يعد إنشاء وتطوير المناطق الحرة من أبرز الإجراءات التى تتخذها الحكومة المصرية؛ لجذب استثمارات القطاعات الإنتاجية والخدمية، لاسيما فى ظل تسهيلات الضريبية والجمركية الممنوحة للمستثمرين ضمن منظومة العمل فى تلك المناطق.
ويرى مستثمرون أن هناك تراجعًا فى دور الإدارة الجمركية بالمناطق الحرة لصالح الإدارات الجمركية بالموانئ، وأن انعكاسات هذا الأمر تعد من أهم المشكلات التى يواجهونها.
وفى هذا الصدد أشار المهندس يحيى صنيدق، أمين صندوق جمعية مستثمرى المنطقة الحرة بالإسكندرية، إلى أن الدور الذى كانت تقوم به الإدارة الجمركية الموجودة بالمنطقة الحرة تراجع لصالح الإدارات الجمركية الموجودة بالموانئ، والتى استحوذت على جزء كبير من اختصاصاتها.
وأضاف فى حواره لـ«المال» أن دور الجمارك فى المنطقة الحرة لم يعد ذى جدوى؛ إذ أصبحت الحاويات الواردة تأتى إلى المنطقة الحرة بعد أن يتم فتحها سواء بجمارك «الإسكندرية» أو «الدخيلة» وتفتيشها بشدة، دون مراعاة لأموال المستثمرين والخسائر التى يتكبدونها من سوء التعامل مع محتويات الحاوية.
البضاعة الصادرة يُعاد فحصها في الموانئ رغم تعبئتها في الحاوية بإشراف لجنة مختصة
وأوضح «صنيدق» أن الحاويات كان يفترض أن يتم تفتيشها بواسطة جمارك المنطقة الحرة، كما كان معمولا به من قبل؛ إذ كانت الحاوية تأتى مغلقة بالسيل الجمركى والرصاص، ويتم فتحها بواسطة لجنة بعضوية مندوبين من كل من الشركة صاحبة الحاوية وجمارك المنطقة الحرة وهيئة الاستثمار؛ بهدف إعداد بيان مشمول البضاعة أو الجرد الفعلى.
وتابع أن نفس السيناريو يتكرر مع البضاعة الصادرة، والتى يفترض أن يتم تعبئتها فى الحاوية، بإشراف لجنة من جمارك المنطقة الحرة، وهيئة الاستثمار، ومندوب الشركة؛ لمطابقة المنتجات بقرار مزاولة النشاط للمستثمر المالك لها.
وتساءل «صنيدق» كيف يتم إعادة تفتيش الحاوية بعد ذلك فى الموانئ مرة أخرى فى غياب مندوبى الشركة صاحبة البضاعة، رغم أن الجهة الجمركية المعنية بتنفيذ هذا الأمر هى جمارك المنطقة الحرة، وهى تتبع مصلحة الجمارك المصرية، كما أن عملية التعبئة تتم داخل المنطقة.
وأكد أن الأنشطة الصناعية داخل المناطق الحرة تحتاج لاهتمام من نوع آخر، بجانب أعمال التطوير الهامة التى تحدث حاليًّا.
وأضاف أن المنطقة الحرة بالعامرية بدأت خلال الفترة الماضية تشهد بعض أعمال التطوير والتحديث فى المرافق والخدمات بداخلها، خاصة فيما يتعلق بالطرق وأعمدة الأنارة وخلافه، فضلاً عن السعى لتوصيل الغاز الطبيعى إليها.
وأشار أمين صندوق جمعية مستثمرى المنطقة الحرة بالإسكندرية، إلى أنه لا يجب أن تقتصر أعمال التطوير القائمة حاليا داخل المنطقة الحرة على المظهر الخارجى، وتطوير بعض الخدمات فقط، خاصة أن هناك أولويات لدى بعض المصانع القائمة.
وأوضح أن المستثمرين داخل المنطقة يساهمون فى هذا التطوير، لافتًا إلى أنه تم تحصيل زيادة -بداية من هذا العام- فى مقابل حق الانتفاع السنوى بالمتر للأنشطة الصناعية القائمة داخل المنطقة بمقدار 10% ولمدة خمس سنوات.
وتابع أنه يصبح بذلك قيمة مقابل حق الانتفاع للمتر هذا العام نحو 3.85 دولار للمتر بدلاً من 3.5 دولار، لافتًا إلى أنه تم أيضًا إضافة نصف دولار سنويا على كل متر يتم تحصيله كرسم تنمية لتوفير تمويل يساهم فى أعمال تطوير المنطقة.
ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين الموظف وصاحب العمل بما يمضن حقوق جميع الأطراف
وأكد «صنيدق» أن الاهتمام بشكل رئيسى بتحسين المرافق بالمنطقة أمر جيد؛ لأنه ينعكس بصورة إيجابية على منظومة الإنتاج داخلها، لكنه لا يكفى وحده، وتابع: لابد من العمل على إنهاء عدد من المشكلات التى لاتزال تواجه بعض المستثمرين كالبيروقراطية.
ولفت إلى أن الموظفين والعاملين بالمنطقة متعاونون بشكل كبير مع المستثمرين، ويسعون بشكل دائم لتذليل العقبات التى تواجههم، منوهًا بأن بعض المشكلات قد تكون نتيجة جهات أخرى.
وأوضح أن المستثمر قد يتعطل بسبب إجراءات خاصة بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات أو غيرها من الجهات التى يتم التعامل معها بحكم منظومة العمل، وليس لإدارة المنطقة الحرة ولاية عليها.
عدم تفعيل «الشباك الواحد» يزيد مشكلات رجال الأعمال بالإسكندرية
وأشار إلى أن تلك المشكلات وغيرها تظهر نتيجة عدم تطبيق منظومة الشباك الواحد حتى الآن بشكل فعلى بالمنطقة.
ونوه إلى أن المنطقة الحرة تجذب بشكل رئيسى الشركات العاملة فى قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والتى تمثل الكتلة الرئيسية من المصانع العاملة بها، موضحًا أن المصانع التى تعتمد على الإنتاج بخلاف هذا القطاع تجد بعض الصعوبات نتيجة تعطل مدخلاتها.
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع صناعات النسيج والملابس الجاهزة يعد من أكبر القطاعات الموجودة داخل المنطقة الحرة بالإسكندرية، ويضم مستثمرين مصريين وأجانب تستهدف صادراتهم السوق الأمريكية التى تعد سوقا ضخمة، ويمثل فرصة للمصانع المصرية لزيادة صادراتها النسيجية إليه.
وتعد اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة من أهم المحفزات لبعض المستثمرين الأجانب والمصريين للإنتاج والتصنيع بهدف التصدير للسوق الأمريكى.
يُشار إلى أن المناطق الصناعية المؤهلة هى مناطق محددة جغرافيا، تحددها الحكومة المصرية، وتوافق عليها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وهى تكفل تمتع الصادرات المصرية من المنتجات الصناعية من هذه المناطق، بإعفاء كامل من الرسوم الجمركية عند نفاذها للمناطق الخاضعة للسلطات الجمركية الأمريكية، ذلك بشرط استيفاء هذه المنتجات لشرط المنشأ المصرى ولنسبة مدخل الإنتاج الإسرائيلى وفقاً لقواعد المنشأ الواردة فى البروتوكول والمستندة معظمها إلى القواعد ذات الصلة بمنظمة التجارة العالمية.
وشدّد أمين صندوق جمعية مستثمرى المنطقة الحرة بالإسكندرية، على أن هناك شركات تعاقدت وبدأت نشاطها داخل المنطقة وفقًا لأسس محددة، لافتًا إلى أن تلك الشركات فوجئت بعد ذلك ببعض التضارب.
وأوضح أن أبرز تلك الخروقات هو إخضاع المصانع داخل المناطق الحرة للضريبة العقارية، بالرغم من أن الشركات والمنشأت العاملة بالمناطق الحرة لا تخضع للضرائب والرسوم السارية بمصر وفقًا للقانون.
وشدّد على أن المستثمر فى المناطق الحرة لا يملك شيئا وهو يدفع مقابل الانتفاع بالأرض، ولا يملك المبنى المقام عليها وليس من حقه أن يبيعه، لافتًا إلى أن المستثمر إذا توقف عن الإنتاج تلغى المنطقة تعاقده، متسائلاً كيف يدفع المستثمر الضرائب العقارية على شيء لا يملكه؟
وأوضح «صنيدق»، أن قانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017 نص على عدم خضوع المنشآت بالمناطق الحرة للضرائب العقارية، إلا أن الإشكالية هى الفترة التى سبقت إصدار القانون، والتى كان يتم إخضاع المنشأت فيها لتلك الضريبة.
وتضم المنطقة الحرة بالإسكندرية، 393 مشروعا يبلغ حجم رؤوس أموالها 4.6 مليار دولار، وتصل تكاليفها الاستثمارية إلى نحو 10.3 مليار دولار، وتساهم هذه المشروعات فى توفير نحو 50 ألف فرصة عمل.
كما تضم المنطقة مصانع تعمل فى صناعات النسيج والملابس الجاهزة والصناعات الكيماوية والبترولية وصناعة الأجهزة الكهربائية، وسجلت صادراتها خلال الـ6 شهور الأولى من عام 2019 نحو 4.8 مليار دولار، فيما حققت المناطق الحرة صادرات بقيمة 10.1 مليار دولار خلال نفس الفترة.