شهدت الفترة الماضية جدلاً واسعاً حول مشروع تعديل قانون الايداع والقيد المركزي، والتي كان أبرزها رفع مساهمة البورصة المصرية في رأسمال شركة »مصر للمقاصة والايداع المركزي« الي %51 بدلاً من %5.
محمد عمران |
وزاد من حدة الجدل، الغموض الذي شاب الأسباب الحقيقية وراء هذه التعديلات، حيث اقتصرت التصريحات الرسمية التي صاحبت مشروع التعديل علي بعض الجمل الانشائية والعبارات الرنانة، مثل رفع كفاءة السوق المحلية، واحداث التكامل المطلوب لخدمة المتعاملين بالسوق، وغيرها من العبارات العامة التي لا توضح الدوافع الحقيقية التي دفعت الهيئة العامة لسوق المال للمطالبة بتعديل القانون بما يسمح بزيادة حصة مساهمة البورصة لهذه النسبة الحاكمة.
كانت لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب قد أقرت أمس الأول مشروع تعديلات قانون الايداع والقيد المركزي بما يسمح للبورصة بتملك حصة حاكمة بشركة مصر للمقاصة تبلغ %51 من رأسمال الشركة.
ومن المتوقع موافقة مجلس الشعب خلال الساعات المقبلة علي مشروع التعديل، مما يحسم الجدل الذي سيطر علي الأطراف ذات الصلة خلال الأشهر الماضية.
وفي هذا الإطار كشف الدكتور محمد عمران نائب رئيس البورصة المصرية في حوار لـ»المال« عن الأسباب الحقيقية وراء التعديل وأهم ملامح المرحلة المقبلة. وقال إن شركة »مصر للمقاصة« للإيداع والقيد المركزي تحتوي علي جميع البيانات والمستندات التي تثبت ملكية كل المتعاملين بسوق الأوراق المالية، والشركات المتداولة به والشركات المقيدة بالحفظ المركزي ولم تقيد بالبورصة والتي بلغ عددها حوالي 1200 شركة وفقاً لآخر تصريحات لرئيس الشركة، وهو ما يجعلها بمثابة مرفق عام يهدف إلي تقديم الخدمات للمتعاملين بالسوق، الأمر الذي ينبغي معه وجود جهة اعتبارية عامة ممثلة بحصة حاكمة داخل مجلس إدارة شركة »مصر المقاصة«.
وأضاف أن هذه الجهة الاعتبارية تمت مراعاة عدم اقتصارها علي مجرد تدخل حكومي من أي من الوزارات أو الجهات المعنية، وإنما يهدف في المقام الأول إحداث التكامل المؤسسي بين البورصة باعتبارها ممثلا لهذه الشخصية الاعتباريةالعامة وبين شركة »مصر للمقاصة«.
وأشار عمران إلي أن شركة »مصر للمقاصة« تعد من أفضل الكيانات الاستثمارية العاملة بالسوق المحلية والتي تتمتع بالتطور المطلوب في المستوي التكنولوجي والاداري، إلا أن هناك توجهات عالمية وتجارب في العديد من الاسواق بدول الشرق الأقصي وأوروبا تؤيد صحة هذا التكامل ضارباً مثالاً بعدد من هذه الاسواق والبالغ عددها حوالي 13 بورصة علي مستوي العالم مثل بورصة سنغافورة التي تمتلك %100 من شركة المقاصة بهذه السوق، وبورصة هونج كونج التي تمتلك %50 بالاضافة إلي بورصتي الصين اللتين تمتلك كل منهما %50 من رأسمال شركة المقاصة.
وأوضح نائب رئيس مجلس إدارة البورصة أن بعض البورصات التي كانت متشددة في الفصل بين خدمات البورصة والمقاصة والتي تأتي علي رأسها بورصة ناسداك بلندن بدأت في تغيير استراتيجيتها والاستحواذ علي بورصة بوسطن وشركة المقاصة التابعة والمملوكة لها بالكامل.
ولفت عمران إلي أن القانون الأساسي للشركة نص علي وضع بند الربحية في منزلة الاحتمال بحيث يأتي في نهاية أولويات نشاط الشركة بعكس باقي الشركات المساهمة الهادفة للربح، وهو ما يؤكد أنها منظومة تقدم خدمات عامة لا يمكن الاستغناء عنها، موضحاً أنه في حالة تحقيق الشركة خسائر ستعمل الدولة علي تغطيتها في حال عدم استطاعة المساهمين تغطيتها.
وأضاف عمران أن من أهم العناصر التي تخل بكون »مصر للمقاصة« شركة مساهمة تتمثل في أن جميع مساهميها ينضمون لهيكل ملكية الشركة اجبارياً وفقاً لاشتراطات هيئة سوق المال والتي تفرض علي الشركات الحاصلة علي ترخيص مزاولة نشاط تداول الأوراق المالة ضرورة الانضمام لعضوية جمعية شركة »مصر للمقاصة« بدعوي مساهمتهم في إيرادات الشركة والتي يحددها حجم تعاملات كل شركة بالسوق المحلية.
وحول المميزات التي ستترتب علي رفع مساهمة البورصة برأسمال شركة »مصر للمقاصة«، قال نائب رئيس مجلس إدارة البورصة إن استحواذ البورصة علي حصة حاكمة في شركة »مصر للمقاصة« سوف يسهم في تكامل رأسي فيما بينهما بهدف رفع كفاءة بيئة التداول في البورصة عن طريق تسهيل عملية التداول وتبسيط اجراءاتها من خلال دمج عملية المقاصة ضمن نظام التداول وهو ما سيساعد في تسريع زمن تنفيذ العمليات والقضاء علي أي مشاكل تعوقها، بالاضافة إلي زيادة فاعلية الرقابة علي التداول من خلال زيادة المراقبة علي حسابات العملاء وأرصدتهم وتاريخ التغير فيها.
ولفت عمران إلي أن توحيد تبويب البيانات الخاصة بالمستثمرين الذي سيترتب علي مساهمة البورصة بحصة حاكمة في شركة »المقاصة«، سيقضي علي تضارب البيانات بين المؤسستين وتسهيل توفيرها للجهات الختصة، علاوة علي ما سيترتب علي التكامل الرأسي بين المؤسستين من تبسيط لعمليات زيادة رؤوس الأموال، والطروحات العامة وتقليل الفترة الزمنية الخاصة بها وهو الأمر الذي كان محل شكوي دائمة من قبل المستثمرين.
وأكد »عمران« أن هذا التكامل سيقضي علي الصعوبات الفنية المرتبطة باستحداث أدوات مالية جديدة مثل صناديق المؤشرات »ETF’S « والمشتقات التي تتطلب درجة عالية من التنسيق بين المؤسستين.
وأشار الي أن أحد أهم الجوانب الايجابية من التعديلات الجديدة هو الحد من نفقات الاستثمار بصفة عامة مما يساهم في تخفيض تكلفة التداول والتسوية والمقاصة للمستثمرين مما سيدعم زيادة المزايا التنافسية للبورصة المصرية علي مستوي الأسواق الناشئة، بالاضافة إلي توفير التمويل اللازم لتغطية الاستثمارات التكنولوجية التي تحتاجها البورصة المصرية لمواجهة المنافسة الشرسة التي لا تهدأ علي مستوي أسواق العالم في تطبيق أحدث تكنولوجيا التداول.
وأوضح عمران أنه علي الرغم من التعاون المثمر بين إدارتي البورصة وشركة مصر للمقاصة فإنه في بعض الأحيان تفتقد المؤسستين حلقة الربط بينهما علي المستويين الإداري والتنفيذي ضارباً مثالاً بنظام الاقتراض بغرض البيع »short selling « والذي تستحوذ شركة مصر للمقاصة علي جميع البيانات المتعلقة به في حين أن إدارة البورصة لا تعلم سوي الرتوش الخارجية لهذا النظام، مشيراً إلي أن هذه التعديلات ستسهم في القضاء علي هذه المشكلات.
وأكد نائب رئيس مجلس إدارة البورصة أن هذا التعديل في هيكل ملكية »مصر للمقاصة« سيترتب عليه إجراء العديد من التعديلات في النظام الأساسي للشركة وقانون تأسيسها واللائحة التنفيذية له ليعكس تمثيل البورصة الجديد في مجلس إدارتها وفقاً لنسبة مساهمتها الجديدة.
وأضاف أنه علي الرغم من التغيير المتوقع في هيكل ملكية شركة مصر للمقاصة والذي سيتم من خلال زيادة رأسمال الشركة عن طريق البورصة لتصل نسبة مساهمتها إلي %51 إلا أن حوكمة الشركات تفرض ضرورة الفصل بين الملكية والإدارة مما ينفي شبهة سيطرة البورصة الطاغية علي الشركة.
وأوضح عمران أن لجنة الشئون الاقتصادية قامت بدراسة دستورية التعديل الجديدة والذي انتهي إلي أسلوب رفع نسبة مساهمة البورصة عن طريق اكتتابها في إجمالي قيمة زيادة رأس المال لعدم الاخلال بمساهمة الملاك الحاليين للشركة.
واستعرض »عمران« سيناريوهين لعملية زيادة رأس المال يتمثل الأول في حال كون الزيادة محسوبة علي قيمة رأس المال الحالي للشركة والبالغ حوالي 140 مليون جنيه مما سيدفع البورصة لضخ حوالي 132 مليون جنيه إضافة إلي نسبة مساهمتها الحالية والبالغة حوالي 7 ملايين جنيه ليصبح إجمالي رأسمال الشركة الجديد 271 مليون جنيه.
ولفت عمران إلي أنه في حال اعتماد الهيئة العامة لسوق المال محضر الجمعية العامة العادية والتي أقرته زيادة رأسمال الشركة إلي 154 مليون جنيه بدلاً من 140 مليون جنيه عن طريق تصفية الاحتياطي القانوني للشركة وتوزيعه علي المساهمين في صورة أسهم مجانية، ستقوم البورصة بزيادة حجم مساهمتها المرتقبة للتوازن مع رأسمال الشركة الجديد بعد التعديل بما يحقق النسبة المنصوص عليها في التعديلات الجديدة لقانون الإيداع والقيد المركزي.
وأكد »عمران« أن البورصة ستقوم بزيادة حصتها من خلال التمويل الذاتي حيث إن إدارة البورصة علي الرغم من كونها كياناً حكومياً فإنها لا تساهم في الموازنة العامة للدولة، وفي المقابل لا يتم تمويلها من خلال الموازنة وبالتالي فإن البورصة لديها الموارد المالية الكافية لتغطية هذا الاستثمار.
وحول تقدم وكيل بعض المساهمين الراغبين في تأسيس شركة مقاصة منافسة ومدي امكانية مساهمة البورصة بهذه النسبة الحاكمة التي أقرتها التعديلات الجديدة في شركة مقاصة أخري، وقال نائب رئيس البورصة، إن الطلب الذي قدمه هؤلاء المساهمون خلا من الجدية ودلل علي ذلك بعدم كشفهم عن هويتهم واكتفائهم باستطلاع رأي البورصة في امكانية المساهمة بها.
وأوضح عمران أن أداء شركة مصر للمقاصة خلال الفترة الراهنة يعد متميزاً وقادراً علي الوفاء بمتطلبات السوق، خاصة أنه من الصعب وجود شركة مقاصة أخري في ظل عدم تعدد البورصات بالسوق المحلية موضحاً أنه في حال وجود أكثر من شركة مقاصة ستحتاج الجهات الرقابية لتأسيس كيان جديد يقوم بالربط بينها.
ورهن »عمران« جدوي استثمار البورصة في شركة مقاصة جديدة وحاجة السوق إليها بضرورة وجود بورصات أخري تعمل بالسوق المحلية خلاف بورصة النيل التي تعد جزءاً مشتقاً من السوق الرئيسية للبورصة المصرية ضارباً مثالاً بحالة إنشاء بورصة للسلع والعقود التي ستحتاج إلي وجود شركة مقاصة أخري.
وفيما يتعلق بملف بورصة العقود الآجلة والذي غاب عن دائرة الضوء لفترة طويلة، قال عمران إن إدارة البورصة مازالت مستمرة في إجراء المباحثات الخاصة بالسوق الذي سيشارك في إنشاء هذه البورصة حيث إن المشاركة ستكون من خلال استحواذها علي حصة من رأسمال السوق الجديدة بالإضافة إلي الدعم الفني المستمد من الخبرات السابقة للشريك المرتقب في هذا المجال.