بحكم عملى فى مجال التأمين الطبى والرعاية الطبية، لمدة تناهز 15 عاما، أود أن أوضح حقيقة قد تكون غائبة عن الكثيرين، وهى أن شركات الرعاية الصحية العاملة فى مصر يمكن أن تصنف إلى نوعين، الأول : شركات جادة وفاعلة ومؤثرة وتمتلك بعض أوجميع المقومات اللازمة للتحول إلى شركات تأمين، وتشمل هذه المقومات توافر الخبرات الإدارية والفنية القادرة على إدارة هذه المنظومات وتطويرها، وضمان استمراريتها والوفاء بالتزاماتها الفنية والمالية تجاه العملاء، ومقدمى الخدمات الطبية، كما تمتلك البنية التحتية الجيدة، وتشمل شبكة طبية متميزة من حيث التوزيع الجغرافى وانضباط المعاملات المالية، بالإضافة إلى منظومة الحاسب الآلى وتكنولوجيا المعلومات والتى تمكنها من تقديم خدمات طبية متميزة لعملائها، وأخيرا فإنها تمتلك محفظة ذات حجم وطبيعة جيدة، وبعض هذه الشركات يزيد عمرها عن 20 عاما ومستمرة حتى اليوم.
هذه الشركات قد لا يتعدى عددها العشر شركات، باختلاف أحجامها وطبيعة نشاطها، والذى اقتصر فى بعضها على نظام الإدارة فقط (TPA) والبعض منها استمر فى العمل بمنظومة الرعاية الصحية، بمفهومها الأصلي(managed care organization) واتخذ البعض طريق التنوع فى محفظته ما بين الـ (TPA) والـ(managed care)
والثانى : شركات لا تملك أيا من هذه المقومات، وتمثل خطرا على صناعة التأمين الطبى سواء من الناحية المادية، أومن ناحية نشر وتأصيل صورة سلبية عن التأمين الطبي.
ولذا حين نتحدث عن محفزات يعتقد أنها قد تشجع شركات الرعاية الطبية للانضمام إلى منظومة التأمين الطبى بتشريعاته الجديدة الجارى التحضير لها، فإن تعبير محفزات قد يكون غير دقيق، وأفضل استخدام مصطلح «متطلبات»، فمثل هذه القوانين تسن لتحقيق أهداف معروفة ولحماية المجتمع والصناعة من مخاطر قد تتحقق فى ظل عدم وجود قوانين منظمة.
ما أود أن أوضحه أن المعايير الواجب اتخاذها فى الاعتبار عند الإعداد لمشروع القانون تستقى من تجارب مماثلة وسابقة، ويتم تعديلها لتناسب احتياجات السوق المصرية، بشكل خاص دون الأخذ فى الاعتبار مفهوم المحفزات لأنه فى النهاية لن يتم تأسيس قانون ليقنن وضع شركات ليست لديها المقومات اللازمة لتكوين كيانات قادرة على الوفاء بأدنى المتطلبات المالية والفنية التى يتطلبها القانون المنتظر، ولا المقومات اللازمة للنهوض بالصناعة.
أولا : يجب أن أشير إلى نقطة مهمة وهى أننى أتمنى أن يشتمل القانون الجديد المنظم لعمل التأمين الطبى فى مصر شركات التأمين الحالية، والتى تمارس نشاط التأمين الطبى، لأن بعض هذه الشركات أيضا ورغم كونها كيانات ضخمة وتمتلك مؤهلات عظيمة كشركات تأمين تعمل فى مجالها الأساسى (الممتلكات والمسئوليات أوالحياة) إلا أن البعض منها قد لا يملك الخبرات والمقومات اللازمة للعمل فى نشاط التأمين الطبي.
وتختلف طبيعة التأمين الطبى عن الأنواع الأخرى فى التأمين، لأن التأمين الطبى يغلب فيه الجانب الفنى فى الإدارة على الجانب المالى، عكس الأنواع الأخرى والتى يعتبر إدارة الجانب المالى والخطر هوالأساس فى نجاح المنظومة، أما فى الطبى ودون التقليل من وجود أخطار مالية فإن الجانب الفنى إذا تمت إدارته بشكل جيد بدءا من التسعير وتطبيق معايير اكتتاب سليمة، وإدارة المطالبات بشكل جيد، فإنه يؤدى إلى نجاح المنظومة وتقليل عوامل الخطر بشكل كبير.
لذا فإن رءوس الأموال المتطلبة لإنشاء شركة تأمين طبى، ليست بالضرورة أن تكون كبيرة كما فى الأنواع الأخرى، ولكن فى اعتقادى يجب أن يكون فى الوقت الحالى، وبعد تعويم الجنيه فى حدود 30-50 مليون جنيه (يسدد %50 عند التأسيس ويستكمل الباقى خلال 5 سنوات) للتأكد من جدية الكيانات المزمع إنشاؤها أوالتى تنوى توفيق أوضاعها، وكما ذكرت فى مقدمة المقال أن النوع الأول من شركات الرعاية الطبية أغلبها فى اعتقادى قادر على الوفاء بهذه المبالغ، وإن لم تكن قادرة فهناك العديد من الحلول، منها ضخ رءوس أموال عن طريق مستثمرين جدد أواندماج شركات مع بعضها لتكوين كيانات أكبر.
ثانيا: وهوالأهم ونأمل أن يتضمنه القانون أولوائحه التنفيذية، تغطية المقومات الفنية المطلوبة فى الكيانات المتحولة إلى نشاط التأمين الطبى أوالكيانات التى تمارس بالفعل النشاط الطبى، من شركات تأمين الممتلكات أوالحياة ومنها:
وضع معايير واشتراطات تضمن توافر مقومات وعناصر فنية وإدارية تمتلك الخبرات اللازمة فى التأمين الطبى على جميع مستويات التشغيل، بدءا من الإدارة العليا، مرورا بإدارات التسعير والاكتتاب وإدارة المطالبات وخدمة العملاء والجودة، والتأكد من وجود منظومة حاسب آلى بمواصفات أساسية تضمن فعالية إدارة المنظومة
وضع معايير للتعامل مع شكاوى العملاء من قبل شركات التأمين، ودور الهيئة العامة للرقابة المالية فى متابعة الشكاوى والتدخل للفصل فيها، وإلزام الشركات بقراراتها فى هذا الشأن.
يجب الأخذ فى الاعتبار طرق سداد العملاء لأقساط التأمين، فالمتعارف عليه فى التأمين الطبى أن العميل يسدد الأقساط على دفعات فى الغالب ربع سنوية، ويجب أن ينعكس ذلك على قيم المبالغ الواجب توافرها تحت حساب الاحتياطيات.
وضع لوائح تنظم النتائج المالية بشكل يضمن تحقيق النتائج المرجوة وتضمن قيام الشركة بالعمل على القيام بالتعديلات اللازمة، سواء على مستوى التسعير أوالاكتتاب أوإدارة المطالبات، فى حال استمرار الخسائر غير المبررة خلال عدد معين من السنوات المالية.
أما بخصوص الشركات التى ترغب فى العمل فى الإدارة «TPA» فيجب أن تكون رءوس أموالها فى حدود 5-10 ملايين جنيه، لضمان جدية هذه الشركات، وحقيقة لأن إدارة منظومة الرعاية الطبية مكلفة بشكل كبير فى الوقت الحالى، وحتى تستطيع الشركات التى ترغب فى العمل فى هذا المجال، تغطية تكاليف إنشاء البنية التحتية وتغطية مصاريف التشغيل، خصوصا فى البداية وحتى تصل إلى مرحلة تغطية النفقات عن طريق دخل الإدارة الذى تتحصل عليه من شركات التأمين.
أيضا يجب أن تمتلك هذه الشركات العناصر والخبرات الإدارية العالية فى مجال إدارة المطالبات، وخدمة العملاء ومنظومة حاسب آلى فاعلة.
لا يجب أن يغفل القانون أولوائحه التنظيمية تنظيم العلاقة بين شركات التأمين وشركات الإدارة، خصوصا على المستوى المالي.
أخيرا أرى أنه من الممكن أن تقوم الهيئة فى الفترة الحالية بالبدء فى إجراءات تمهيدية، تستبق صدور القانون وقد تساعد فى التعرف على أوضاع شركات الرعاية الطبية فى الوقت الحالى، عن طريق إقامة منظومة تأهيل لشركات الرعاية الصحية التى ترغب فى التحول إلى شركات تأمين طبى، وتشمل هذه المنظومة مراجعة أوضاع الشركة المالية والفنية للتعرف على نقاط القصور التى تحتاج إلى تعديل، وأيضا تشمل إقامة دورات تدريبية للإداريين والفنيين لتطوير وصقل خبراتهم التأمينية، كما يمكن أن تساعد من خلال المعلومات التى ستتوافر عليها على الاقتراحات بخصوص الاندماج بين الشركات التى تخضع لبرامج التأهيل.
كما يمكن للهيئة أن تسمح لشركات الرعاية الحالية بالحصول على أحد التراخيص المتاحة فى الوقت الحالى (ممتلكات أوحياة) على أن تمارس نشاط التأمين الطبى فقط، وبعض أنواع تأمين الحوادث المرتبطة بالنشاط الطبى، لأن رأس المال المطلوب حاليا 60 مليون جنيه (يسدد منها 30 مليونا) ولأنه من المتوقع عند تعديل القانون أن يتم رفع رءوس الأموال لأنواع التأمينات الأخرى، يظل رأس المال لهذه الشركات كما هو 60 مليون جنيه، مع تطبيق المعايير الجديدة.
العضو المنتدب لشركة «MED RIGHT» للرعاية الصحية