تلعب وزارة التضامن الاجتماعى دورًا رئيسيًا فى لجنة العدالة الاجتماعية التى شكلها مجلس الوزراء بعد توليه المسئولية مباشرة عقب الإطاحة بنظام الرئيس المعزول محمد مرسى، وخلال سنوات قريبة كانت الوزارة تضم كذلك «التموين والتجارة الداخلية» قبل أن تنفصل الأخيرة فى وزارة مستقلة خلال حكومة الدكتور كمال الجنزورى اواخر عام 2011. «المال» حاورت الدكتور أحمد البرعى وزير التضامن الاجتماعى الذى شغل عدة مناصب سياسية وأكاديمية، منها نائب رئيس حزب الدستور، والأمين العام لجبهة الإنقاذ الوطنى التى تشكلت لمعارضة نظام الرئيس المعزول، وتولى البرعى مناصب غير حكومية عديدة مثل رئاسته للجنة الصياغة التى شاركت فى إعداد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، والذى كشف عن العديد من الأمور خلال هذا الحوار…
«المال»: نبدأ من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 135 لسنة 2010 الذى صدر قرار جمهورى بإلغائه، الأطراف التى شاركت فى إعداد هذا القانون ما زالت تدافع عنه، وترى أنه حتمى لاستحالة استمرارية النظام الحالى للتأمينات، لماذا قررت الحكومة الانتقالية صرف النظر تماما عن هذا القانون؟
إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 135 لسنة 2010
وزير التضامن الاجتماعى: القانون لم يطبق رغم اعداده فى ظل نظام مبارك، وعندما قامت ثورة 25 يناير ظل مؤجلا حتى بداية العام الحالى، وكان من المفترض أن يبدأ تطبيقه منذ يوليو الماضى، لكننا طلبنا من رئاسة الجمهورية إصدار قرار بإلغائه تماما وهو ما حدث، والمدافعون عن هذا القانون يرونه على أساس اكتوارى مالى بحت، بينما الرافضون يرون ان القانون يخلو من فكرة الضمان الاجتماعى، كما أن شركات التأمين قالت إن القانون لا يخدم مصالحها لانه سيقلص من فرصها فى ترويج تغطياتها خاصة انه كان يؤمن على اجمالى الاجر، وبالتالى لن تكون هناك اى فوائض لدى الشريحة التى يشملها القانون – وهى الاكبر على مستوى الجمهورية – تسمح لهم بشراء تغطيات تأمينية من شركات التأمين.
هناك واقعة حدثت قريبا، عندما كنت فى اجتماع حضره رئيس قسم الضمان الاجتماعى فى البنك الدولى، وحينما عرف أننى أصبحت وزيرا للتضامن الاجتماعى، قال لى إنه حزين على مجهود 3 سنوات لإعداد القانون رقم 135 للتأمينات الاجتماعية لانه كان يعلم مدى رفضى له.
«المال»: الدكتور محمد معيط، نائب رئيس هيئة الرقابة المالية، وهشام توفيق، الخبير الاقتصادى يقولان إنهما شاركا فى إعداده فما ردك؟
وزير التضامن الاجتماعى: أنا أقول كلامًا مسئولاً عنه، لم يشترك فى إعداد هذا القانون أى مسئول مصرى والبنك الدولى هو من أعده لوزير المالية يوسف بطرس غالى قبل سقوط مبارك بسنوات قليلة، أعرف كل من ساهم فى قضية التأمينات الاجتماعية، الدكتور محمد معيط نائب رئيس هيئة الرقابة المالية الحالى ومساعد وزير المالية السابق شارك هو وعدد من قيادات وزارة المالية ولم يؤخذ رأى هيئة التأمينات الاجتماعية على الإطلاق، وزارة المالية هى التى كانت تتصرف فى تلك المسألة.
قانون التأمينات الحالى يضمن معاشًا بنسبة 80% فى حالة العجز أو الوفاة
الحساب الشخصى فى هذا القانون له مساوئه، قانون التأمينات الحالى يضمن معاشًا بنسبة 80% فى حالة العجز أو الوفاة، بينما فكرة القانون 135 قائمة على اساس الحساب على قدر فترة العمل، وبالتالى فهو يدمر مفهوم التضامن الاجتماعى القائم على أساس مساهمة أصحاب الدخول المرتفعة فى معاشات ذوى الدخل المنخفض.
«المال»: وما أبرز ملامح مشروع قانون التأمينات والمعاشات الجديد الذى تعكف الوزارة على اعداده؟
وزير التضامن الاجتماعى: حكومة هشام قنديل فى نظام الرئيس المعزول كانت قد قامت باعداد قانون جديد للتأمينات والمعاشات وذلك بتطعيم القانون الحالى رقم 79 لسنة 1975 بعدد من مواد القانون الملغى بقرار جمهورى رقم 135 لسنة 2010، ولكن نحن نجرى الآن عددا من التعديلات على قانون التأمينات والمعاشات المطبق حاليا رقم 79 لسنة 1975 وهى تعديلات تختلف كلية عن تلك التى اجرتها حكومة قنديل، وهناك لجنة من الخبراء قائمة على إعداد تلك التعديلات.
«المال»: ما هى ملامح تلك التعديلات وهدفها ومتى سيتم الانتهاء منها؟
وزير التضامن الاجتماعى: أعتقد أنه لابد من خفض اشتراكات التأمينات، حتى نتمكن من رفع قيمة الدخول المؤمن عليها، النظام الحالى يعتمد على التأمين على الأجر الأساسى، وعلى جزء منخفض من الاجر المتغير، مما ادى الى الخلل الحادث فى هيكل الاجور عموما، وبالتالى فإن إصلاح نظام التأمينات مرتبط بشكل أساسى بإصلاح هيكل الاجور، فلابد أن يكون هناك تصنيف مهنى يحدد أجر كل وظيفة، ما ينبغى التأمين عليه هو الاجر المتغير الذى يمثل الجانب الاكبر من دخول المشتركين فى التأمينات الاجتماعية.
أصدرت قرارا وزاريا برفع نسبة التأمين على الأجر المتغير إلى 15% بدلا من 10%، ولو توجد إمكانية رفع تلك النسبة إلى 50% لفعلت، التأمين على الأجر الأساسى لا أهمية له، هناك دراسة اطلعت عليها تؤكد أهمية تخفيض قيمة المبلغ المؤمن عليه وكيف يمكن رفع قيمة دخل التأمينات من تخفيض قيمة الاشتراك.
هناك دراسة تتحدث عن كيفية معالجة البطالة وإصلاح نظام التأمينات الحالى
والدراسة تتحدث عن كيفية معالجة البطالة وإصلاح نظام التأمينات الحالى عبر خفض قيمة الاشتراكات، وكيف أن هذا الخفض سيشجع أصحاب الأعمال للتأمين على العمالة لديهم، وهناك اقتراح بأن يتم وضع حد أدنى للمعاش المؤمن عليه، ونحن اقترحنا أن يكون فى حدود 500 جنيه فى الوقت الحالى، اللجنة التى تنظر فى تعديلات القانون الحالى رقم 79 طلبت مد فترة عملها حتى نهاية ديسمبر المقبل، وتقوم بعقد اجتماع أسبوعي.
«المال»: بالنسبة لقضية أموال التأمينات التى ذهبت إلى وزارة المالية فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، ماذا عن هذا الملف ومتى سيتم حسمه؟
وزير التضامن الاجتماعى: هناك قضية قديمة تطالب ببطلان ضم وزارة المالية لأموال التأمينات، ونظرتها المحكمة الإدارية العليا ثم أحالتها إلى المحكمة الدستورية للنظر فيها، نعكف حاليا على تحديد المديونية المستحقة لنا لدى وزارة المالية، وشكلت لجنة من أجل هذا الغرض، حيث إن هذا الملف شائك نظرا لاختلاف حساب الفائدة المستحقة على أموال التأمينات التى حصلت عليها وزارة المالية عن طريق بنك الاستثمار القومي.
كما أن بنك الاستثمار القومى منح قروضا من أموال التأمينات لصالح الهيئات الاقتصادية الحكومية، أموال التأمينات لدى البنك عبارة عن ودائع بفائدة، الحكومة الآن مديونة لصالح بنك الاستثمار القومى، ما يعنى أن الحكومة مدينة لنا بشكل غير مباشر ولحل هذا الإشكال كانت اللجنة التى شكلتها من الأطراف الثلاثة، وزارة المالية وبنك الاستثمار القومى إلى جانب وزارة التضامن الاجتماعى، ويرأسها إكتواريون من وزارة التضامن الاجتماعى وخبراء بحوث لحصر المديونية، ومن المنتظر انتهاء عملها فى غضون شهرين.
«المال»: هل مازالت تلك المديونية المستحقة على وزارة المالية غير مدرجة ضمن الدين العام الحكومي؟
وزير التضامن الاجتماعى: وزارة المالية حين ضمت أموال التأمينات اعتبارا من عام 2006 توقف حساب فائدة على تلك الأموال، كما توقف تقرير الإنجاز السنوى لهيئة التأمينات، وكان القصد من ذلك هو عدم بيان الأرقام الحقيقية لأموال التأمينات، ولكن الأرقام مسجلة بدقة لدى صندوقى التأمينات والمعاشات بالوزارة.
تعويم الجنيه كان ضمن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين لمساعدة الاقتصاد المصرى
وكان تعويم الجنيه ضمن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين لمساعدة الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى ترك السوق للعرض والطلب، وخفض الدين الداخلى، ومديونيات التأمينات الاجتماعية كانت هى أكبر دين على الحكومة فى ذلك الوقت تليها مستحقات الهيئة القومية للبريد.
المديونية الآن فى عنق الحكومة، وقد لا نوافق على الفوائد التى اتفقت عليها الهيئات الحكومية المقترضة من بنك الاستثمار، ربما تتعارض قيمة تلك الفوائد مع ما نطلبه، الأمر الآخر هو أن وزارة المالية ملزمة بسداد فائدة نسبتها 1% إضافة إلى أموال التأمينات حسب نص القانون، ومنذ نحو 16 عامًا تحسب وزارة المالية تلك الفائدة دفتريا فقط دون سدادها فعليا، هذا أيضا دين آخر فى عنق الحكومة لن نتركه.
«المال»: وماذا عن آخر حصر بحجم المديونية التى تطالبون الحكومة بسدادها لصالح التأمينات الاجتماعية؟
وزير التضامن الاجتماعى: لا يوجد أى حصر لتلك المديونية، وحكومة مبارك الاخيرة كانت حريصة على عدم وجود رقم محدد لها، ولكن هناك اجتهادات سابقة قبل نحو 5 سنوات تشير إلى أن “المالية” حصلت على أموال فى حدود 326 مليار جنيه، السؤال الآن، كم سيكون هذا الرقم بعد إعادة حساب المديونية بالفوائد المستحقة؟، تلك المديونية تختلف عما تم توريقه قبل نحو عامين، هناك صك بقيمة 41 مليار جنيه يسدد على 10 سنوات بعيد عن أصل المديونية، هذا الصك تم الاتفاق على إصداره قبل نحو سنتين بين «المالية» ووزارة التأمينات لسداد الاعباء المستحقة على الخزانة العامة للدولة لصالح التأمينات الاجتماعية عن سنوات سابقة، وزارة المالية حولت مؤخرا 10 مليارات جنيه، وهذا الاتفاق شفوى وغير مكتوب ولا يمثل إلزاما بالسداد على وزارة المالية.
«المال»: وما البدائل التى طرحتها وزارة المالية لسداد المديونية الحالية؟
وزير التضامن الاجتماعى: كان الطرح القديم هو استبدال المديونية بأصول مملوكة للجهات الحكومية المدينة لبنك الاستثمار القومى مثل الهيئة القومية لسكك حديد مصر وبعض شركات قطاع الأعمال العام، ولكنى أرفض هذا الطرح، ولن يتم نقل أى أصول حكومية خاسرة لصالح التأمينات فى مقابل الأموال التى اقترضتها وزارة المالية.
الفائدة المفروضة على أموال التأمينات لدى «المالية» كانت تتراوح بين 8 و8.5 %
الفائدة المفروضة على أموال التأمينات لدى «المالية» كانت تتراوح بين 8 و8.5 % منذ أن توقفت وزارة المالية عن سداد مستحقات التأمينات، ونحن طلبنا احتساب الفائدة على اساس 9%، ومن المنتظر عقد اجتماع ثلاثى بين وزارات «المالية» و«التخطيط» و«التضامن»، بهدف تحديد طرق السداد والبدائل المتاحة أمام الحكومة.
«المال»: بمجرد توليك الوزارة قمت بإعادة تشكيل مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية وقلت إنك تخطط لإدارتها بشكل اقتصادى، ماذا عن تلك الخطط؟
وزير التضامن الاجتماعى: شكلت لجنة للاستثمار تضم مجموعة من خبراء ومديرى صناديق الاستثمار، ضمت شخصيات متميزة مثل كريم هلال رئيس مجلس إدارة شركة أبوظبى للاستثمارات، وطارق عامر، الرئيس السابق للبنك الأهلى، وأحمد النجار الخبير الاقتصادى، وهؤلاء ستكون لهم امكانيات محدودة فى التصرف نظرا لمحدودية حجم الأموال المتاحة لدى صندوقى التأمينات الرئيسيين حاليا بسبب تأخر رد الأموال من وزارة المالية.
أود أن أشير هنا إلى ان هؤلاء الخبراء سيكون لهم رأى فى عملية تقييم واسترداد أموال التأمينات الاجتماعية من وزارة المالية، كما ستكون لهم الكلمة فى تحديد شكل وطبيعة الأصول الحكومية التى يمكن أن يتم استبدالها بجانب من المديونيات المستحقة على «المالية» إذا ما تم الاتفاق على ذلك.
أما بالنسبة لإعادة تشكيل هيئة التأمينات الاجتماعية فحرصت على أن تكون من 4 ممثلين عن العمال و4 ممثلين عن أصحاب العمل حتى يكون معبرا عن مصالح الجميع على أن يكون قرار الوزير مجرد تصديق على ما يتوصل إليه مجلس إدارة الهيئة، وبصدد تقديم اقتراح لمجلس الإدارة الجديد يضم 2 من المتخصصين فى مجال الاستثمار وإدارة الاموال.
يجب استثمار أموال التأمينات فى قنوات آمنة ومتعددة الآجل
وبشكل عام يجب استثمار أموال التأمينات فى قنوات آمنة ومتعددة الآجل، لان لدينا تجربة قاسية خاصة باستثمار أموال التأمينات فى البورصة، وما تسبب فى خسارة جزء كبير منها.
«المال»: لماذا لا تتم دراسة التأمين على العاملين بالقطاعين العام والحكومى لدى شركات التأمين الخاصة بدلا من نظام التأمينات والمعاشات لان اتخاذ تلك الخطوة من شأنه محاصرة المشكلات التى تواجه الحكومة منذ عقود، بالاضافة الى ان ذلك قد يكون نواة لتشجيع جذب الاستثمارات فى قطاع التأمين مقابل حصول الحكومة على عمولة او نسبة من الارباح التى ستحققها شركات التأمين دون تحمل أى تكاليف؟
وزير التضامن الاجتماعى: هناك فرق كبير بين التأمين الخاص والعام، الأول يهدف إلى الربح، والثانى قائم على التضامن، التأمين الاجتماعى إجبارى، والتأمين الخاص اختيارى، الأمر الثالث – وهو الأهم – أن التأمين الخاص يقوم بالتأمين على معدل تحقق الخطر، بينما يقوم التأمين الاجتماعى على معدل الدخل، فهناك فرق شاسع بين فلسفة النظامين وهو ما يصعب معه اسناد التغطية أو التأمينات الاجتماعية لشركات التأمين.