تضاربت الأنباء والآراء والمقترحات التى تصدرها فى الآونة الأخيرة ، فتارة ترى اقتراحات بفتح باب المعاش المبكر ، ونرى ذلك فى قانون الخدمة المدنية والذى يتيح أحقية الموظف في الحصول على تسوية معاش مبكر على أن يحتسب ذلك وفق سن 55 عامًا ، ووضعت الحكومة في هذا القانون مواد تحفيزية للمواطنين للخروج على ، وذلك لتخفيف الأعباء المالية المتمثلة فى المرتبات عن كاهل الدولة ، وتخفيف تكدس العاملين بالجهاز الإداري للدولة.
وتارة أخرى ترى أراء ومواد قانون مقترحة بزيادة السن للمعاش إلى 65 سنة ، لتخفيف الأعباء المالية المتمثلة فى المزايا التأمينية عن كاهل صناديق التأمينات ، ولمعالجة العجز المالى والاكتوارى فى نظام المعاشات وتخفيف العبء على الخزانة العامة للدولة ، وقد تكون هناك اعتبارات أخرى غير معلنة ، وكلا من المقترحين السابقين يتعارضان مع بعضمها البعض ، فالجهاز الإداري بالدولة فيه 7 ملايين موظف وفق تصريحات حكومية سابقة ولا نحتاج منهم سوى 1.5 مليون موظف فقط ، ووضع مادة ترفع سن المعاش إلى 65 عاما يعتبر ضد توجهات الحكومة الحالية بمحاولة تخفيف الأعباء على الجهاز الإداري للدولة ، ويزيد من معدلات البطالة وحالة الإحباط لدى الشباب مما يكدر السلم الإجتماعى ، إذ يوجد في مصر موظف لكل 13 مواطن ، في حين أن النسبة المثالية هي موظف لكل 80 مواطن ، وهذا ما أعلنه بعض المسؤلين فى الدولة.
ولقد أشارت ( مصر2030) التي أعدتها الحكومة قبل أكثر من عام ، إلى أنه من المستهدف بحلول عام 2030 خفض عدد موظفي الدولة إلي 3.5 مليون موظف من جملة الأعداد الحالية لموظفي الجهاز الإداري للدولة ، بالإضافة إلى أن الحكومة تعتزم تطبيق تجربة على غرار التجربة الفرنسية التى تقضي بدخول موظف جديد للجهاز الإداري مقابل خروج 10 للمعاش.
فكل ذى منصب فى الدولة يريد حل المشكلة الخاصة به فقط دون النظر إلى المنظومة ككل والآثار العامة لهذه القرارات على ، وهذا يظهر مدى التعارض الذى تعيشة الحكومات المتتالية ، ويظهر عدم وجود سياسات عامة للدولة يجب الاستمرار فى تطبيقها بصرف النظر عن الوزراء المنفذين لهذا السياسات.
وأود أن أشير إلى أن صناديق التأمينات تخضع لقواعد رياضية وحسابات كتوارية عند حساب قيمة الاشتراكات ، وذلك وفقا للمعادلة الرياضية التالية:
القيمة الحالية للاشتراكات = القيمة الحالية للمزايا
أو جملة الاشتراكات = جملة المزايا.
وهذه الاشتراكات تتأثر بمتغيرات كثيرة منها معدلات الدخول والخروج للمنتفعين والتى تأثرت بعدم وجود تعينات جديدة وبالتالى تأثر معدلات الدخول بالسلب وعدم تحصيل اشتراكات اضافية ، وهذه الاشتراكات توزع بين عدة أطراف ، الدولة وصاحب العمل و ، وريع استثمار المخصصات الفنية ، وحصيلة بعض الغرامات والتبرعات ..الخ ، ويوزع الجزء الخاص بالمؤمن عليهم على أساس نسبة من الدخل ، والمزايا تتضمن متغيرات متعددة ومنها عدد المستفيدين المحتملين واحتمالات الحياة والوفاة الخاصة بهم ، والمبالغ المنصرفة ، وغيرها من المتغيرات الأخرى ، وقد نصت المادة 8 من قانون التأمين الإجتماعى 79 لسنة 1975 على أن يفحـص المركـز المالـى لكل من صندوق تأمينات العاملين بالجهاز الادارى للدولة وبالهيئات العامة ، وصندوق تأمينات العاملـين بالمؤسـسات العامـة وبالوحـدات الاقتصادية وبالقطاعين التعاونى والخاص ، مرة على الأقل كل خمس سنوات وذلك بمعرفة خبير اكتوارى أو أكثر ، وفى القانون الجديد يتم فحص المركز المالى لصندوق التأمينات مرة على الأقل كل 3 سنوات ، لضمان أن تكون الاشتراكات المطبقة فى تاريخ الفحص وأى زيادات لاحقة كافية لمقابلة الالتزامات والمزايا الممنوحة ، و فى حالة عدم كفاية معدلات الاشتراكات يوصى التقرير بمعدلات الاشتراك المناسبة التى يجب تطبيقها فى السنوات اللاحقة.
وهناك بعض البدائل المقترحة لزيادة الحصيلة من الاشتراكات لمواجهة زيادات المعاشات ، ولمقابلة العجز المالى والاكتوارى فى نظام المعاشات ، وتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة بدلا من زيادة سن المعاش إلى 65 سنة ، ومنها على سبيل المثال:
1- بدلا من رفع سن المعاش إلى 65 سنة يمكن سن تشريع لزيادة نسبة الاشتراكات التى تلتزم الدولة بسدادها (صاحب العمل) لمدة 10 سنوات القادمة على سبيل المثال ، وزيادة الاشتراكات المسددة من قبل الدولة أفضل من دفع رواتب لفترة إضافية ، وهذه الزيادة الإضافية فى الاشتراكات من الممكن أن تكون مبالغ كبيرة لهذه الصناديق تقلل من العجز المالى لهذه الصناديق.
2- العاملين فى الدولة كلما اقتربت أعمارهم من سن المعاش زادت رواتبهم ، ففى الحكومة المرتبات فى هذا السن تلامس 8 آلاف جنيه وفى بعض الشركات 25 ألف جنيه ، وبالتالى استمرارهم فى العمل مع رواتبهم الكبيرة يمثل عبء على الموازنة وعلى هذه الجهات ، وهذا ليس بحل للمشكلة ، وبالتالى من الممكن سن تشريع يجيز قيام هذه الهيئات بالاستمرار فى دفع اشتراكات لمدة معينة بعد احالة العامل للتقاعد بدلا من دفع مرتبات لمد 5 سنوات إضافية تتتجاوز اضعاف الاشتراكات ، كما يتيح ذلك خلق وظائف شاغرة جديدة وزيادة الفرص لتعيين شباب جدد.