(39) الضرر الشامبليوني على شباب مصر!

فترة صمت قطعها تعليق أكبر الحاضرين (حضرتك مش قصدنا إننا غير مهتمين بالموضوع، بس مقاوحتنا فى الحصول على كرامتنا الشخصية خلت كرامتنا الوطنية رفاهية مستخبية

(39) الضرر الشامبليوني على شباب مصر!
محمد بكري

محمد بكري

9:38 ص, الخميس, 16 يناير 25

أحمل على كاهلى – ككثيرين غيرى – همّ قضية الكرامة المصرية ضد نسخة تمثال شامبليون 1875، داعسًا بحذائه رأس الملك المصرى منذ 150 عامًا، والتى لم تُحسم للآن! فأتداول معناها وآثارها وخطورتها فى المقالات والأحاديث داخل وخارج مصر، بدون ملل أو وهن (فما ضاع حق وراءه مُطالب)! ومن محاولاتى للتبصير بها مع مختلف الشرائح العُمرية، أداوم الحديث مع الشباب بمختلف الطبقات الاجتماعية والخلفيات الثقافية والمناطق الجغرافية. فى آخر حديث أمس مع شريحة منهم (أعمار من 25-16)، حول أولويات ما يهمهم متابعته بوسائل التواصل الاجتماعي، فكانت نُصحهم أو إرشادهم لكيفية التعامل بسوق العمل، وسائل الكسب السريع من الإنترنت، التعامل مع الشخصيات الصعبة، فرص العمل خارج مصر، كيفية سد الفجوة بين أحلام الدراسة وقسوة العمل بالظروف الاقتصادية الحالية، أفضل الطرق لجذب انتباه الجنس الآخر والتأثير فيه، أخبار الفضائح وصراعات النجوم والترند إلخ. وبعد استيعابى رؤية أولوياتهم، سألتهم: هل تهتمون بمتابعة أى أخبار أو بودكاست أو تيك توك يناقش الكرامة الوطنية؟ فرق السن الكبير بيننا منع إظهار سخريتهم للسؤال! وأجابت إحداهم؛ (يعنى إيه كرامة وطنية)؟ فأطلعتهم على صورة تمثال العار، فكان أول تعليق: OH this is very odd! بس إيه المطلوب منا؟ فأوجزت لهم قصة التمثال والمعنى الذى يحمله، وخطورة التعايش مع فكرة وجوده على كرامتنا كمصريين، وطلبت رأيهم فى الصورة وما قلته. أول رد فعل من 6 وجوه هو صمت تام لبرهة، أعقبته التعليقات التالية؛ (التمثال ده فرنساوى مش مصرى وفباريس كمان يعنى بعيد عنا، بصراحة إحنا مشغولين كفاية بمستقبلنا والمواضيع دى مش شغلنا دى للكبار، يعنى لا حد منا شافه و%99.9 مننا مش هيشوفه فين بقه الكرامة الوحشة اللى فيه! حضرتك شايف وضع البلد عامل إزاى فكرامة إيه اللى عاوزنا نجرى وراها؟ أعتقد الموضوع ده مش فارق لجيلنا، لأننا مش فاهمين غير كرامتنا الشخصية، إننا نحاول نحلم ونتعامل كويس وناخد فرصتنا ونتعلم حاجة تقدر تفيدينا بجد فحياتنا مش نخرج نتصدم بإننا متعلمناش صح ولا كفاية، فلا نشتغل فمكان بجد ولا مرتبات بجد وتحرش باسم الشغل! أكيد حضرتك هتفهم إن تعبنا نلاقى كرامتنا الشخصية مش مخلينا نشوف الكرامة الوطنية بتاعت مصر بقه والكبار والكلام التقيل! إحنا مبقيناش شايفين غير نفسنا، مشغولين باهتماماتنا وتقليدنا لبره يمكن ننفع، إنما تماثيل وتاريخ وتراث إحنا مش سياح! طلّعنا بره مصر وشوف ممكن نعمل إيه زى الباز وزويل ويعقوب وعمر الشريف وأعتقد الناس دى خرجت بكرامتهم الشخصية لما معرفوش يلاقوا كرامتهم الوطنية اللى حضرتك بتتكلم عنها! طبعا بنحب مصر بس مش أكتر من نفسنا لأننا مبقيناش شايفين منها إلا الصعب علينا فى التعليم والشغل والشلل والناس اللى بتلعب بدماغنا! إحنا مش أغبياء ولا وحشين بس الناس اللى كنا بنقرأ عنهم فالمدرسة والكلية خلصوا، مفيش ناس جديدة يفهمونا أو يكوّنوا صورة كويسة نمشى وراها! أهم حاجة الآن هنجيب فلوس كام ومنين مش إزاي، حتى بدون شغل ومرتب! المهم أنا فى إيدى كام أجيب بيه إيه، ولو حضرتك بتعيب مثلا على فلوس النت أو السمسرة أو ال Sponsorتبقى مش فاهم ولا شايف جيلنا ولا اللى وصلنا له؟)

فترة صمت قطعها تعليق أكبر الحاضرين (حضرتك مش قصدنا إننا غير مهتمين بالموضوع، بس مقاوحتنا فى الحصول على كرامتنا الشخصية خلت كرامتنا الوطنية رفاهية مستخبية منفكرش فيها ونركز على أولوياتنا، السوشيال ميديا خلى أخبار العالم عند صوابعنا، يعنى التمثال ده، ولّا الكرامة العربية فى غزة وسوريا مثلا؟ الصور الفظيعة اللى بنشوفها توجعنا دقيقة، ونقلب بصباعنا على الترند الجديد أو الحسرة على مطعم بوراك، أو موسم الرياض وغيره! بابا بيقول إحنا بعنا الحزام بعد ما اتقطع، ودايما خايف من بكرة وصورته قدام صاحب البيت اللى عاوز يطردنا من شقتنا الإيجار! أنا لو كلمته عن موضوع التمثال ده معرفش رد فعله والأفضل معرفش! حضرتك متزعلش بس محدش فى مدارسنا ولا كلياتنا بيكلمنا عن كرامتنا الوطنية ولا صورتها قدام العالم، ولو زى ما بتقول الجزمة بقالها 150 سنة على راس حجر، هتفرق إيه 150 كمان؟ طب خليها، وخليهم يعوضونا بمنح فرنسية مثلا أو يدونا فيزات أو يفتحوا شركات عندنا نشتغل فيها أو نحفر معاهم نطلع شوية آثار يمكن نعرف نبيع حتة تعوضنا! حضرتك عاوزنا نتفاعل معاك على تمثال مش بتاعنا، ولا فى مصر، ولواحد عرّف الدنيا بينا زى ما بتقول، طب خليه ونشوف نطلع فايدة منه إزاي؟ طب منرفع قضية تعويض ناخد قرشين ونوزعهم على شباب الخريجين مثلا! مش عارفة بس أعتقد ده واقعى أكتر بدون زعل)!

الآن يا سادة؛ هذا طرف من أقوال بعض الشباب – وقد لا يكون العموم كذلك – ولكنه واقعى كحقيقة! ردود عبيد جُدد، لجينات الحذاء السارية فى وعى جمعى غير مرئي، يجعلنا نواجه الحقائق التالية من سياق الحديث: تآكل ارتباط شبابنا بتاريخنا وثقافتنا ونحر هويتنا الوطنية، المُذابة فى ثقافات أجنبية طروادية/ انخفاض الشعور بالفخر والانتماء لمصر/ زيادة الشعور بالانقسام الداخلى والخوف من الغد/ تجاهل الكرامة الوطنية هو حصان طروادة لتمرير التدخلات الخارجية سياسيا واقتصاديا وثقافيا لتأمين تبعيتنا الفكرية والثقافية للآخر عموما/ إضعاف الروح الوطنية فى الاقتصاد وتشجيع المنتج الوطنى وتفضيل الشركات الاعتماد على الخارج وزيادة الاستيراد/ استمرار الحذاء على رأس الملك ١٥٠ سنة دون إجراء حقيقى يضع أجيال مصر – وليس مصر ذاتها – داخل علامة استفهام عملاقة تؤثر على صورتهم كمصريين خارج مصر/ تراجع القيم الوطنية كالنزاهة والعمل الجماعى والتضحية، من عدم استيعاب الشباب لقيمة الكرامة الوطنية لكرامتهم الشخصية، ينشر الفساد والانتهازية وتخبو المسؤولية الاجتماعية/ هذا التجاهل وغموض الفهم وغياب مشاريع الكرامة الوطنية الحقيقية، يزيد الهجرة والاغتراب النفسى وتسرب الكفاءات للخارج وربط الابتكار والإبداع بالمصلحة الشخصية البحتة وليس إفادة الوطن/ إضعاف الكرامة الوطنية يُضعف الروح القتالية لشباب الجيش والشعب للدفاع عن الوطن، مع سهولة اختراق الوعى بالترغيب أو الترهيب أو التشتيت/ استمرار تجهيل مشاريع الكرامة الوطنية يخلق فجوة بين الشباب والشعب والحكومة، خاصة مع ظروف اقتصادية واجتماعية حرجة تدق معها الحقوق والكرامة الشخصية، فيزيد السخط الشعبي، الإحباط واللامبالاة وتراجع المشاركة الحقيقية من الشباب بمرحلة حرجة من عمر مصر.

لا أقول إن كل ما نحن فيه بسبب حذاء شامبليون، ولو رُفع لأصبح العصا السحرية لإصلاح أزمات الواقع الحالي! ولكن أزعم بكل جدية أن تعامل الإدارة والشعب المصرى مع استيعاب قضية شامبليون، سيخلق حالة وطنية تدريجية مثل نظرية تأثير الفراشة، نستعيد معها تصاعديا إحساس الانتماء لقضية توحد قلوب وعقول المصريين لرفع إهانة عن رؤوسهم جميعها، فداخل كل مصرى ملك كامن قابل للتحقيق! لذلك فملخص الضرر الشامبليونى يتمثل مجازا بهذه العبارة “إن إزالة رأس رمسيس الثانى من تحت حذاء شامبليون يعنى إسقاط سلطتنا الرمزية على الشرق” (دوفين لاروش – المعلم الأول لجمعية حراس النور الأوربي) – من روايتى القادمة (شيفرة شامبليون أو إعلان الحقيقة)!

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]