علينا من اليوم أن نبدأ فى تضميد جراحنا وإعادة الوحدة بين أبناء الشعب المصرى وتفتيت الخوف الذى نبع فى القلوب بين المصرى والمصرى، بين الإخوانى وغير الاخوانى، بين المواطن العادى والإسلامى، بين القبطى والملتحى، بين الشيعى والسنى؛ على الحكومة الحالية من خلال الجمعيات الأهلية والإعلام والتعليم وضع خطة منهجية تستهدف اعادة الروابط بين ابناء الشعب المصرى الواحد الذى ظل موحدا طوال آلاف السنين . لان اهم شئ اليوم هو الحفاظ على كيان الأمة المصرية .
ومن اجل تحقيق هذا الهدف الاساسى اليوم، علينا أن نعيد أولاً السلام النفسى الداخلى الى الشعب المصرى، وذلك سيحدث عندما نستطيع ان نفهم ما حدث فى يوم 14 اغسطس من عام 2013 ، والذى يعد اليوم الذى شهد اكبر وقوع عدد من القتلى فى تاريخنا المعاصر فى يوم واحد؟ ولماذا حدث ما حدث؟ وهل كان هناك طريق آخر بديل لعودة الحياة الطبيعية الى البلاد؟ وحتى نستطيع ان نقيم هذا اليوم الفاصل من تاريخنا، علينا بزيارة للتاريخ القريب واعادة رؤيته مرة اخرى، ونبحث فيه عن الثغرات التى اوصلتنا الى هذا اليوم، وان كان ممكنا تفادى كل هذا الدم بطريق آخر .
والزيارة لتاريخنا قد تبدأ منذ تكوين الجماعة التى تطلق على نفسها الاخوان المسلمين، ونضع أمام أعيننا كل انشطتها الدامية ضد المواطنين سواء المصريون او غيرهم وحتى عام 1997 عندما نبذوا العنف . ثم عادوا اليه بعد ذلك كما نراه اليوم . او ان نبدأ منذ ان اخرجهم المجلس العسكرى فى اعقاب ثورة يناير 2011 من السجون وسمح لمن هم فى الخارج وعلى قوائم الحظر العودة الى البلاد . ثم شهدنا انتشارهم بين الشعب مع مسيرتنا نحو ارساء نظام ديمقراطى فى مصر، والتوجه الى وضع دستور للبلاد ثم انتخابات تشريعية ثم رئاسية وقدرتهم على الحشد والاقناع تحت مبرر دينى بحت . ولكن الوضع تغير عندما تقرر اجراء الانتخابات اولا، وقبل وضع دستور يحدد شكل الدولة الجديدة، واجبرنا على السير فى طريق لم يكن هو الطريق الذى طالبت به النخبة والثوار .
وان كانت زيارتنا للتاريخ تبدأ مع فوز اغلبية اسلامية من الاخوان والسلفيين فى مجلس الشعب، فان علينا ان نحدد ان كان الاخوان قد جنحوا الى السلم حقيقة كما اعلنوا فى عام 1997 ، ام انهم بيتوا النية لاعلان الحرب فى حال عدم فوزهم فى الانتخابات التشريعية والرئاسية؟
لقد اثبتت الاحداث التى عشناها طوال أكثر من عام بالكامل، بدأت مع الانتخابات التشريعية ثم استمرت مع الانتخابات الرئاسية، حيث كانت كل القرارات تتجه نحو تغيير الهوية المصرية سياسيا وثقافيا وجغرافيا وتاريخيا . وكانت البداية مع قرارات أخونة كل أواصر الدولة من الوزارات الى المحافظات، من اجل سيطرة يد الاخوان على الدولة التى تسمى بالعميقة؛ ثم اتجه العمل على تغيير عقلية المصرى من البداية اى من المدرسة عن طريق تغيير المناهج الدراسية وتأكيد توجهها الاخوانى؛ ثم امتدت جهود التشويه الى الثقافة من خلال تعيين وزير رأى فى فن الباليه تحريضا على الفحشاء، مما يمهد لما هو متوقع منه لالغاء – فيما بعد – كل ما هو ثقافى من غناء وموسيقى ومسرح .
ثم اتجه العمل الى كسر كرامة وروح المثقفين والاعلاميين من خلال استدعائهم كل حين وحين للتحقيق معهم فى اتهامات بمناهضة الاسلام فيما كتبوا أو ما صرحوا به او ما ينوون العمل به واتهامهم بالكفر والزندقة .
وتستمر محاولات طمس الهوية المصرية من خلال تشويه التاريخ المصرى القديم والعمل على تدمير المعابد والتماثيل على أساس انها جزء من تاريخ وصفوه بالكفر والوثنية وعبادة الاصنام؛ واختزال كل تاريخ مصر فى الثمانين عامًا الاخيرة منذ تشكيل جماعة الاخوان؛ ففى رأيهم الجماعة هى الاساس، وكل ما عداها لا يعتد به ولا يعتمد عليه؛ فقاموا بعملية اقصاء كل من ليس إخوانيًا، ليس فقط سياسيا ومعنويا ولكن ايضا فى معظم الاحيان، جسديا ايضا . فبدأوا بالمسيحيين وبمحاولات ترويعهم فى العديد من المدن والقرى من اجل حثهم على الرحيل؛ ثم قيام الاخوان بترويع وقتل الشيعة مع سبق الاصرار والترصد لا لسبب الا لانهم شيعة . فقد اصبح واضحا ان الجماعة لن تقبل بغير الاخوان فى مصر .
وامتدت عملية الاقصاء الى المرأة؛ فاصبح واضحًا ان هناك سياسة منهجية تستهدف اقصاء المرأة من كل المناصب السيادية فى مختلف القطاعات، ولقد بدأ الامر باقصاء المستشارة تهانى الجبالى من منصبها فى المحكمة الدستورية، الذى كان بمثابة صدمة اولى، ثم تلاها مؤخرا اقصاء مديرة دار الاوبرا المصرية من منصبها لمجرد انها امرأة، ففى رأيهم، وكما قال عبد المنعم ابو الفتوح مرشح الرئاسة السابق “لا ولاية لامرأة “. ومن أجل حث المرأة على التزام المنزل تزايدت نسبة التحرش الجنسى فى الشارع، الى حد أنه اصبح يتم بشكل منهجى كأنه خطة مسبقة .
ثم ارتكب الرئيس الاخوانى الخطيئة الكبرى، وهى محاولته تغيير الحدود المصرية وتهديد وحدة الاراضى من خلال قرارات خطيرة مثل تكوين ما سماه الرئيس المعزول “اقليم قناة السويس ” الذى يتمتع بالسيادة خارج القانون المصرى، مما ينبئ باحتمالات عزل سيناء عن مصر كخطوة أولى يتم بعدها اعتبارها منطقة غير مصرية؛ كما حدث ان ظهرت محاولات من الرئيس تنبئ بالتخلى عن مناطق مصرية هى حلايب وشلاتين للسودان .
لقد ارتكب محمد مرسى والقيادة الاخوانية التى خلفه العديد من الخطايا فى حق مصر والمصريين، وكان التهديد بالعنف من اهم نقاط الخطاب الاخوانى . فلم يترددوا فى التهديد بحرق البلاد ان لم يبق مرسى رئيسا، واكدوا مرارا ان الارهاب فى سيناء سيتوقف فى الحال ان عاد مرسى رئيسا . وقاموا بتغيير كل الخطاب والتاريخ حسب رؤيتهم ليظهروا انهم هم اصحاب ثورة يناير 2011 وان ما حدث هو انقلاب على الثورة . وكأن ذاكرة الشعب باتت قصيرة الى حد انها تناست مواقفهم المعارضة للثورة فى الايام الاولى ودعوتهم الى عدم الخروج على الحاكم، الى ان اظهرت الثورة للعالم قوتها، فقاموا باجراء تغيير جوهرى فى موقفهم هذا، ونسبوا الثورة لهم .
هل كان هناك، فى اى مرحلة من مراحل حكم الاخوان، ضوء ايجابى؟ ليست هناك اى نقطة ايجابية يمكن ان تكون لمصلحة مصر كدولة وشعب وتاريخ وجغرافيا .
وهل هناك فى اى مرحلة من مراحل الاعتصام، فرصة للتوصل الى حل سياسى او سلمى لفض الاعتصام؟ هل كان من الممكن اجراء انتخابات تشريعية مبكرة حتى نحتكم الى الانتخابات والصندوق؟ نعم كان من الممكن المطالبة باجراء انتخابات تشريعية مبكرة وعدم الانتظار الى الخريف، لان كل يوم تحت على حكم الاخوان كان يقتص من سيادة مصر ومن وحدتها وهويتها .
واليوم هل هناك وسيلة للخروج من الدائرة الجهنمية التى وصلنا اليها دون خسائر اضافية؟ إن المخرج الوحيد ان تمضى الحكومة الحالية فى وضع الدستور الدائم للبلاد والإعداد لانتخابات تشريعية ثم رئاسية خلال الفترة التى حددتها خارطة الطريق التى وضعتها الحكومة الحالية، حتى يمكننا العودة الى الطريق الديمقراطى السليم مرة اخرى وبأسرع وقت . فى تلك الحالة فقط يمكن ان نضمد الجراح ونعيد الوحدة الوطنية التى فقدناها فى الطريق خلال العامين الماضيين .