تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبى (وهو مجلس رؤساء الدول أعضاء الاتحاد الأوروبى)، وأورسولا فان در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، يريدان أن تتحول أوروبا من payer إلى player، والمقصود هنا أن تتحول أوروبا من لاعب اقتصادى هام قوته فى قدرته المالية، وفى تمويله لمبادرات وأدوار مختلفة.. إلى قوة مؤثرة فى القضايا التى تهم أوروبا. حيث إن أوروبا ترى لنفسها مصالح فى كل العالم، فالهدف هنا أن تكون لاعباً مؤثراً فى مناطق عديدة فى العالم، لكن ذلك الطموح يصطدم بأربع عقبات.
واحد.. ليس هناك اتفاق حول أهداف أوروبا فى العديد من أنحاء العالم. توجد أمثلة عديدة لذلك، لعل أبرزها الآن: ليبيا. هناك اختلاف فى الرؤى وأيضا فى المصالح بين فرنسا وإيطاليا، وقد وصل الإختلاف فى بعض الأحيان إلى درجة المواجهة. وكان الحاصل من ذلك الاختلاف أنه لم تكن هناك سياسة أوروبية واحدة، بل سياسات متعارضة حول ليبيا. ونتيجة لذلك أصبح عمل الهيئات الأوروبية المختلفة فى ذلك الملف تكتيكيًا بالدرجة الأولى، بالرغم من أهمية ليبيا الاستراتيجية لأوروبا.
الاختلافات الأوروبية ظاهرة فى ملفات أخرى، بعضها شديد الأهمية .. مثل العلاقة مع روسيا. فى هذا الموضوع، درجة الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبى كبيرة، ليس فقط من زاوية المصالح أو حتى تصور العلاقة المستقبلية مع روسيا، بل أيضا فى تصور هل هناك نقاط لقاء فكرى وثقافى بين أوروبا وروسيا أم هناك تعارض كلى فى مفهوم القيم.
العقبة الثانية تتعلق بالإمكانات. أوروبا قارة ثرية للغاية ولديها موارد اقتصادية مهولة. لكنها أيضا مثقلة بأعباء اقتصادية كبيرة. هناك المشاكل المزمنة فى إقتصاديات دول الجنوب، خاصة الجنوب الشرقي، وهذه مشاكل تعرف دول الشمال الأوروبى أنها وإن خفت الآن فإنها لم تُحل. بل إن هناك فى شمال أوروبا من يتصور أن هذه المشاكل غير قابلة للحل. ولذلك، فإن جزءاً غير قليل من الموارد الأوروبية مُخصص – ولو فى عقول مجموعات من أصحاب القرار فى الدول المؤثرة فى القارة – لمشاكل أوروبية، يرونها فى الأفق، وبعض هذه المشاكل قد يكون أعمق مما مرت به أوروبا بعد الانهيار المالى فى 2008. وفى تلك الصورة يصعُب القول أن موارد أوروبا الاقتصادية قابلة للاستخدام بدرجة كبرى خارج القارة.
العقبة الثالثة متصلة بالثانية.. وهى أنه اذا كانت موارد أوروبا الاقتصادية إلى حد بعيد سيستمر توجيهها إلى داخل القارة، فإن أوروبا لا تملك أدوات كثيرة أخرى للتأثير فى العالم. الأداة الأهم – القوة المسلحة – محصورة بشكل رئيسى فى بريطانيا وفرنسا، وليس فى أيٍ من هيئات أو مؤسسات الاتحاد الأوروبى. وبالطبع فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى يأخذ جزءاً كبيراً من هذه القوة. كما أن الاثنين، بريطانيا وفرنسا، ومع كل التقدم التكنولوجي، ليسا فى مصاف الدول القادرة على استخدام القوة العسكرية فى مسارح عمليات كبيرة ومعقدة ولمدد طويلة. والحاصل من ذلك كله، فإن أوروبا ليست قادرة على أى تتحول فى المستقبل المنظور إلى قوة عسكرية ذات وزن دولى.
و هنا، لعله مهم إضافة نقطتين. الأولى، أنه اذا لم يكن هناك اتفاق واضح فى أوروبا حول الأهداف السياسية فى موضوعات مهمة، فمن الصعب جدا تصور احتمالية استخدام قوة عسكرية مشتركة، حتى إذا وُجِدت مثل تلك القوة الضاربة. النقطة الثانية هى أن تجربة أوروبا فى العقود الطويلة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالذات منذ توسع مشروع الاتحاد الأوروبي، قائمة ليس فقط على فكرة السلام، بل أيضا على فكرة الرخاء داخل أوروبا. وقد تحقق الرخاء إلى درجات أخذ معها عدد كبير من المجتمعات الأوروبية إلى درجات عالية جدا من الرفاهية. ومثل تلك التجربة، وذلك النجاح، يجعلان فكرة الحرب فى حد ذاتها فى العقل الأوروبي، شرا يجب تفاديه بكل السبل … على عكس المجتمع الأمريكي، حيث فكرة الحرب تكاد تكون حاضرة دائماً.
العقبة الأخيرة متصلة بعمل الهيئات الأوروبية، وأهمها تلك التى يرأسها تشارلز ميشيل وأورسولا فان در لاين. ذلك أن الهيئات الأوروبية أصبحت مع تطور الاتحاد مؤسسات كبرى، ليست فقط بيروقراطية، بل ذات مصالح وعلاقات، بالذات داخل دول الاتحاد. تلك التشابكات تجعل من الاتحاد الأوروبى صورة شيقة لأى مهتم بالسياسية. لكنها أيضاً تُعقِد العمل الأوروبى داخل القارة، ما بالك بخارجها.
* كاتب مصرى مقيم فى لندن