«خداج سهل»
خَدَجَ خداجًا فى معاجم اللغة، تعنى : نَقَصَ، والأم إذا ولدت وليدها تام الخلق فهى : خَادِج وجمعها خوادج، والوالدة خديج. والخديج فى علم الأحياء هو العضو من النبات أو الحيوان لم يكتمل خلقه، أو يكتمل خلقه ولا يؤدى ما خُلق له.. ولعل معنى الذى أراده الأستاذ العقاد ينجلى لنا من تضاعيف القصة التى أوردها نقلاً عن الرواة.
سعت أَمَةٌ لبثينة بها إلى أبيها وأخيها، وقالت لهما : إن جميلا عندها الليلة!
فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسًا حجرةً (أى ناحية منها) منها يحدثها ويشكو إليها بثه. ثم قال لها: يا بثينة؛ أرأيت ودى إياك وشغفى بك ألا تجزينيه ؟
قالت: بماذا
قال: بما يكون بين المحبين.
فأجابته مغضبة: يا جميل. أهذا تبغى ؟ والله لقد كنت عندى بعيدًا منه، ولئن عاودت تعريضًا بريبة لا رأيت وجهى أبدا.
فضحك وقال : والله ما قلت لك هذا إلاَّ لأعلم ما عندك فيه ؛ ولو علمت أنك تجيبينى إليه لعلمت أنك تجيبين غيرى، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفى هذا ما استمسك فى يدى، ولو أطاعتنى نفسى لهجرتك هجرة الأبد، أو ما سمعت قولى:
وإنى لأرضى من بثينة بالذى لو أبصره الواشى لقرت بلابه
بلا، وبأن لا أستطيع، وبالمنى وبالأمل المرجوِّ دق خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضى أواخره لا نلتقى وأوائله
فقال أبوها لأخيها : قم بنا. فما ينبغى بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها!!
«سكرة وصحوة»
رصد جميل بثينة فى نجعة لأهلها، (والعهدة على الراوى) حتى إذا صادف منها خلوة فى ليلة ظلماء ذات غيم وريح ورعد، سكر ودنا منها وحذفها (ألقى عليها) بحصاة فأصابت بعض أترابها. ففزعت وقالت: «والله ما حذفنى فى هذا الوقت بحصاة إلاَّ الجن!» وفطنت بثينة فصرفتها ناحية من منزلها، وبقيت مع بثينة أم الجسير أختها وأم منظور. فقامت إلى جميل فأدخلته الخباء معها وتحدّثا طويلاً، ثم اضطجع واضطجعت إلى جنبه فذهب النوم بهما حتى أصبحا.
وجاءها غلام زوجها بصبوح من اللبن بعث به إليها، فرآها نائمة مع جميل. فمضى لوجهه حتى خبّر سيده.
ورأته ليلى أخت بثينة وكانت قد عرفت خبرها وخبر جميل تلك الليلة، فاستوقفته كأنها تسأله عن حاله، وبعثت بجارية لها تحذر صاحبتها، فجاءت الجارية فنبهتهما، وصاحت بثينة بجميل وقد تبينت الصبح : نفسك! نفسك، وهو غير مكترث لتخويفها يتمثل لها بقوله :
لعمرك ما خوفتنى من مخافة بثين ولا حذرتنى موضع الحذر
فأقسم لا يُلفَى لى اليوم غرةٌ وفى الكف منى صارم قاطع ذكر
فأقسمت عليه أن يلقى نفسه تحت متاع البيت، وأفهمته أنها إنما تسأله ذلك خوفًا على نفسها من الفضيحة لا خوفًا عليه.
ففعل كارهًا، ونامت هى كما كانت وإلى جانبها أم الجسير. ثم أقبل زوجها ومعه أبوها وأخوها يأخذ بأيديهما ولا يشك فى أنه سيطلعهما على ريبة كما أنبأه غلامه. فلما كشفوا الثوب إذا أم الجسير حيث كانوا ينظرون جميلا ! فخجل الزوج، وصاحت أختها ليلى : قبحكما الله ! أفى كل يوم تفضحان فتاتكما ويلقاكما هذا الأعور تعنى زوج بثينة بكل قبيح ؟
قال راوى القصة : وأقام جميل عند بثينة حتى أجنه الليل ثم ودعها، وانقطعا عن اللقاء إلى أن نسيت القصة!
«بين سلطانين»
كان عمر بن ربعى بن دجاجة واليًا على بلاد عذرة. فشكا إليه أهل بثينة جميـلاً وقالوا : إنه يهجوهم ويغشى بيوتهم وينسب بنسائهم، فأباحهم دمه إن وجدوه عندهم، ونجا جميل بنفسه إلى اليمن فلم يزل بها حتى عُزل ذلك الوالى وانتجع بنو عذرة ناحية الشام فارتحل إليهم.
«بثينة تنقد»
لقى جميل بثينة بعد تهاجر طال بينهما، فتعاتبا مليًّا ثم قالت بثينة : ويحك يا جميل ! أتزعم انك تهوانى وأنت الذى تقول :
رمى الله فى عينى بثينة بالقذى وفى الغر من أنيابها بالقوادح
فأطرق طويلا يبكى. ثم قال : بل أنا القائل:
ألا ليتنى أعمى أصم تقودنى بثينة لا يخفى على كلامها
فقالت له: ويحك!! ما حملك على هذا المنى ! أو ليس فى سعة العافية ما كفانا جميعًا؟!
[email protected]
www. ragai2009.com