جملة المفهوم من أوصاف جميل وأخباره، أنه كان فتى من الفتيان المكتوب لهم أو المكتوب عليهم حياة الغرام.
كان فيما ينقل إلينا الأستاذ العقاد صفاته كان وسيمًا قسيمًا طويل القامة عريض المنكبين، مدللا ً فى نشأته، فى عزة قومه، ولكنه كان على ضعف فى الخلق والعقل يقعد به عن عظائم الأمور، ولا يكبح جماحه إن برح به الهوى، ورشحته هذه النشأة ليوصف بأنه «جميل بثينة».
■ ■ ■
أما محبوبته «بثينة» فقد وصفها «جميل» بعين المحب، ووصفها غيره كما يراها ويراها غيره. ويخلص من جملة صفاتها أنها كانت «أدماء طوالة».. والأدماء هى الشديدة السمرة، والطوالة هى الطويلة الفرعاء.
ومن كلام جميل عنها، أنها كانت على سنة البدويات فى التأبى والدلال الذى يشوبه الجفاء، فلما تصدى لها «عمر بن أبى ربيعة» لم تحفل به وصدته فى جفاء، وقالت له: «والله يا عمر ! لا أكون من نسائك اللاتى يزعمن أن قد قتلهن الوجد بك !».
وقال جميل:
ولست على بذل الصفاء هويتها ولكن سبتنى بالدلال وبالبخل
فهى معشوقة بدوية صالحة «لدورها» المشهور مع جميل، وقد زادنا جميل معرفة بتفصيلات ملامحها فقال: «إنها لطيفة طى الكشح ذات شوى خدل»، ( والكشح هو الخصر إلى وسط الظهر، والشوى الأطراف والخدل الممتلئ ).. وكرر جميل هذا الوصف مرات فقال:
إلى رجّج الأكفال هيف خصورها
عذاب الثنايا ريقهن طهور
ووصف ثغرها مرة أخرى فقال:
مفلجة الأنياب لو أن ريقها
يداوى به الموتى لقاموا من القبر
وعمم الوصف فذكر جيدها وعينيها فى بيت يقول فيه:
وأحسن خلق الله جيدًا ومقلة
تُشَبّهُ فى النسوان بالشادن الطفل
وفى بيت آخر يقول فيه:
لها مقلتا ريم وجيد جداية
وكشح كطى السابرية أهيف
(والسابرية حرير ينسب إلى سابور، والجداية ولد الظبى بلغ ستة أشهر).
يبقى من «الوصف التقليدى» من هذه الأبيات، أن بثينة كانت بدوية حسناء، لم تتعرض للبدانة التى تحدث من ترف الحواضر، ولا للنحول الذى يأتى من شظف العيش، فهى رشيقة معتدلة الخلق سامقة القوام مستحبة الملامح.
ويبدو من بعض إشارات «جميل» إليها، أنها كانت صاحبة فطنة، ويبدو للأستاذ العقاد ولا أخفى دهشتى بمتابعاته أنها كانت من الذكاء على نصيب يسعف الفتاة فى مواقف الغرام.
إلاَّ أنها فى علاقتها بجميل، لم تكن تخلو من الحماقة والخفة، وقيل إنها دخلت على «عبد الملك بن مروان»، فرأى فيها امرأة حمقاء، فقال لها: ما الذى رأى فيك جميل ؟. قالت لفورها: الذى رأى فيك الناس حين استخلفوك.
ومثل هذه الحماقة لا تظهر فجأة فى الكهولة، إلاَّ إذا كانت أصيلة من بداية العمر.
■ ■ ■
وقد كان جميل يحاول أن يقتدى فى وصفها بابن أبى ربيعة فى وصفه لنسائه المترفات المنعمات، فيقول عنها وعن أترابها:
إذا حميت شمس النهار اتقينها
بأكسية الديباج والخز ذى الخمل
ولكنها محاكاة لا تلبث أن تنكشف وينكشف باطلها كما ينكشف كل زيف وتلفيق، فبثينة هذه من بنات «بنى الأحب» الذين قال فيهم جميل حين غضب:
إن «أحب» سفلة أشرار
حثالة عودهم خوار
أذل قوم حين يدعى الجار
والذين قال فيهم حين توعدوه مشيرًا إلى عجزهم عن قتله لأنهم لا يقدرون على الحرب ولا على الدية:
إذا ما رأونى طالعًا من ثنية
يقولون من هذا وقد عرفونى
يقولون لى أهلاً وسهلاً ومرحبًا
ولو ظفروا بى خاليًا قتلونى
وكيف ولا توفى دماؤهم دمى
ولا مالهم ذو ندهة فيدونى
[email protected]
www. ragai2009.com