في وقت الأزمات أكثر من أي وقت آخر «يفتش» رجال الأعمال عما يعتبرونه استثماراً «آمن».. حيث يبادر الكثيرون منهم إلي ملء محافظهم الاستثمارية باسهم البنوك إن لم يكونوا في الأصل من مؤسسيها. ويكون الاستحواذ علي نسبة كبيرة من هذه الأسهم لدي البعض منهم وسيلة لاقتناص مقعد في مجلس الإدارة الذي يمهد إلي نفوذ واسع في تحديد حركة وسياسات منح الائتمان داخل البنك.. لينعم هذا العضو أو عائلته بالاستفادة من موجودات البنك دون مساس بأصل القاعدة الرأسمالية للمساهمة.. لهذا يصبح هذا النوع من الاستثمار آمناً! ولعل هذا ما دفع التشريع الجديد للبنوك إلي تنظيم عملية ملكية الاسهم داخل السوق المصرفية واشتراط ابلاغ البنك المركزي بأي تغيير يطرأ علي هيكل المساهمات وموافقته المسبقة علي ذلك بالرغم من أنه ومع قاعدة المساهمة إلي %10 للمساهم الفرد بعد أن كانت %5 فقط.. ما يرفع بدوره من حجم المساهمات العائلية .
وبالقاء نظرة متأنية علي خريطة المساهمة في البنوك الاستثمارية نجد أن أعلي نسبة مساهمة في بنك تمتلكها عائلة محمد محمود حيث تمتلك نسبة %24.2 من اسهم البنك المصري الخليجي حيث تولي صلاح الدين محمد محمود كبير العائلة رئاسة مجلس إدارة البنك حتي وفاته منذ سنوات قليلة وقد تساوت معه في النسبة شركة مصر للتأمين تليها المجموعة الاستثمارية العقارية الكويتية «شركة حكومية استثمارية كويتية» بنسبة %13.8 والشيخ عبد الرحمن الشربتلي «سعودي» بنسبة %5 والشيخ عبد الله بخش «سعودي» بنسبة %4.5 والشيخ علي العزبي الصباح «كويتي» بنسبة %3 وشركة براري الكويت للاستثمار بنسبة %3.5 وشركة جواد وحيدر أبو الحسن «كويتية» بنسبة %1 أما أكبر مساهمة عربية في بنك مصر «%45» فيمتلكها الشيخ صالح كامل في بنك التمويل المصري السعودي والذي يرأس مجلس ادارته ويشاركه بنك القاهرة بنسبة %6.93 وشركة مصر للتأمين %4.84 و،شركة الشرق للتأمين بنسبة %8.21 والبنك الأهلي المصري وبنك اسكندرية واحدي الشركات العربية للاستثمار السياحي والعقاري ومجموعة أشخاص وشركات مصرية بنسبة %15. ويفضل أغلب رجال الأعمال المساهمة في بنك أو أكثر بنسب لا تتعدي %5 وقد تصل إلي %10 مثلما يفعل د. عبد المنعم سعودي رئيس اتحاد الصناعات والذي يساهم بنسبة %4 من رأس مال البنك المصري التجاري «بنك اسكندرية الكويت الدولي سابقا» فضلا عن مساهمته في البنك الوطني المصري بحوالي %10 اضافة لعضويته في مجلس ادارة البنك الأخير كما يساهم محمد فريد خميس في رأس مال البنك المصري التجاري بنسبة %4 .
ومن رجال الأعمال من يفضلون المساهمة في البنوك بأسماء شركاتهم رغبة منهم في الابتعاد عن الأضواء مثل مساهمة ثلاث شركات بنسبة مرتفعة في رأس مال البنك المصري التجاري مكتفين بممثلين لهم في مجلس الإدارة كالشركة المصرية للمشروعات الاستثمارية التي تساهم بنسبة %10 والشركة المصرية للتنمية والتجارة الدولية بنسبة %20 والشركة العربية الدولية للاستثمارات بنسبة %20 أما البنك الوطني المصري والذي يرأس مجلس ادارته عادل عزي فيضم بين مساهميه بعض رجال الأعمال والشخصيات العامة اضافة إلي د. سعودي هم صفوان ثابت رجل الأعمال بمدينة السادس من أكتوبر ود. يحيي الجمل وفهد الشبكشي «رجل أعمال سعودي» وحمدي فرج ويختلف بنك الدلتا عن البنك السابق والذي يرأس مجلس ادارته علي نجم وزير المالية الأسبق حيث يساهم في رأس ماله بنك الاسكندرية وشركة الشرق للتأمين وبنك أعمال أوريكس المحدود وشركة بركة للتجارة والاستثمار ويمثلها السيد الجوهري وبعد الاله صالح الكعكي «مساهم سعودي» أما رجال الأعمال إبراهيم كامل وسعيد الطويل رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين وكامل توفيق دياب ومختار عباس عوف فقد فضلوا المساهمة في البنك المصري البريطاني والذي رأس مجلس ادارته إبراهيم كامل رغم انخفاض مساهمته إلي %10 لكنه باع تلك النسبة مع مساهمين مصريين آخرين للجانب البريطاني المساهم وهي مجموعة H.S.B.C والتي غيرت اسم البنك إلي اسمها .
ويصف مصطفي كامل رجل الأعمال وعضو مجلس ادارة البنك الوطني المصري الاستثمار في البنوك بأنه استثمار آمن وذلك لوجود ادارة سليمة تقوم بدراسات متأنية للعملاء بحيث لا تتعدي نسبة الاخطاء 2 في الألف ويضيف «من الناحية الاستثمارية فالمساهمة في البنوك أفضل استثمار فالبنك مستفيد سواء من المودعين أو المقترضين بعكس أي مشروع تجاري أو صناعي أو زراعي فهي مشروعات معرضة للخسارة بصورة أكبر من تعرضها للمكسب، واعتقد بأن تولي رجال الأعمال رئاسة أو عضوية مجالس ادارات بنوك يدعو إلي الاطمئنان إليها بصورة أكبر لانه في هذه الحالة سوف يدرس أي طلبات ائتمان مقدمة للبنك دراسة متأنية وعملية وبحرص شديد جدا لأنه يقوم باقراض ماله .
ورغم تشجيع مصطفي كامل لإيداع الأموال في البنوك الاستثمارية إلا أنه يتحفظ بشأن مستقبل الاستثمار في اسهم تلك البنوك بقوله «لقد اثرت حالة الركود التي تلازمنا منذ ثلاث سنوات بالاضافة لتحويل العملاء المتعثرين إلي النيابة وهو الاجراء الذي أثر بالسلب علي ادارات البنوك في منح ائتمان لتعويم عملائها لاعادة تشغيل مشروعاتهم وقد بدأت البنوك في تكوين مخصصات كبيرة لحماية أموال المساهمين والمودعين ويتردد في منح الائتمان وبذلك أصبح العائد ضعيفاً علي اسهم البنوك ولم يعد تعظيم العائد الآن هو هدف الادارة بل تعظيم المخصصات كل عام وحماية حقوق المودعين أولا ثم المساهمين وتلك من ضمن التعليمات التي أصدرها البنك المركزي بشأن رفض صرف أي أرباح في حالة عدم كفاية المخصصات وهناك بنوك لم تصرف أرباحاً منذ عامين ولو استمر الوضع كما هو فسيكون التعامل علي اسهم البنوك محفوفة بالمخاطر فقد بدأ الكثير من رجال الأعمال يحجمون عن شراء تلك الاسهم ويفكرون جديا في بيع الاسهم المحتفظين بها لبنوك استثمارية عندما يرتفع ثمنها قليلا والكثيرون منهم يندمون لعدم بيعهم الاسهم عندما ارتفعت اسعارها في فترة ازدهار السوق منذ عدة سنوات سابقة .
ويلقي مصطفي كامل الضوء علي نقطة هامة يستعملها رجال الأعمال للاستفادة من مساهمتهم في البنوك وهي رهن تلك الاسهم في بنوك اخري والاقتراض بضمانها وبذلك لا يستطيع الكثيرون منهم بيعها في الوقت الراهن .
ويتفق علي نجم وزير المالية الأسبق مع الرأي السابق في أن البنوك من أكثر القطاعات تنظيما فهو شركة مساهمة وله مجلس ادارة ومراجعو حسابات ويفتش عليه البنك المركزي بصفة دورية وهناك قانون يحدد العمل فيه وبالتالي لابد أن يكون الاستثمار فيه علي جانب كبير من الأمن وهذا لا يعني أنه يمنح أكبر توزيعات أرباح علي اسهمه فارباح البنوك في حدود المعقول وتوزيعاتها كذلك وهناك الكثير من رجال الأعمال المساهمين في رؤوس أموال البنوك دون الاعلان عن اسمائهم وذلك عندما شهدت تلك الاسهم رواجا شديدا في بداية ومنتصف التسعينيات أما حسن زكي حسن رئيس الاتحاد النوعي للبلاستيك فلم يخف بانه اقترض من البنك الذي يساهم فيه ويقول «كنت من المؤسسين للبنك الوطني المصري منذ 18 عاما تقريبا وازيد من حصة مساهمتي كلما طرح البنك زيادة في رأس ماله وقد اقترضت من البنك باسم شركتي وليس كمساهم وبالطبع كانت هناك تسهيلات كبيرة حصلت عليها ولكن نظرا لوجود أحد اقربائي في مجلس الادارة حدثت الكثير من المشاكل ولم اتعمد احراجه لذلك اغلقت حساباتي في البنك وانهيت تعاملاتي معه واقترضت من بنوك اخري .
ورغم الندم الذي يبديه حسن زكي من انه لم يبع جزءاً من الاسهم عندما وصل سعر السهم لأعلي سعر «فقد كان سعره 3.5 جنيه ووصل إلي 84 جنيهاً منذ عشر سنوات ووصل إلي 14 جنيها» إلا أنه يفضل الاحتفاظ بالاسهم لعدم امكانه شراء اسهم في بنوك اخري فعند تأسيس البنك يكون سعر السهم في متناول اليد أما بعد ذلك بعشرين عاما مثلا فليس من السهل شراء كمية كبيرة من الاسهم وأيضا لتوزيعها علي احفاده ولانها أصل تدر عائدا كان مجزيا في الماضي ــ كما يوضح ــ فقد كان عائده يصل إلي %22 ثم %18 وهو معدل عالي بالمقارنة بأي استثمار اخر فيما عدا الاتجار في المخدرات .
ويوضح د. محمود عبد الفضيل الخبير الاقتصادي وعضو مجلس ادارة البنك المصري الأمريكي مدي ارتباط تملك الاسهم بالسيطرة علي سياسة البنك فيقول «لا يوجد أي ارتباط من نوع ما بين السيطرة علي البنك وعدد الاسهم المملوكة لشخص ما فهناك نماذج لرجال الأعمال تولوا رئاسة البنوك ولم تتعد نسبة مساهماتهم العشرة في المائة مثل د. إبراهيم كامل وهناك ضوابط وضعها القانون تمنع عضو مجلس الإدارة أو أحد أقاربه من الحصول علي قروض ائتمانية من البنك المساهم فيه ولكن قد يحدث احيانا تحايل علي هذه المادة من خلال تقدم المعارف والموظفين وليس الاقارب للحصول علي قروض باسمائهم مما يؤدي لضرورة تشديد رقابة البنك المركزي علي هذه البنوك .
ويشرح محمد البربري كبير مستشاري البنك المركزي سابقا وسائل البنك في المراقبة علي البنوك بقوله «هناك مراقبة ميدانية وهي التفتيش علي ملفات البنوك خاصة المقترضين لبيان صحتها أو مخالفتها للقانون ومراقبة مكتبية وهي فحص التقارير المرسلة من البنوك وكشف أي مخالفة ولابد من موافقة البنك المركزي علي شراء المساهم أكثر من نسبة %10 من أسهم أي بنك كما أن هناك مراقبة من هيئة سوق المال لاسهم البنوك المتداولة في البورصة ويتم التبليغ أولاً بأول في حالات بيع السهم والمساهم حر أولا وأخيرا في بيع اسهمه في أي وقت وقد نظم البنك المركزي انضمام المساهم في أكثر من بنك لمجلس إدارة البنك المساهم فيه فلا يحق له عضوية مجلسين ولابد من موافقة المركزي علي أعضاء مجلس الادارة .