بقلم: شريف عطية
ما الذى يحدث تحديداً فى المثلث الذهبى، مصر- ليبيا- السودان، ولامتداداته الحيوسياسية إلى الشمال الغربى (الجزائر وتونس) ونحو الشمال الشرقى من سيناء إلى سوريا، ما يشكل بالتقريب مركز القلب من المنطقة العربية، يصوب إليه الخصوم سهامهم، كمصر وسوريا فى العام 1967، سرعان ما تهب لنجدتهما فى العامين التاليين جيشا كل من ليبيا والسودان، ليبرموا على الفور ما بين العدول الأربع «ميثاق طرابلس».. الذى تمخض عنه فى العام 1971 «اتحاد الجمهوريات العربية»، اعتذرت السودان عن الانضمام إليه، إلا أن ليبيا ومصر اتجهتا نحو العزم إلى وحدة اندماجية بينهما، حالت الغيرة الدبلوماسية بين القيادات عن استكمال خطواتها، فى حين خاضت مصر وسوريا تحت راية «الاتحاد» حرب أكتوبر 1973، التى لم تتواز فى نهاياتها خطواتهما العسكرية والسياسية، وليصبح من الطبيعى آنذاك أن تتفكك أواصر «الاتحاد» وليمضى أطرافه كل منهم فى طريق مختلف، انعكست سلبياته بشكل أو آخر على مجمل العمل العربى المشترك على مدى العقود التالية حتى اندلاع الموجة الأولى من ثورات الربيع العربى 2011.. التى شملت إلى جانب مصر.. كل من سوريا وليبيا وتونس، قبل أن تتمكن أولاهم من محاولة إجهاض واحتواء حالة اللا استقرار فى يونيو 2013، إلا أن كل من سوريا وليبيا مازالتا تسعيان إلى استتباب الأمن فى ربوعهما، بمساعدة التحركات الخارجية لمصر- خاصة مع روسيا- لا تزال، ذلك قبل أن تعم المظاهرات مدن السودان مطلع عام 2019، ما قد يؤدى إلى تدخل الجيش إلى جانب الجماهير الغاضبة لحمايتها، ذلك على النحو الذى بدت ملامحه فى 8 أبريل الحالى، ناهيك عما تتعرض له الجزائر منذ مارس الماضى من احتجاجات شعبية متصلة تطالب بتغيير النظام، ما أدى إلى نشوء فراغ رئاسى قد يتطور إلى انفلات أمنى، يعتبره الجيش خط أحمر يستدعى تدخله لضبط الأمور، ذلك دون استثناء ما تشهده شبه جزيرة سيناء منذ العام 2004 من عمليات إرهابية، تصاعدت فى السنوت التالية لتصبح ظاهرة تهدد أمن البلاد وسيادتها، ما لا ينفصل عن مخططات خارجية تستهدف استقطاع جزء من سيناء لتسوية جانب من جوانب المسألة الفلسطينية وعلاقتها باليهودى التائه.
إلى ذلك، تجد مصر نفسها- رغم صعوبة أوضاعها الداخلية- مطالبة من واقع مسئوليتها القومية، وللحفاظ على مقتضياتها الأمنية، الإسراع بقدر المستطاع لئلا تتسرب إليها الفوضى، كالأوانى المستطرقة من دول الجوار عبر حصونها الطبيعية (سيناء- الصحراء الغربية- وادى حلفا- البحر المتوسط)، خاصة من ليبيا- المرشحة الأساسية عن غيرها لحصار مصر من خلال ترحيل دفعات متتالية من المنظمات (الجهادية)، وما إليها، حيث تكون مع السودان- قاعدة المثلث الذهبى لمصر على رأسه، كما تمثل الوصلة بين غرب البحر المتوسط (الجزائر وتونس) وبين شرق البحر (سيناء وسوريا)، فضلاً عن كونها ملاذاً آمناً لجماعات الإرهاب للوثوب إلى مصر عبر حدوده المتاخمة لآلاف الكيلومترات، بحيث يمكن القول إن مساندة مصر مع حلفائها الإقليميين والدوليين (..) للعمليات العسكرية التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبى ضد ميليشيات طرابلس الغرب، وفى جوارها، تمثل ضرورة مصرية فى المقام الأول، إضافة إلى منع انتشار الإرهاب منها إلى سائر بلدان المنطقة- العربية.. ودول الضفة الأوروبية للبحر المتوسط، بسيان، كما أحسب أن روسيا قد استوعبت الدرس لئلا تسمح مجدداً بتخل قوات عسكرية غربية لليبيا على غرار ما حدث فى 2011، إذا من غير الطبيعى كأمر مستهجنة أسبابه، مناداة دول غربية أو إقليمية ذات أجندات خاصة بوقف فورى للعمليات العسكرية الجارية، والتى تأتى تنفيذاً للدستور وفقاً لتصريحات رئيس البرلمان الليبى، ذلك بذريعة إعطاء الأولوية للتسوية السياسية، وهى المتعثرة منذ كان تشكيل «حكومة الوفاق» المنبثقة فى ديسمبر 2015 عن مؤتمر «الصخيرات» الدولى فى المغرب، ومن دون جدوى حتى الآن سوى تفاقم الفوضى والفساد فى ربوع البلاد، وبحيث أصبح الانقسام بين الشرق والغرب الليبيين، سمة رئيسية لم تفلح معها كل الجهود الأممية.
خلاصة القول، إن التغيير فى ليبيا يجيء من الجيش الوطنى الذى قرر رفض مشاركة الميلشيات السلطة، كما فى الجزائر والسودان حيث المتظاهرون فى ظل حماية الجيش، كذلك الأمر بالنسبة للجيش السورى الذى ظل فى رباط مع مسئوليته الوطنية لثمانى سنوات فى حماية الشعب من الإرهاب، كما مصر التى لم يتقدم جيشها الصفوف إلا بعد أن خرج الشعب بثورته المضادة إلى الشوارع والميادين، وفى حمايته، وما إلى ذلك من بلدان تتسابق اليوم أو فى الغد نحو موجات ثورية جديدة، تشابه الربيع العربى فى نقاء مراميه الأساسية، تحميها الجيوش إلى حين انتهاء مرحلة انتقالية سياسية نحو مدينة الدولة.