بخلاف ماهو شائع …يخطئ من يظن أن محمد باشا «1867-1941» قد قام بإشهار أول بنك تجاري مصري في التاريخ، صحيح أنه هو نفسه كان يظن ذلك، عندما أعلن عن إنشاء بنك مصر في عام 1920، ولكن ما فعله هذا الكيان العملاق منذ مولده وحتي إجبار مؤسسه علي تقديم استقالته قبل عدة أشهر من وفاته، يؤكد حقيقة أن ما ينبغي أن يسطر لـ«حرب» أنه أول من أسس مؤسسة مالية تعمل في مجال الاستثمار المباشر في التاريخ الاقتصادي الوطني وربما العالمي أيضا.
ففي خلال نحو 20 عاما قام «حرب» من خلال بنك مصر بتأسيس 20 شركة ـ حملت جميعها اسم مصر ـ تعمل في مجالات مختلفة، وإن كان ذهنه لم يفطن لمزايا أسلوب العمل الذي ينتهجه أساطين الاستثمار المباشر في العصر الحديث، بتجميع الاستثمارات المتشابهة في كيانات قابضة.
كان بإمكانه علي سبيل المثال أن يجمع شركات مصر للطباعة، ومصر لصناعة الورق في قابضة واحدة للطباعة والنشر، وكذلك أن يصنع ماردا في دنيا الغزل والنسيج، يضم شركات مصر لحليج الأقطان ومصر للغزل والنسيج ومصر لغزل الحرير ومصر للكتان، وفي مجال النقل والسفر بتجميع شركات مصر للسياحة ومصر للطيران ومصر للنقل والشحن …ولكنه لم يفعل!
إلا أنه حتي ولو فعل، فلم يكن بإمكانه أن يتفادي الأزمة التي واجهها فيما بعد، مع استبعاد نظرية المؤامرة من جانب الاحتلال الأجنبي وأتباعه،، أو مع وضع تأثيرها في حجمه الحقيقي.
فربما لو فعل لحسن ذلك من العوائد، أو ساعده علي جلب المزيد من الاستثمارات والاقتراض من خلال الشركات القابضة،، ولكنه لم يكن ليكفل له حل تناقضه الرئيسي، ويتمثل في تمويله استثمارات مباشرة طويلة الأجل ـ بدت حينها أنها أبدية بحكم النزعة الوطنية لم يرسم أي سيناريوهات للتخارج منها- من أموال مودعين ومدخرين، سرعان ما هرولوا لسحب أموالهم عند أول أزمة، حينها لم يجد طلعت حرب بحوذته سوي محفظة ضخمة من أسهم شركاته، سعي للبنك الأهلي ـ تحت السيطرة الأجنبية وقتها ـ للاقتراض بضمانها لتمويل أنشطته التجارية.ومع رفض الأخير لاقراضه، جاءت النهاية، عندما اشترط، عليه حسين سري باشا وزير المالية، تقديم استقالته لحل أزمة البنك.
واليوم.. وبعد نحو سبعين عاما، وعت البنوك التجارية المصرية العامة والخاصة الدرس، وبدأت في فصل استثماراتها المباشرة في شركات مستقلة، ولم يكن بنك مصر استثناء في هذا المجال، مع تأسيسه شركة مصر المالية للاستثمارات….إلا أن المفارقة تجسدت في إسناد الإدارة التنفيذية للشركة إلي «شريف سامي»، حفيد مؤسس البنك!علما بأن هذه ليست المرة الأولي التي تتولي فيها كوادر من نسله مناصب قيادية بالبنك وشركاته.
عائلة طلعت حرب
فطلعت حرب باشا أنجب أربع بنات هن علي الترتيب،، فاطمة وعائشة وخديجة وهدي،، التي أسند إلي زوجها محمد رشدي في الفترة من عام 58 إلي 69 رئاسة البنك،، كما أن نبيل ابراهيم زوج حفيدته قد شغل نفس المنصب في الثمانينيات قبل أن ينتقل لرئاسة البنك الأهلي. أما شريف سامي العضو المنتدب لشركة الاستثمار المباشر، فهو ابن «سمير سامي» ابن خديجة الابنة الثالثة في الترتيب لـ«طلعت حرب».
المهمة التي تواجه الحفيد تختلف تماما عما واجهه الجد، فشركة مصر المالية تأسست برأسمال مدفوع يبلغ 1.5 مليار جنيه، فيما قام البنك بنقل مساهماته في شركات تابعة، بإجمالي قيمة يبلغ نحو 12 مليار جنيه، وتم تمويل الفارق بين قيمة الأصول المشتراة ورأس المال المدفوع، بقرض مديونية طويل الأجل منحه البنك للشركة بنحو 10.5 مليار جنيه.
وقد سابقت إدارة البنك الزمن لإنجاز نقل الملكية السابق قبل نهاية السنة المالية في 30 يونيو الماضي للتوافق مع تعليمات البنك المركزي، التي تقضي بألا تزيد حصة البنوك علي %40 في الشركات غير العاملة بالمجالات المالية، وإلا كان واجبا عليها تجنيب مخصصات بقيمة هذه المساهمات، وبالتالي التآثير سلبا علي ربحيتها، مالم يتم الالتزام بالتعليمات.
وسيتعين علي «سامي» أن يبذل قصاري جهده خلال الفترة المقبلة، لتسديد مليارات المديونية، سواء من خلال تسييل جزء من المساهمات المنتقلة تحت إدارته، او عبر توزيعات الأرباح الدورية الناجمة عنها، وذلك في نفس الوقت الذي سيكون لزاما عليه تعظيم قيمة الأصول تحت إدارته، وهما مهمتان قد ينجم عن محاولة التوفيق بينهما بعض القيود علي حدود حركته في إدارة تلك الأصول.
ووفقا لما ذكره سامي نفسه لـ«المال» فإنه سيسعي في البداية للاستفادة من تشابه محفظة الاستثمارات مع محفظتي كل من البنك الأهلي وشركة مصر للتأمين، للقيام بتنسيق ثلاثي بين الأطراف الثلاثة، للضغط داخل مجالس الادارات والجمعيات العمومية للشركات المستثمر بها، في اتجاه اتخاذ قرارات مؤثرة تشكل قيما مضافة لأداء هذه الشركات.
وتشمل السيرة الذاتية لـ«شريف سامي» تخرجه عام 1986 كلية التجارة جامعة الاسكندرية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي، وحصوله علي دبلوم في الأعمال باللغة الفرنسية من غرفة صناعة وتجارة باريس، علاوة علي تلقيه عددا من البرامج التدريبية في التمويل والاستثمار والادارة للمديرين التنفيذيين من جامعات ومعاهد كبري مثل هارفارد و وارتون وكولومبيا وكاليفورنيا وغيرها.
وشغل إلي ما قبل تعيينه في منصبه الجديد، مقاعد رئاسة مجلس إدارة شركات استشارات الاستثمار والتطوير المؤسسي، ومصر لعلاقات المستثمرين،، وتكنولوجيا المعرفة، والعضو المنتدب لشركة فينريت للاستشارات، كما أنه عضوا بمجالس إدارات، كل من الهيئة العامة للاستثمار، وشركات، الصعيد البحر الأحمر للاستثمار والتنمية، والقاهرة للاستثمارات المالية، و لابوار للمنشآت السياحية، ودلتا القابضة للاستثمارات المالية، وكونسقرة للتوكيلات التجارية.