مرحلة جديدة ينتظرها القطاع الزراعي في التعامل مع البنوك المحلية عقب صدور تعليمات من البنك المركزي المصري بالتوسع في تمويله ضمن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5% متناقصة، طبقا لعدد من المصرفيين.
توقع المصرفيون بناء خطط قوية لاختراق تمويل القطاع الزراعى، خلال الفترة المقبلة استجابة لتوجيهات «المركزى» مع مراعاة درجة المخاطرة الشديدة التى تتسم بها عمليات القطاع.
وتتخوف البنوك من تمويل النشاط الزراعى لارتباطه بعوامل مخاطرة، منها التغير المناخى والآفات وغيرها، ولذلك فإن نسبة القطاع من التسهيلات الائتمانية الإجمالية لدى البنوك لا تتجاوز 0.96% فقط بنهاية ديسمبر الماضى، متراجعة من 1.15% فى 2014.
وسجلت قروض الزراعى 17.46 مليار جنيه، بنهاية العام الماضى، منها نحو 1.7 مليار جنيه بالعملة الأجنبية.
ويرى المصرفيون أن عنصر المخاطرة جعل من النشاط الزراعى بمثابة الحاضر الغائب من القروض الممنوحة من القطاع المصرفى، وهو ما يتطلب بناء إستراتيجيات لمواجهة هذه المخاطر وحساب تكلفتها بدقة.
وتتصدر مخاطر تمويل القطاع الزراعى فى التغيرات البيئية المفاجئة والتى تؤدى إلى تلف المحاصيل بالإضافة لتفتت الخريطة الزراعى، وعدم تواجد البنوك وانتشارها داخل القرى باستثناء البنك الزراعى المصرى.
وأضافوا أن هذا القطاع يخضع للطبيعة أكثر من العنصر البشرى وهو ما يجعل البنوك تعزف بشدة عن التوسع فيه بسبب ارتفاع مخاطره بصورة كبيرة.
وكانت «المال» قد انفردت الأحد قبل الماضى، بتوجيه «المركزى» للمصارف المحلية بضرورة التوسع فى تقديم التمويلات والتسهيلات الائتمانية المختلفة لتعزيز النشاط الزراعى، مع التركيز على تحديث وسائل الرى ومد خطوط المياه.
وسمح «المركزى» المصرى للبنوك بتمويل الجمعيات التعاونية، سواء تلك الخاصى بالمزارعين أو الجمعيات المنشأة بغرض التحول لطرق الرى الحديثة، فى إطار مبادرة «المركزى» لتمويل الشركات والمنشآت الصغيرة 2016، وحرصا على منح مزيد من الدعم للقطاع الزراعى بما فى ذلك توفير تمويل للمزارعين لتحديث وسائل الرى ومد خطوط المياه، فقد ارتأى «المركزى» أهمية توسيع دائرة المستفيدين من المبادرة المشار إليها لتشمل هذا القطاع المهم لما له من آثار إيجابية فى رفع معدلات النمو والتنمية وتحسين أداء الاقتصاد القومى.
وأكد شريف المغربى، رئيس قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ببنك التعمير والإسكان، أن مصرفه بدأ بالفعل قبل قرار «المركزى» بإعداد إستراتيجية لاختراق الريف المصرى وضخ تمويلات جديدة لدعم القطاع الزراعى، مشيرا إلى أن توجيه «المركزى» سيسرع من عملية تنفيذ هذه الإستراتجية.
وقال إن الدولة تتجه بقوة لزيادة الإنتاج الزراعى، ولديها خطة باستصلاح 1.5 مليون فدان، بالإضافة إلى إستراتيجية الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، وتزامنًا مع اتجاه الحكومة ناحية القطاع الزراعى، ومن ثم فإن كل هذه العوامل ستشجع البنوك على تمويله، واصفا توجيه «المركزى» بالقرار الجديد.
وأطلق «المركزى» مبادرة المشروعات الصغيرة مطلع 2016 بفائدة 5% متناقصة، تلتها مبادرة أخرى للمشروعات المتوسطة بفائدة 7% متناقصة (أى يتم حسابها على الرصيد القائم من التمويل)، ويستهدف البنك ضخ قروض بنحو 200 مليار جنيه عبر المبادرتين بنهاية يونيو 2020، فيما بلغت الأرصدة التى ضختها البنوك نحو 136 مليار جنيه، حسب تصريحات نائب محافظ البنك، جمال نجم لـ«المال»، على هامش ندوة صندوق النقد الدولى بالجامعة الأمريكية منتصف الشهر الماضى.
فى حين أشار طارق متولى، النائب رئيس بنك بلوم- مصر سابقًا، إلى أن البنوك عليها دور كبير فى دعم القطاع الزراعى، وتأكيدًا على هذا الدور وجه «المركزى» مصرفه إلى وضع القطاع الزراعى تحت عباءة «المركزى» للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5%
مضيفا أن البنوك الوطنية فى مقدمتها البنك الزراعى المصرى، هم الأكثر تمويلًا بالقطاع المصرفى للقطاع الزراعى، فهم الأكثر انتشارًا من حيث شبكه الفروع الخاصة بهم، علمًا بأن البنك الزراعى أكبر بنك فى مصر من خلال شبكة الفروع، لتصل إلى عدد فروعه إلى 1210 فرع موزعين على مستوى الجمهورية فى المدن والقرى والنجوع.
وأوضح أن «المركزى» يهدف من وراء هذا القرار إلى تنشيط القطاع الزراعى من جديد، مؤكدًا أن القطاع الزراعى والصناعى هما وجهى العملة لتقدم أى دولة، وكان للقطاعين دور كبير فى إنقاذ الصين خلال الأزمة العالمية فى 2008.
وأشاد بقرار «المركزى» قائلًا إنها خطوة جيدة منه أن يحل القطاع الزراعى محل القطاع التجارى فى المبادرة لتكون المبادرة الداعم لقاطرتى التنمية فى المجتمع، مؤكدًا على أن المبادرة ستكون الدافع لتمويلات القطاع الزراعى فى البنوك.
وتابع قائلا : «على الرغم من أن القرار صائب، ولكن الدور الأهم فى الفترة المقبلة هو على البنوك وهو كيفية تفعيل القرار على أن يصل التمويل لمستحقيه فى القطاع الزراعي».
وقال علاء سماحة، الرئيس الأسبق للبنك الزراعى المصرى، إن القطاع الزراعى لم يشغل حيزا كبيرا من اهتمامات البنوك، لزيادة حجم مخاطره مقارنة بباقى القطاعات الأخرى، مشيرًا إلى أن البنك الزراعى، هو البنك الوحيد الذى كان يعمل بالقطاع الزراعى بالشكل الواضح.
وخرج القطاع الزراعى عن دائرة أولويات التسهيلات الائتمانية بالبنوك فى الأونة الأخيرة، ليحتل المركز الأخير بين التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك بنسبة 1.4% من إجمالى التسهيلات، لتكن 1.8% أعلى نسبة يحصل عليها القطاع فى 2011.
وتراجعت التسهيلات الموجهة للقطاع بالتراجع مسجلة 1% بنهاية يونيو 2012، ليسجل 1.05 بنهاية يونيو 2013، ثم يبدأ فى الهبوط عن 1% بدءًا من 2017، ليسجل 0.76% بنهاية يونيو 2017، وسجل 0.93% بنهاية يونيو 2018، حتى وصلت إلى 0.96% بنهاية أكتوبر 2018، حتى يصل إلى 1.4% بنهاية 2018.
أما محمد البيه الخبير المصرفى، فأكد أن «المركزي» يسعى حاليًا إلى تشجيع وتعزيز التمويلات الموجهة للقطاع الزراعى، نتيجة تركيز الدولة عليه، لزيادة عدد السكان.
وفيما يخص مدى قابلية البنوك لتنفيذ القرار، أكد أن مخاطر تمويل القطاع الزراعى مرتفعة، لذلك لم تكن تموله البنوك بالشكل الكافى، مشيرا إلى أن اتجاه البنوك صوب القطاع الزراعى قائم على آليات القطاع الزراعى فى مصر، لذا يجب على الدولة تجهيز البيئة المحيطة بالقطاع الزراعى تجعله أكثر أمانًا بالنسبة للبنوك من البنية التكنولوجية، بالإضافة إلى الأسمدة التى تحافظ على المحاصيل.
ولفت إلى أن البنوك ستتوجه إلى تمويل التصنيع الزراعى أكثر من ضخ تمويلاتها فى الزراعة والاستصلاح الزراعى، كما ستتجه البنوك إلى تمويل مبردات حفظ المنتجات الزراعية، لا سيما أن البنوك ستضخ تمويلاتها فى الفترة المقبلة إلى الإنتاج الحيوانى تحت عباءة مبادرة «المركزى» للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فيما أكد مصطفى عزت، الخبير المصرفى، أن تمويل القطاع الزراعى يحتاج إلى دراسة واعية ودقيقة وموظفين على دراية كاملة بالمواسم الزراعية، ويحمل هذا القطاع مخاطر عالية لكونه يخضع لتقلبات الطبيعة أكثر من العامل البشرى.
ونوه إلى أنه على البنوك دراسة تجربة البنك الزراعى فى التمويل حتى نصل إلى أنسب الطرق لتمويل هذا القطاع بأقل المخاطر ويكون هناك دور لوزارة الزراعة فى توفير الأسمدة والخبراء الزراعيين، وعلى البنوك معرفة خريطة الزراعية لوزارة الزراعة من بينها اتجاه الدولة لتقليل زراعة محصول قصب السكر والأرز لأنها شرهه للمياه.
وأكد رئيس قطاع الديون المتعثرة بأحد البنوك العاملة فى السوق المصرية، أن البنوك من الصعب عليها التوسع فى هذا القطاع، نظرا لأن المخاطر المرتفعة له تجعل أغلب عملائه متعثرين، مشيرا إلى أن توجيه «المركزى» سيحرك المياه الراكدة داخل هذا القطاع إلا أنه لن يجعل البنوك تتوسع فى تمويله.
أحمد الدسوقي ومحمود الصباغ