تبقى المنظومة العربية على ارتباكها السياسى.. ما بقى البعدان الداخلى والخارجى فى لبنان على تعقيداتهما، ذلك لاعتبارها أقرب إلى شرق أوسط مصغر، وبأن الأزمة اللبنانية القائمة على «المحاصصة» بأطيافها المختلفة، هى بمثابة الفيض السياسى والجغرافى لصراعات القوى داخل المنطقة، ومن حولها، والعالم العربى فى القلب منها، حتى إذا ما تبعثرت قواه بسبب/ وعقب إرهاصات اتفاقيات كامب ديفيد 1978، سرعان ما تحولت للارتفاع بدرجة التصعيد فى الأزمة اللبنانية 1975 – 1989، لم تنحسر جزئياً إلا بعد « اتفاق الطائف».. وبالتوازى مع انهاء عزلة مصر العربية، قبل أن تنضم مع سوريا ودول مجلس التعاون الخليجى الستة «معا».. فى إطار «صيغة دمشق» لمواجهة الميول التوسعية العراقية شرقى السويس 1990، إلا أن انفضاض هذه الصيغة التحالفية (+6 2) من بعد تحرير الكويت 1991، أعاد مجرى الحرب الباردة العربية على مسرح العمليات اللبنانى، وعلى الصعيد الإقليمى والدولى، قبل أن تنفجر الأزمة فى فبراير 2005 على وقع سلسلة من الاغتيالات السياسية، اندلعت بسببها «ثورة الأرز» التى أسفرت عن إجبار الجيش السورى للانسحاب من لبنان فى أبريل، وعلى إنهاء الوصاية السورية على لبنان، ما أسفر من بعد عن حقبة من الفراغات السياسية، رئاسية وحكومية، ليس آخرها العجز فى تشكيل الحكومة منذ الانتخابات النيابية مايو 2018 إلى اليوم، ما يؤدى إلى تفاقم الخلل فى موازين القوى داخل لبنان، يزيدها تعقيداً دخول الصراع إليها من بين القوى الإقليمية، تحديداً بين السعودية وإيران، لا سيما فى مرحلة اشتعال الحرب فى سوريا، إضافة إلى المستجدات الأخرى داخل الإقليم.. وارتباطها بالمتغير الدولى، لا سيما العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العديد من ملفات الصراع فى المنطقة، فى مقدمتها التحريض الإسرائيلى شبه اليومى ضد «حزب الله» فى لبنان. إلى ذلك، لا ينفصل البعدان الإقليمى والدولى للأزمة اللبنانية.. عن بعدها الداخلى (..)، إذ يؤدى موقع لبنان وتاريخه إلى جعله مركز الاهتمام للعديد من القوى داخل الإقليم ومن خارجه.. ذلك فى سعيها إلى توسيع نفوذها، بالخصم من الرصيد العربى، ومن خلال السيطرة على القرار السياسى داخل لبنان، ومن ثم على مجريات تفاعلاته، سواء من جانب الولايات المتحدة (دولياً)، والمملكة السعودية (عربياً)، وإيران على الصعيد الإقليمى.. وبمشاركة محلية من «حزب الله» اللبنانى.. الذى يمثل هاجساً لدى إسرائيل والولايات المتحدة.. خشية أن ينعكس نفوذه لمصلحة «تيار المقاومة» الذى بات يمثل تهديد استراتيجى يقينى لإسرائيل، إذ تسعى مكوناته إلى تحقيق «التكافؤ الاستراتيجي» مع إسرائيل، وفقاً لما سبق أن نادى به الرئيس الأسد «الأب» فى تسعينيات القرن الماضى، كشرط استباقى يتوازى مع الدخول مع تل أبيب فى التفاوض حول التسوية السياسية، إلا أنه وفيما تقف معادلة الردع لتيار المقاومة فى مواجهة إسرائيل، فإن الأخيرة تسعى للتعامل مع هذه الاحتمالية.. بالعمل على توجيه ضربات استباقية لتدمير ترسانة «تيار المقاومة» فى الجبهتين الشمالية والشرقية، مستندة إلى استغلال الإدارة الأميركية الحالية (المناهضة لإيران).. لتحويل «حزب الله» فى لبنان من كونه حزب بسيطر تقريباً على الدولة.. إلى مجرد حزب سياسى محدود القدرات، وليصبح لبنان على النحو السابق بيانه أمام مرحلة من الخروقات المتعددة، لا يجب الاستخفاف بها، ولا بتوابعها، خاصة أن الصراع بين لبنان وإسرائيل- أيضاً- يأتى فى إطار التنافس على الغاز فى منطقة شرق البحر المتوسط، حيث يؤدى عدم تعيين الحدود البحرية، والمناطق الاقتصادية بينهما إلى إمكان نشوب حرب بين الدولتين، وبحيث يمكن القول أن المسارات المحتملة لمستقبل الأزمة اللبنانية ترتبط (فضلا عن العقد والتناقضات الداخلية…)، بمستجدات الأحداث فى دول الشرق الأوسط، وارتباط تلك المستجدات بالمتغيرات الدولية، وفى ظل موازين سياسية وطائفية بالغة التعقيد فى داخل لبنان، بحيث يكون الحل ميئوساً منه إلا لو جاء من خارج الصندوق، قد تقود إليه التحركات الشبابية إذا ما اشتد عودها من مجتمع صغير ينشق عن المجتمع الأكبر (الإقطاع السياسى العائلى والطائفى)، إذ إن لبنان 1943 بات من الماضى، كذلك الرفض للبنان «حزب الله»، وإنما ببسط الدولة سيادتها وحدها على أرضها، وفى وضع يدها على السياسات الداخلية والخارجية والدفاعية، إذ عندئذ يمكن للبنان الجديد.. ترميم نفسه، والمنظومة العربية
End of current post