ويكفى الإشارة إلى التحفظ الذى ورد فى بداية هذه التقارير بأن «البيانات» المقدمة من الشركات وأيضا من هيئة الرقابة على التأمين، والتى هى أساس التقارير غير دقيقة أو صحيحة، ولكن فى حدودها يقدم الكونسورتيوم تقريره «وذلك كافٍ لهدم التقرير وتوصياته» وهذا ما أشرنا إليه فى حينها وأغضب المسئولين لأننا وجدنا بيانات خاطئة قدمت عن «الشرق للتأمين» ولم تكن قد صدرت منها أصلا… تأمل!!!، بل لعل الكثيرين لا يدرون أن الغرض أساسا من تقييم شركات التأمين كان بيعها لمستثمر رئيسى وذلك يفسر كل ما تم فيما بعد من محاولة بخس قيمة الشركات بالادعاء بهتانا بعدم كفاية بعض مخصصاتها، وتعديل قانون التأمين الإجبارى للسيارات لصالح الشركات بصورة غير مسبوقة وعاجلة على حساب المؤمن لهم والمضرورين معا، كل هذا كان لتجميل العروس – الشركات – للبيع.. أما الدمج فلم يكن مطروحا من الأساس، وإنما جاء فيما بعد لتسهيل البيع دفعة واحدة عندما تسمح الظروف.. ولكن جاءت أحداث 25 يناير وهرب «عرابو» الدمج.. لتنقذ ما أمكن إنقاذه.
وفى حوار للأستاذ ماهر أبو الفضل، رئيس قسم التأمين بجريدة «المال»، مع رئيس الرقابة على التأمين الأسبق والذى كان معاصرا بل ومشاركا بصورة او أخرى لما تم فوجئنا بتصريحات خطيرة له، ومع خالص تقديرنا لشخصه فإننا نختلف مع ما صرح به، والاختلاف لا يفسد للود قضية، خاصة أننا نتحدث عن حقائق وليس آراء فلكل امرئ أن يرى كيفما يشاء لا سيما أن هذه الحقائق لم تعد تاريخا مضى كما يظن البعض وإنما مازالت تلقى بآثارها السلبية على قطاع التأمين والعاملين فيه والذين يتحملونها بصبر وصمت حتى الآن.
قال سيادته إنه بعد توليه رئاسة هيئة الرقابة على التأمين عام 2005 «اكتشف» إفلاس شركة التأمين الأهلية. وأن الشرق للتأمين فى طريقها للإفلاس دفتريا أو على الورق!!! وهو سبب دمجهما فى مصر للتأمين.
وهنا أذكّر القارئ النجيب ببعض الحقائق، وهى أن دمج شركات التأمين تم على مرحلتين الأولى هى دمج الشرق للتأمين والمصرية لإعادة التأمين فى مصر للتأمين عام 2007 مع الإبقاء على التأمين الأهلية، شركة حكومية لتأمينات الحكومة.. فكيف يتم الاحتفاظ بشركة مفلسة دفتريا لتختص بتأمينات المشاريع الحكومية وهى كبيرة بطبيعتها؟، وأرجو الرجوع إلى أرشيف الصحافة حينها لتذكر هذه التصريحات، ثم ما مبرر إدماج المصرية لإعادة التأمين – ولم تكن مفلسة – وهى شركة متخصصة فى الإعادة فى شركة تأمين مباشر (مصر للتأمين) الأمر الذى لم يحدث إطلاقا فى أى مكان؟؟ ذلك إن كنا نبحث عن المبررات!!!
ثم تم العدول عن الإبقاء على «الأهلية» كشركة للتأمينات الحكومية، وتم طمس اسم «الأهلية» فى 2010 بعد الحصول على قرض لتقويتها ولم يعلن عن أوجه صرف هذا القرض ومن سدده؟ وكيف ومتى؟ وما موقف الرقيب فى كل هذا؟ وذلك يكشف عدم منطقية أسباب الدمج المعلنة لأن الحقائق كانت أكثر بشاعة من جرأة من تصدروا المشهد ومن تواروا خلفهم ومن هادنوا فلم يجرؤوا على كشفها فبانت قراراتهم كأنها عشوائية ولكنى أحسبها غير ذلك فقد كانت تتماشى مع المستجد حينها.
كذلك أتساءل لماذا لم يَكتشف أمر إفلاس هاتين الشركتين رؤساء هيئة الرقابة على التأمين السابقين ومساعديهم مع خبراتهم الفائقة؟ وأيضا أين كان الجهاز المركزى للمحاسبات والذى لم يرد بتقاريره تصريح أو تلميح إلى ذلك طوال سنوات عديدة وحتى إتمام الدمج (على الأقل بالنسبة للشرق التى أعلم جيدا ما يخصها) وهو الأقدر والأكثر تخصصا فى هذا الأمر؟
ورواية ضعف المركز المالى للشرق للتأمين ظهرت لأول مرة «وفجأة» فى مراسلة موجهة من الرقابة على التأمين إلى «الشرق» تعقيبا على الميزانية العمومية للشركة فى 30 /6 / 2007 تفيد بأن هناك عجزا فى مخصص التعويضات تحت التسوية للسيارات الإجبارى وقدره 615 مليون جنيه!! رغم أن جميع التقارير السابقة للرقابة على التأمين كانت تشهد بكفاية المخصص ومنها المراكز المالية للشركة فى 2005 «بعد تولى صاحب التصريح لمنصبه وما بعدها».
وبالطبع قمنا حينها بالرد المفصل والموثق بالأرقام والمستندات وبعضها من تقارير الهيئة ذاتها التى تدحض هذا الزعم الغريب والمفاجئ فقد أخذنا الأمر بجدية وموضوعية ولم نفطن حينها إلى أن وراء الأكمة ما وراءها!! والتفت المسئولون بالهيئة عن كل ما قدمنا وأوضحنا وكان ردهم على الشرق حينها: «إن الهيئة مازالت عند قرارها» هكذا دون دراسة أو مناقشة ما قدم فقد كانت هذه ضمن مساهمتهم فى التمهيد للدمج.
ولم نيأس وقبلت الشرق للتأمين التحدى وطلبنا مهلة ستة أشهر فقط لتحويل المخصص إلى مدفوع لنؤكد بالواقع الفعلى كفاية المخصص، وقمنا فعلا بالإعلان عن قبول الشركة لمن «يرغب» دون إلزام للمضرورين فى التسوية الودية وفق القانون رقم 72 لسنة 2007 دون انتظار لأحكام القضاء وذلك بالنسبة للمطالبات السابقة لصدوره، وتم تشكيل لجنة على مستوى عالٍ جدا من الكفاءات القانونية والفنية وبدأت عملها فعلا وأعدت أول تقرير لها واُرسل للرقابة على التأمين، ليؤكد أن ما تم سداده من مطالبات كان بقيمة تقل عن قيمة المخصص لها، وذلك يؤكد بالإضافة إلى ما سبق كفاية المخصص وعدم وجود أى عجز!… ولكن دون جدوى بل أثار ما قامت به «الشرق» غضب المدعين لأنه يكشف زيف ادعائهم وآخر الأمر ذكرناهم بقيمة استثمارات «الشرق» وأن قيمتها السوقية أو الفعلية تتجاوز خمسة أمثال قيمتها الدفترية فعلى سبيل المثال كانت قيمة مبنى الشركة فى 15 ش قصر النيل، الدفترية 67 ألف جنيه والفعلية تتجاوز 150 مليون جنيه حينها وهكذا كانت باقى استثماراتها العقارية سواء التى تشغلها أو تستثمرها كذلك محفظتها الاستثمارية فى الأسهم كانت القيمة الفعلية أو السوقية لبعضها تتجاوز سبعة أمثال قيمتها الدفترية، أما الاستثمارات الخاسرة فقد كانت محدودة جدا «قيمة وعددا»، وكانت ترد على وجه الحصر بتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، وكان يمكن لو «صدقت النوايا» أن يسمح للشركة بتغطية العجز المزعوم من الأرباح الضخمة والكامنة فى فروق الأسعار، ولم يشفع ذلك للتدليل على متانة المركز المالى للشركة عند «سائق القطار» فقد كان يدهس كل منطق مطِلقا دخان الشائعات التى لاقت قبولا عند البعض لغرض فى النفوس أو نقص الإدراك أو.. ويعلم القليلون ممن كانوا قريبين من المشهد كيف كانت تسير الأمور.. ويمكن أن تستشف من بين سطور الحوار المشار إليه.
لم أتطرق إلى التفاصيل الفنية والمحاسبية فهذا المقال ليس مكانها ولم أشر إلى ما لا دليل عليه من أقوال شفاهية فقد كانت السمة الغالبة لهذه الفترة بل إن معظم الاجتماعات التى كانت تجرى فيها حوارات هامة وتُتخذ فيها قرارت خطيرة لم تُحرر عنها محاضر معتمدة ممن حضروها!
لقد كانت الشرق للتأمين ومسئولوها يصارعون اللامعقول بموضوعية دون حساب للمكسب أو الخسارة على المستوى الشخصى، لا من منطلق العاطفة لشركتهم وإنما للحق وحده. وبكل آسف فإن من يعلمون لا ولن يتكلمون.
أمر آخر أود التعليق عليه فى حوار «المال» بشأن قانون التأمين الإجبارى رقم 72 لسنة 2007 وقد تناولناه قبلا بالدراسة والتعليق فقد جاء بالحوار أن من أسباب تعديل القانون هو مغالاة السلطة القضائية فى الأحكام والتعويضات.. وأشير هنا من واقع خبرة عملية مباشرة إلى أن أحكام القضاء تكون عادة وفق معايير موضوعية لامجال هنا لسردها ومنها القيمة الحقيقية للتعويض وقت تقريره ولا شأن للقاضى هنا بأن أسعار التأمين الإجبارى ظلت دون تحريك من عام 1987 وحتى 2007 مما تسبب فى خسائر جسيمة لقطاع التأمين!! وعندما أفاق قطاع التأمين وحرك الأسعار لم يراع العدالة والأصول الفنية فقد تم زيادة الأسعار بمعدل %300 فى 2007 ثم زيادة أخرى %150 فى 2009 على كل أنواع السيارات رغم أنه فى دراسة نشرت بجريدة «المال» عام 2007 كان معدل خسائر سيارات النقل %2200 ومعدل خسائر سيارات الأجرة %150 ومعدل السيارات الملاكى %100 ومعدل خسائر الموتوسيكل %70 وكان يجب أن تراعى هذه النسب فى تحريك الأسعار لتحقيق مبدأ اسمه العدالة.. ذلك مع عدم وجود سقف للمسئولية.
ولكن لغرض يعلمه مديرو ما يسمى بإصلاح قطاع التأمين تم منح شركات التأمين زيادات أكبر مما تستحق فى الأسعار وتخفيض أكثر مما يجب فى الالتزامات إذ جعل التعويض بقيمة محددة وبذلك تحولت وثيقة المسئولية المدنية إلى وثيقة حوادث شخصية رغم احتفاظها بمسمى وثيقة المسئولية المدنية، وكان الأجدر وضع حد أقصى للمسئولية المدنية بقيمة كبيرة نسبيا ولتكن 300 ألف جنيه، ويترك للقضاء تحديد التعويض المناسب لكل ضرر ووضع إجراءات سريعة للتقاضى حتى يحصل المضرور على القيمة العادلة للضرر الذى وقع عليه وفى أسرع وقت ممكن وأيضا حماية للمؤمن له وهو العميل وهو صاحب الوثيقة من عواقب المسئولية التى أبرم الوثيقة لتجنبها بألا يتعرض لأحكام قضائية إضافية من قبل المضرور.. وإلا فما دور الوثيقة بالنسبة له وهو من تكبد قسطا أكبر مما يجب؟، وبذلك أضير ضررا بالغا.. ويؤسفنى هنا الخلط بين مصلحة المؤمن له ومصلحة المضرور ودور التأمين فى مراعاتهما معا.. ولا خوف على شركات التأمين من شبح الخسائر الجسيمة السابقة والتى كانت بسبب عدم تحريك الأسعار لمدة عشرين عاما، إذ توجد الآن آليه لتحريك الأسعار إذا لزم الأمر.. أما الإصرار على التعويض بقيمة محددة أيا كانت فإنه يعنى ضرورة تعديل مسمى الوثيقة إلى وثيقة حوادث شخصية مثل وثيقة حوادث القطارات والطرق السريعة، وذلك يتطلب تعديل القانون، كذلك يجب إضافة بند للتعويض عن العلاج من الحوادث حتى استقرار الحالة وثبوت العجز المستديم إن وجد، الأمر الذى أغفل تماما وكل ذلك سمى بالإصلاح التشريعى !!!
أخيرا وفيما يخص المصرية وجدت ما يثير التساؤل فقد قيل إن قرار دمج المصرية لإعادة التأمين كان بسبب إدراك أولى الأمر حينها بأنه لا حاجة لشركة إعادة حكومية.. هكذا ودون استطلاع رأى الرقيب أو اتحاد شركات التأمين فالمالك أو ممثلوه إحرارا فيما يقررون، فلماذا إذاً لم تطرح فى البورصة فتبقى ولكن غير حكومية؟ وقيل أيضا أن قرار الدمج اتخذ بالخارج؟! ولم يوضح من هذا الذى بالخارج؟ وما صلاحياته بشأن شركة حكومية مصرية؟ ثم هل هذا القرار له علاقه بكسب المصرية لحكم قضائى ضد شركة AIG للتأمين الأمريكية وهى أكبر شركة تأمين مباشر فى العالم؟ وكانت ملحمة مصرية أبطالها ثلاثة من موظفى المصرية النابهين بقيادة جمال حمزة رئيس الشركة آنذاك.
أما القول بأن العائد على رأس المال لم يكن على المستوى المطلوب فذلك أمر غير حقيقى وقد سبق أن تناولنا هذا الأمر تفصيلا فيما قبل، وبالأرقام الموثقة من ميزانيات المصرية وتطور رأس المال من 250 ألف جنيه عام 1957 إلى مليار و171 مليون جنيه هى حقوق الملكية فى عام وأدها فى 2007. بخلاف ما تم توريده من أرباح ومن ضرائب لخزانة الدولة على مدى خمسين عاما هو عمرها، إذ حققت أرباحا بلغت مليار و120 مليون جنيه.
ذلك بالنسبه للعائد المالى، أما العائد الفنى المساند لشركات التأمين، والبحثى الذى أثرت به السوق فمن الصعب قياسه بالمال.. وعودة للتحكيم الذى كسبته المصرية فصحة المبلغ هو 42 مليون دولار وليس 124 مليون دولار، كما قيل ولم تدرج القيمة ضمن الميزانية قبل الدمج والتى حققت أرباحا كبيرة من النشاط بل أدرجت القيمة بعد الدمج لتظهر ضمن أرباح مصر التأمين، إضافة إلى تقييم استثمارات مصر للتأمين والشرق للتأمين والمصرية لإعادة التأمين بالقيمة السوقية رغم أن الدمج كان بالقيمة الدفترية! بهدف إظهار أرباح ضخمة لمصر للتأمين فى 2008، لتشهد زورا بنجاح الدمج.. تأمل إلى أى حد كان تفصيل المعايير والتدليس الذى مر دون حساب! بل تم إخفاء نص قرار التحكيم وحيثياته الذى يشهد بأداء المصرية ورجالها.. ويكفى اعتراف السوق كله مؤخرا بجرم وأد المصرية لإعادة التأمين.
هناك الكثير والكثير مما يستحق التعليق فالحوار ثرى فى موضوعاته، ومناقشتها تحتاج التطرق إلى أمور فنية ومحاسبية لا أظن أن صفحات الجرائد مهما كانت متخصصة تناسبها أو تسعها.. ولكنى اكتفى بما تقدم مؤكدا مرة أخرى بأن الاختلاف لايفسد للود قضية.. وأؤكد أن فتح الملف بشكل رسمى وموضوعى وموثق سيكشف ويعالج بؤر كامنة مازالت تؤثر حتى الآن.
لطالما طالبت بفتح ملف دمج شركات التأمين وما سمى ببرنامج إصلاح قطاع التأمين وإجراء تقييم موضوعى شامل لما تم وآثاره حتى لا تطلع علينا بين حين وآخر تصريحات صادمة دون سند أو منطق ولا أثر لها سوى إرباك العاملين والمتعاملين بسوق التأمين، والذين بحكم مواقعهم غير مطلعين على جوهر الأمور ويعتمدون فقط على ثقتهم فى التصريحات وأصحابها فتجد من يشيد بتوصيات تقارير كونسورتيوم تقييم شركات التأمين دون دراية بما جاء فى هذه التقارير، ولا حتى بأهداف تعيين الكونسورتيوم من الأساس!
العضو المنتدب السابق
لشركة الشرق للتأمين