فيما يشبه «الهجرة الجماعية» بدأ الكُتاب والمبدعون الذهاب بإبداعاتهم ومؤلفاتهم إلى دور النشر والمجلات العربية، وفيما أرجع البعض ذلك إلى ما تمر به مصر من ظروف سياسية تقيد حرية الإبداع والتفكير، أكد آخرون أن الأزمة فى دور النشر المصرية التى لا تقوم بمتابعة الكتاب وتسويقه ولا ترعى المبدعين إعلامياً، ولا تهتم بما يكتبون طالما لا يحقق لها أموالاً كثيرة.
|
شعبان يوسف |
فى البداية، أكد الكاتب الشاب ياسر أحمد أن دور النشر المصرية لم تعد تبحث عن الكاتب المبدع، لكنها تنتظر من المبدعين أن يبحثوا هم عن النشر، وحينما يحدث ذلك لا يجد المبدع أى اهتمام سواء فى التوزيع أو الدعاية للكتاب، وهو ما يشعره بالإحباط لأن قلة الدعاية لا تحقق لعمله جمهوراً ولا نقداً يوضح للكاتب أنه على الطريق، وفى المقابل فإن دور النشر العربية، سواء اللبنانية أو القطرية، تقدم للكاتب المصرى الاهتمام المطلوب، فينتظرونه أن يكتب ليتلقفوا عمله، ويبحثوا له عن سوق داخل وخارج مصر، فينتشر على مستوى الدول العربية.
وأضاف ياسر أن دار نشر مثل «بلومزبرى، عينت أحد محررى دار «الشروق» فانتقلت كل الإبداعات التى تحقق مبيعات واسماً من «الشروق» إلى الدار القطرية، التى أصبحت تمتلك إصدارات لكُتاب مهمين مثل بلال فضل، وإبراهيم عيسى، وأحمد خالد توفيق، الذين كانوا ينشرون فى «الشروق»، هذا بالإضافة للطبعات الثانية والثالثة لطبعات الشروق القديمة مثل رواية أحمد العايدى «أن تكون عباس العبد».
وأوضح أحمد أن الكاتب لا يحتاج أكثر من الاهتمام بما يقدمه وذلك على مستوى واسع، ودور النشر المصرية تبخل عليه بذلك وتوفر مجهودها تماماً.
وأكد أحمد الحسينى، مدير دار نفرو للنشر والتوزيع، أن السبب فى تحول الكُتاب المصريين إلى بعض الدور العربية جاء بسبب الزيادة الملحوظة فى عدد دور النشر المصرية والتى لا يهتم معظمها بالمبدع ولا تعمل على انتشاره، لكن هناك دور نشر صغيرة وجديدة تهتم بتسجيل اسمها وسط الساحة الثقافية فتعمل على انتشار إصداراتها عبر وسائل الإعلام المختلفة أو من خلال الندوات، وربما استطاعت دار «دوّن» للنشر والتوزيع تحقيق تلك المعادلة.
وعن تلك الأزمة، أزمة هجرة الإبداعات والمبدعين للدور العربية، قال الحسينى لا توجد مشكلة فى تحول الكتاب إلى النشر مع دور النشر العربية، لأن معظم من ذهب إلى دار مثل «بلومزبرى» كان يعانى من أزمة من دار «الشروق» وبعد أن كانت أكبر دار نشر مصرية قد تعرضت للأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر بأكملها، وأصبحت «الشروق» هى الأخرى تعانى ضعفاً فى المبيعات وقلة الإصدارات، لكن الأزمة لا علاقة لها بدور النشر المصرية ككل، والدليل على ذلك عدد الإصدارات فى معرض القاهرة الدولى للكتاب الأخير.
ويؤكد عمر شهريار، الناقد الأدبى، أن الفترة المقبلة ستشهد ما يشبه الهجرة الجماعية للكُتاب والمبدعين المصريين، وهذا نتيجة أمرين، الأول سياسى لأن حرية الإبداع فى مصر أصبحت فى خطر، بينما هناك حرية أوسع فى الدول العربية مثل لبنان، والإمارات، وقطر، وهم يرحبون بالإبداع المصرى ويفتحون له أسواقاً كبيرة، والفكرة أن الهجرة لن تكون للروايات والأدب فقط، فكتاب المقالات أيضاً يهاجرون للمجلات والجرائد العربية الأخرى، فقد تم منع كل من يوسف القعيد، وعبلة الروينى، وإبراهيم عبدالمجيد، من نشر بعض مقالاتهم لأنها ضد الحزب الحاكم، فأصبحوا يكتبون فى المجلات العربية، والأمر فى منتهى الخطورة، لكن من فى الحكم لا يتعلمون، والحل الوحيد هو التخلص من نظام الحكم الحالى الذى يقيد الحريات.
أما الشق الثانى من المشكلة فيتمثل بحسب شهريار فى أن دور النشر المصرية تمارس التضييق الواضح على المبدعين، خاصة الشباب الذين لا يمتلكون غير إبداعهم، ولا تربطهم بدور النشر وساطة أو شللية، وفى المقابل فإن دور النشر العربية توفر لهم الانتشار الواسع، فلم لا؟
ويرى الناقد والشاعر شعبان يوسف أن الكُتاب والمبدعين المصريين يهربون من المؤسسة الرسمية إلى دور النشر الخاصة، فمعظم الشباب ينشرون فى «ميريت» و«العين»، و«الدار»، و«دوّن» لأن تلك الدور تهتم بالكُتاب الشباب وتستقطب الكُتاب العرب الذين يبحثون عن السوق والانتشار فى مصر وقد يتكبدون المشقة والعناء من أجل نشر إبداعهم وتنظيم ندوة فى أى مكان ثقافى فى مصر.
وأضاف يوسف أن الكُتاب المصريين الذين اعتادوا النشر فى الدور العربية ينشرون بالتوازى مع دور النشر المصرية مثل الكاتب الراحل محمد البساطى، والكاتبة نوال السعداوى، أما الأزمة الحقيقية فى الهجرة للمجلات العربية فراجع إلى أن المجالات المصرية تعانى الانحدار وتعامل المبدع ببيروقراطية وإهانة ما يجعله يتوجه للمجلات العربية لما تحققه من رواج واهتمام بالكاتب المصرى إلى جانب الحرية غير المحدودة فيما يكتبون.
وقد قامت المجلات المصرية بفرض أمر جديد هو ضرورة موافقة جهة العمل لأى كاتب يريد نشر مقاله بها، وهذا يعد بيروقراطية فارغة وليست لها أهمية ولا وجود له فى المجلات العربية.