أوروبا دائماً تضع اهتماماً خاصاً بما تسميه «الجوار الجنوبى»: دول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. لكن هناك ستة أسباب تعطي الجزائر وضعاً خاصاً فى هذا الجوار.
أولاً: تجربة الحرب الأهلية فى تسعينيات القرن العشرين، و التي قضى فيها أكثر من 150.000 شخص. هذه الحرب شديدة الشراسة جرت على واحد من أقرب شواطئ البحر الأبيض لأوروبا، و أفضت إلى تدفق ملايين المهاجرين إلى عدد من الدول الأوروبية.
وبالرغم من التحليلات المتعددة التى ترى جزائر اليوم بعيدة تماماً عن أوضاعها فى التسعينيات، فإن هناك حذراً نابعاً من أصداء تلك التجربة فى الفكر الأوروبى، ومن القلق الأوروبي من أي مواجهات مسلحة، أو حملات عنف كبيرة، تحدث قريباً من الشواطئ الأوروبية.
ثانياً: حجم الجزائر – فهي الدولة الأكبر مساحة فى أفريقيا. كما أن تعدادها الفائق أربعين مليون نسمة، أغلبهم تحت سن الأربعين، يعطيها أهمية إستراتيجية، إذ إن أى هزات خطيرة فى بلد بهذا الحجم، له تداعيات تصل إلى بعيد.
ثالثاً: الجزائر لاعب عسكري مهم فى حوض البحر الأبيض. هي واحد من أكثر الدول فاعلية فى التصدي للجماعات المسلحة فى شمال غرب افريقيا. وهى دولة ذات تعاملات مهمة مع حلف الناتو خاصة مع القيادة المُتابعة لأفريقيا فى الپنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية).
رابعاً: الجزائر هي ثالث أكبر مُصدِّر للغاز لأوروبا. والطاقة قصة مهمة جداً لكل دول اوروبا، وخاصة لألمانيا التي تُولي أهمية كبيرة لتنويع مصادر استيراد الطاقة، بعيداً عن روسيا وجوارها الجغرافى.
خامساً: إن ثروات هائلة بُنيت من عائدات الجزائر النفطية، وأغلب هذه الثروات قابعة فى أوروبا، وقد بنت هذه الثروات علاقات متشعبة مع مراكز قوة فى عدد من دول أوروبا الغربية. و على هذا، فإن أي تغيرات واسعة فى الجزائر قد تغري – أو تضطر – هذه الثروات إلى أن تحاول التأثير على القرار الأوروبي تجاه الجزائر. وفى ذلك مخاطر ومحاذير على السياسة الأوروبية.
سادساً: هناك إهتمام فكرى، فى أوروبا، بالتجربة الجزائرية الحديثة. بالرغم من التصور السائد بأن ثورات الربيع العربي بدأت فى تونس نهايات 2010، فى الحقيقة أن أول الثورات العربية على نظام جمهوري كانت فى الجزائر عام 1988.
لكن تلك التجربة وتداعياتها انتهت الى حرب أهلية، ما زالت جراحها بارزة على المجتمع الجزائرى. و منذ انتهاء هذه الحرب، فى نهاية التسعينيات و إلى الآن، فإن الجزائر كانت فى مرحلة تكاد تكون انتقالية – فلا الحرب أنهت شرعية الجمهورية الأولى التى بدأت مع نهاية الإحتلال فى منتصف الستينات، ولا جزائر ما بعد الحرب هي إستمرار لما كان قبلها. تغير المجتمع، مع ظهور جيل جديد لم يعش تجربة الحرب، لكن الهيكل السياسي فى البلد لم يتغير. هذه التجربة، وما قد تئول إليه، شديدة الأهمية للمفكرين الإستراتيجيين الأوروبيين، لأنها، مع خصوصيتها، دالة على تفاعلات رئيسية فى السياسة العربية بشكل عام.
لكن، بالرغم من هذه الأسباب، فإن أوروبا حذرة جداً بخصوص أي تحرك تجاه الوضع فى الجزائر. فأوروبا تدرك أن تجربة التحرر الجزائرية وأوضاعاً كثيرة توالت فى العقود الأربعة الماضية قد بنت حساسيات خاصة فى الجزائر لأي عمل قد يبدو و كأنه تدخل فى شأن داخلى. كما أن أوروبا تدرك أن حساباتها حول حركة الثورات العربية فى 2011 و 2012 ثبت فشلها، وهو فشل دفعت أوروبا ثمنه فى علاقتها بعدد من الدول العربية فى الأعوام القليلة الماضية.
وعلى هذا، فإن أوروبا تتابع عن قرب وبإهتمام، ولكن مع حذر عدم إثارة حساسيات وعدم إتخاذ خطوات يتعذر التراجع عنها فيما بعد.
طارق عثمان هو مؤلف Egypt on the Brink، الكتاب الأكثر مبيعاً عن مصر فى العالم فى العقد الماضي وIslamism: A History of Political Islam، الصادرين عن دار نشر جامعة ييل الأمريكية، ومؤلف ومقدم عدد من السلاسل الوثائقية لـBBC البريطانية.
- كاتب مصرى مقيم فى لندن