15-10-2017
فى عام 1957 تم إنشاء الشركة المصرية لإعادة التأمين لتحقيق المصلحة الوطنية بعد موقف شركات الإعادة الإنجليزية والفرنسية المعادى للسوق المصرية مع عدوان 1956 بإلغائها كل اتفاقيات الإعادة فجأة، وأصبحت شركات التأمين المصرية بدون غطاء، فسارعت شركة ميونخ رى بتغطية الحصص الملغاة وإنقاذ الموقف، الأمر الذى يعلمه الجميع تفصيلا.
وفى 2007 تم وأدها يوم عيدها الذهبى بقرارات مازالت مجهولة الدوافع والأهداف لأن ما أعلن من أسباب لا يقنع ولا يشفع لمن تصدروا المشهد حينها، ومن كانوا وراءهم ولم يكشف عنهم الستار، وأظن أنه لن يكشف، فعادة المرء أن يتوارى عما يشين وما يندى له الجبين.
فى عام 1957 بدأت المصرية لإعادة التأمين برأسمال مصدر قدره نصف مليون جنيه، تم سداد نصفه أى 250 ألف جنيه مصرى – ولحسن الحظ لم يكن حينذاك خبراء يفتون فى مدى كفايته من عدمها – وأنشئت بقرار دون دراسة جدوى بشأن إنشائها من عدمه رغم أنها ستقوم بأعمال إعادة التأمين لأول مرة فى السوق المصرية بل والعربية بل والأفريقية أيضا, وبالطبع لم تكن هناك كوادر بشرية على دراية بمبادىْ العمل.
وقد بلغ رأسمالها المدفوع 500 مليون جنيه عند القضاء عليها بدمجها فى شركة تأمين مباشر، هى “مصر للتأمين”، فى عام 2007، أى ضاعفت رأسمالها المدفوع 2000 مرة خلال خمسين عاما، وحتى لو تم تقييم المبالغ بالدولار فى تواريخها كما يهوى من يريد بخس النتائج، فإنه سيجد النتيجة عكس ما يريد تماما!!
فى عام 1958 ورد للشركة أقساط إعادة من السوق المحلية قدرها 918 ألف جنيه، ومن السوق الخارجية ما يعادل 179 ألف جنيه، وفى عام 2007 ورد للشركة أقساط إعادة من السوق المحلية قدرها 193 مليون جنيه، وكان إجمالى أقساط السوق لشركات التأمين المباشر 5.7 مليار جنيه، ومن السوق الخارجية ما يعادل 162 مليون جنيه، بإجمالى 355 مليون جنيه، وبلغ احتفاظ الشركة منه ما يعادل %84.
وفى عام 1958 كانت استثمارات الشركة 900 ألف جنيه، وبلغت فى 2007 عند القضاء عليها 2.3 مليار جنيه، بعائد بمعدل %12.8 سنويًا.
وفى عام 1958 بلغ صافى الربح المحقق 7000 جنيه، وفى عام 2007 بلغ حوالى 219 مليون جنيه،
وبلغ إجمالى صافى الربح خلال عمر الشركة، وهو خمسون عاما، مبلغًا وقدره مليار ومائة وعشرون مليون جنيه، وبالطبع حصلت الخزانه العامة للدولة على نصيبها منه، ولو تركت لحققت أضعاف ذلك لتضاعف أقساط السوق، فضلا عن دعمها للسوقين المصرية والعربية للتأمين بنشاطها البحثى والتدريبى طوال هذه الفترة.
ومؤخرا أيقن البعض مدى الجرم الذى تم بوأد الكيان الوحيد المتخصص فى الإعادة بالسوق الرائدة فى حين قامت الأسواق العربية والأفريقية الأخرى بتأسيس شركات إعادة وطنية..!! – وأدركوا مدى الحاجه لإعادته إلى الوجود مرة أخرى.
وأسفرت الاجتماعات المكثفة، عن تكليف خبراء من الداخل والخارج لبحث جدوى إعادة إنشاء هذا الكيان من عدمه… تأمل. ورأس المال المناسب لذلك – ولو فعل ذلك من أنشأوا المصرية لإعادة التأمين عام 1957 ما كانت قد أنشئت أصلا – وانتهى الأمر إلى اتفاقات لإجراء دراسة جدوى تصل تكلفتها إلى 600 ألف دولار، ممولة مناصفة بين اتحاد الشركات ومجموعة مصر القابضة للتأمين، على أن يتم استردادها فيما بعد من رأسمال الشركة فور تجميعه من المساهمين المرتقبين، وكانت مراحل دراسة الجدوى وتكلفتها كما يلى:
1– تحديد جدوى التأسيس من عدمه !!! وتكلفتها 140 ألف دولار.
2– دراسة إستراتيجية الشركة ونموذج التشغيل ومقدر لها تكلفة تصل إلى 330 ألف دولار.
3– تصنيف المتانة المالية للشركة وتكلفتها 85 ألف دولار.
4– إستراتيجية الخروج وتكلفتها 23 ألف دولار.
بالإضافة إلى ضرائب ورسوم إدارية أخرى قدر لها 22 ألف دولار.
وتمت المرحلة الأولى وتم التوصل إلى جدوى التأسيس على أن يكون رأسمال الشركة 200 مليون دولار، وألا تكون ملكية الشركة للدولة أو أى كيانات عامة لتحصل على التصنيف اللائق كما أنها لن تحقق أرباحا قبل عشر سنوات من إنشائها وقد كان مقترحا ضخامة رأس المال مع الإصرار على عدم مساهمة الدولة بحصة حاكمة من أهم مقومات الفشل رغم مخاطبة الشركات السعودية والإماراتية والقطرية والكويتية للمساهمة فى الشركة، بل وكان هناك أمل في أن تقوم الشركة التى ستعد دراسة الجدوى للشركة بالترويج للمساهمة فى رأسمالها لدى الشركات الأجنبية رغم أنه إن نجحت تلك الجهود فلن تكون الشركة وطنية فى إدارتها حتى لا يتكرر ما حدث فى عام 1956 بصورة أو أخرى وعليه لن تحقق الغرض منها.
ولم ينجح البحث عن مساهمين يقبلون مثل هذه الفرضيات لتميز المستثمرين عادة بالرشد والواقعية، وكان يجب توقع ذلك، خاصة أن ضخامة رأس المال سيؤدى إلى تأخر تأسيس الشركة وضياع فرص ربحيتها وثباتها بالسوق وخدمتها له خلال هذا التأخير وانخفاض العائد على رأس المال بصورة مطلقة وكذلك بالمقارنة بالفرص البديلة – هذا إن تأسست أصلا -، جدير بالذكر أنه لم يكن هناك جدول زمني لتأسيس الشركة.
ثم انتقلت راية الحماس لإنشاء شركة الإعادة من يد إلى يد، وتعالت الآراء والنبوءات المختلفة والتى تحمل الإصرار بامتلاك الرؤية الصحيحة والأكيدة مدفوعة بحسن النوايا كما أظن، ثم خفتت وانتهت بالصمت.
ما تقدم كان سرد الحقائق المجرد باختصار شديد أحسبه غير مخل.. والآن لنا تعليق، بل تساؤلات..
لماذا لم يفتح – لا أقول تحقيقًا – وإنما حوار حول أسباب وأد المصرية لإعادة التأمين، وتقييم القرار بعد 10 سنوات، وأظنها كافية لذلك، ولا أقول أيضا محاسبة القرار ومن أصدروه، فهذه أمور قد تثير حساسية وحرجًا للبعض، خاصة وقد ثبت للجميع باليقين بعده عن الصواب؟
لماذا سلك المخلصون وحسنو النية ممن أدركوا حاجة السوق المصرية الماسة لكيان متخصص فى إعادة التأمين، أقول لماذا سلكوا الطريق الصعب بل والمستحيل فى فرضياته وخطواته ؟؟؟ هل كانوا يحتاجون دراسة تبين جدوى إنشاء شركة للإعادة ولديهم أداء المصرية لإعادة التأمين على مدى خمسين عاما، فهو يمثل أصدق وأدق دراسة جدوى, فضلا عن أنها ستكون الوحيدة بلا منافس بالسوق؟؟؟ وهل يمكن توقع قبول مستثمر أيا كان المساهمة فى كيان لن يربح قبل عشر سنوات؟ وكيف جاءت هذه الفرضيات؟؟؟ ولماذا المبالغة فى رأس المال؟ ألا تكفى 500 مليون جنيه أو أقل لضمان سرعة التأسيس؟؟؟ ولماذا الإصرار على ألا تكون الشركة مملوكة للدولة أو كيانات عامة؟؟؟ مع إمكانية الطرح فى البورصة فى السنوات التالية للتأسيس… ولماذا الإصرار على حصول الشركة على تصنيف من بدء تأسيسها ولن أتطرق إلى جدوى التصنيف؟؟؟ ولماذا أيضا الإصرار على استهداف عمليات الإعادة الواردة من الخارج من بدء التأسيس؟؟؟ لماذا لا تبدأ محليا والتى لو حصلت فقط على %10 من أقساط السوق المحلية (أشخاصًا وممتلكات) – وأنا واثق أنها ستحصل على أكثر من ذلك وقد بلغت أرقاما هائلة- لحققت نتائج ممتازة، خاصة مع انخفاض تكاليفها الإدارية؟؟؟؟
لماذا لم يفكر أحد فى إلغاء قرار دمج المصرية لإعادة التأمين فى مصر للتأمين، طالما وصلنا بكل اليقين بخطئه وانكشف عواره وبانت أضراره وإخراجها بقيود محاسبية عكسية لقيود الدمج وإعادة الشركة المصرية لإعادة التأمين للوجود بكل أصولها ومقوماتها واستثماراتها، حسبما كانت فى تاريخ الدمج أو أى تاريخ لاحق يتم الاتفاق عليه ولدينا من الخبراء من يستطيعون ذلك بكفاءة وفى مدة زمنية قصيرة جدا، ولا يحتاج الأمر إلا للقرار الاقتصادى الجرىء والصادق؟؟ لماذا يتأخر هذا القرار وكل تأخير يمثل استنزافا للسوق وللاقتصاد الوطنى وللعملات الصعبة؟؟ هل سيضار أحد من تصويب الخطأ بل الجرم الذى ارتكب يوما بجهل أو بقصد سيئ؟؟ هل يرى من تصدروا المشهد فيما سمى ببرنامج إصلاح أو تطوير قطاع التأمين، والذى كان تخريبا بكل المقاييس، أن هناك أملا فى استكمال خطتهم يوما ما والتى أوقفتها صحوة الأمة كلها؟؟؟
هذه رسالة إلى من يهمه الأمر ولا أعلم من هو.. هل اتحاد شركات التأمين وهو ممثل الشركات صاحبة المصلحه المباشرة، أم مصر القابضة للتأمين، والتى تملك اقتراح إلغاء قرار الدمج للتصويب وإخراج المصرية لإعادة التأمين من شركة مصر للتأمين، أم وزير قطاع الأعمال العام المعنى بصفته بالاقتصاد الوطنى بالدرجة الأولى… فقط أعلم وأثق تماما بأن الكفاءات والإرادة المصرية غلابة وقادرة باذن الله على دك حصون الفساد إن صدقت النوايا وتحررت الدوافع واستقامت الأهداف. أما إن لم يكن هناك من يهمه الأمر فليذهب كل ما تقدم إلى حيث ألقت…… ولله درك يا مصر.