارب الدول المجاورة لمصر.
وأوضح أنه من الضرورى تحسين جودة خدمات الإنترنت لتتناسب مع مختلف القطاعات والشركات الحكومية، معتبرا أن أنظمة تشغيل سرعات الإنترنت الحالية من العوائق الرئيسية التى ستحد من فرص انتشار منظومة التحول الرقمى والشمول المالى.
وأشار إلى أن السرعات التى تقدمها شركات الإنترنت لا تتناسب مطلقًا مع السعات المتفق عليها مع العملاء، لافتا إلى أن الشركة المصرية للاتصالات تعتبر الجهة الوحيدة القائمة على تأهيل ودعم البنية الأساسية فى عمليات توصيل وتغذية أبراج المحمول وتوصيل الكابلات الفايبر فى ضوء الاستفادة من خدمات الجيلين الرابع والخامس.
وشدد على ضرورة إعادة النظر فى آليات تسعير خدمات الإنترنت للتقارب مع مستويات الأسعار العالمية وضخ المزيد من حجم استثماراتهم فى كل القطاع ومنها نشاط مراكز البيانات والكابلات البحرية، مع إطلاق خدمات الجيلين الرابع والخامس للاتصالات بالسوق المحلية.
واستبعد احتمالية مشاركة القطاع الخاص فى مشروع تأهيل البنية التحتية وسط القيود التى تفرضها الجهات الحكومية من خلال اختصاص الشركة المصرية للاتصالات بتطوير البنية الأساسية.
وقدر «بدوى» إجمالى الاستثمارات التى يمكن ضخها للانتهاء من تأهيل البنية التحتية المتعلقة بقطاع الاتصالات بقيمة 100 مليار جنيه؛ بما يمكنها من استيعاب كل أنظمة التشغيل والقطاعات.
وقال إن التحول للاقتصاد الرقمى والشمول المالى لا يقتصر على تأهيل البنية التحتية فى قطاع الاتصالات بل يتضمن تكاتف كل القطاعات وعلى رأسها البنوك، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية للمواطنين، وضمان حماية البيانات الشخصية لتتوافق مع معايير الحوسبة السحابية.
وأضاف أنه من الضرورى الاهتمام بالإجراءات والقوانين الخاصة بضبط منظومة التحول الرقمى والعمل على إيجاد بيئة تنافسية بين الشركات، منوها بضرورة استغلال موقع مصر الجغرافى فى بناء مراكز بيانات تدعم التحول الرقمى استفادة من شبكة الكابلات البحرية المارة بالأراضى المصرية.
محمد الغمرى: تكنولوجيا الأقمار الصناعية الآلية الأنسب
ويتفق الدكتور محمد الغمرى، رئيس مجلس إدارة شركة «إيجيبت سات» للأقمار الصناعية مع الرأى السابق فى التأكيد على ضرورة استكمال خطة تأهيل شبكة البنية التحتية للاتصالات مع زيادة سرعات الإنترنت المقدمة بما يساهم فى تحول مصر إلى مجتمع رقمى بالكامل.
وقال إن مصر لديها حلول سريعة فى مشروع تأهيل البنية التحتية بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا من خلال الاعتماد على خدمات القمر الصناعى المرتقب إطلاقه خلال نوفمبر المقبل؛ وذلك فى ضوء تغطية المناطق النائية غير المتوافر بها أى أجهزة استقبال أو نقل بيانات.
وأوضح أن تكنولوجيا الأقمار الصناعية من الحلول التكنولوجية قصيرة المدى التى يمكن أن تلعب دورا فى مشروعات تأهيل البنية التحتية بقطاع الاتصالات مقارنة بالوسائل التقليدية والتى تعتمد على تغيير كابلات الإنترنت من النحاس إلى «الفايبر» لزيادة سرعات الإنترنت.
وأشار إلى أنه على الرغم من ارتفاع تكاليف تشغيل الأقمار الصناعية إلا أنها تعتبر الأسرع فى عمليات التحول إلى الاقتصاد الرقمى لمختلف القطاعات ومواكبة التطورات العالمية.
ولفت إلى أن مصر ستكون سوقًا واعدة للمستثمرين والشركات العالمية من خلال المشاركة فى مشروعات التحول الرقمى، خاصة فى العديد من القطاعات والتى من أبرزها القطاع المالى وشركات المحمول والكابلات وشركات الاتصالات بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة فى العديد من القطاعات.
وقال الدكتور خالد شريف، مساعد وزير الاتصالات السابق، إنه يجب أولا تقدير حجم التطور فى تحديث شبكة البنية التحتية للاتصالات، وتحديد المواصفات الفنية المطلوبة استنادا إلى تجارب الدول المحيطة.