- بقلم : طارق عثمان
هناك تصور فى بعض الدوائر العسكرية الأمريكية أنه يمكن جذب الهند لاقتراب استراتيچى من الولايات المتحدة فى منافستها الكبرى مع الصين على النفوذ الأكبر فى آسيا.
هذا التصور قائم على رأى يرى أن الهند قد خرجت من إطار عدم الانحياز لأى قطب دولى، وأنها، بالذات تحت حكم رئيس الوزراء مودى (وهو النقيض لكل ما مثله حزب المؤتمر الذى حكم الهند لعقود) قد دخلت بالفعل – فكراً و من خلال مصالح الطبقة الحاكمة فيها – فى المعسكر الغربى.
هذا التصور أيضاً يرى أن مصالح الصين التجارية قد بدأت تُعبِر عن نفسها من خلال تواجد عسكرى – بحرى فى معظمه – يُقلق الهند. وهذا التواجد العسكرى الصينى ليس وليد ظروف، إنما تطبيق للرؤية العسكرية الصينية المعروفة باسم «إستراتيچية المحيطين» (و المقصود هنا: المحيطان الپاسيفيكى و الهندي). مع هذين النقطتين، هناك تصور أمريكى أن التقارب العسكرى والتجارى بين الصين وباكستان لابد وانه داع قوى فى التفكير الهندى للاقتراب من الولايات المتحدة.
الرأى الأمريكى أيضاً يلفت نظر الهند الى ان الاستراتيچية الصينية تُزيد من رقعة تواجدها فى أهم طرق التجارة الأسيوية وعند النقاط الحاكمة فى حركتها – مثلاً: هناك تواجد صينى متزايد فى سيريلانكا، وهى ذو موقع متميز وعلى الحدود الهندية، كما أن الصين تُكَبِر من قدرة قاعدتها العسكرية فى چيبوتى وهى مدخل المحيط الهندى وصلته الرئيسية بالبحر الأحمر و منه إلى أوروبا.
مع كل ذلك، الرأى الأمريكى يرى أن هناك دواعى تنافر بين طموحات الصين و إعتزاز الهند بموقعها كدولة ذات تأثير قوى فى آسيا. مثلاً، الكثير من التقديرات الأمريكية ترى أن الإقتصاد الهندى له فرص نمو، بالذات فى صناعات تكنولوچية مهمة للمستقبل، بشكل يُمكن أن ينافس الصين، على الأقل فى صادرات الصين فى آسيا. والحاصل هنا، أن العلاقات بين كبريات الشركات الهندية و (silicon valley) – أهم مراكز البحث فى وصنع التكنولوچيات الحديثة فى الولايات المتحدة – عميقة و متداخلة فى أحيان كثيرة، على عكس الحال مع الشركات الصينية. وذلك يعنى أن أفاق التعاون الاقتصادى الأمريكي-الهندي، ليست فقط مأمولة ولكنها فى القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثيراً فى صُنع المستقبل. وذلك، فى التصور الأمريكي، يُقوى الجانبين الأمريكى والهندى، فى مقابل الصين. اَى أن المصالح الاقتصادية تصب فى ميزان العلاقات الدولية.
وقبل وبعد كل ذلك، فإن الهند بلد يقترب تعداده من المليار و نصف، أى انه تقريبا، قد تعادل مع التعداد الصيني، وهذا يجعل من الهند القوة الإنسانية الوحيدة فى آسيا القادرة على موازنة الصين ككيان اجتماعى (وتلك نقطة مهمة فى الحسابات الاستراتيچية)، بالذات فى منطقة ذات صراعات ثقافية ذات بُعد تاريخى مثل آسيا.
تلك هى الرؤية الأمريكية…لكن ماذا عن التصورات الهندية.
بغض النظر عن نتائج الانتخابات الهندية القادمة، فإن هناك عاملين رئيسيين يظهران فى خطاب المؤسسات الحاكمة فى الهند (وقد تحدث عدد من رجالاتها، وبالذات من هيئات أمنها القومي، فى لندن مؤخراً). الأول، أن الهند لن تقبل، تحت أية ظروف، الانطواء تحت هيمنة صينية على آسيا، حتى وإن تراجعت الصين عن تقاربها من پاكستان. (وهو على كل حال، فى هذه اللحظة، احتمال نظري). العامل الثاني، هو أن الهند، باعتزازها بمكانتها التقليدية فى آسيا، و كنتيجة لنجاحات رائعة لعدد من شركاتها و مؤسساتها العلمية فى مجالات شديدة الأهمية، سوف تحافظ على ما تُسميه its strategic independence doctrine، بمعنى استقلال قرارها فى كل الأمور الحيوية و الاستراتيجية – استقلال حقيقى و ليس مجرد كلام.
هذان العاملان لا يساعدان التقارب الذى تريدة الولايات المتحدة. فالعامل الأول، و إن حثَ الهند على خطوات فى إتجاهها، فإن العامل الثانى ينسف أى لقاء استراتيچى جدى يُضيف فعلاً لرصيد الولايات المتحدة فى مواجهتها الاستراتيچية مع الصين.
وعلى ذلك، فالتصور الأمريكى يُدرك ان عليه الكثير من الإقناع لجذب الهند إليه. لكن أهمية البلد فى آسيا (أرض الصراع الرئيسية مع الصين) تُحفز المفكرين الأمريكيين (و خاصة فى المؤسسة العسكرية) للاستمرار فى المحاولة.
- كاتب مصرى مقيم فى لندن