انتهت فاعليات (الملتقي الدولي السابع عشر لـ”صناعة الأسمدة”) الذي انعقد خلال الفترة من 11 إلي 13 أبريل الحالي بتوقع نمو الطلب العالمي والعربي علي الأسمدة خلال الفترة المقبلة، حيث من المنتظر أن ترفع معدلات الطلب علي الاسمدة علي المستوي العالمي بنسبة تتراوح ما بين 2 و2.5% مع نهاية العام الحالي لتصل إلي 9.5% مقارنة بعام 2008، كما أكد الاتحاد العربي للأسمدة أن صادرات الدول العربية من الأسمدة سترتفع بنسبة لا تقل عن 6% لتصل إلي 51 مليون طن بدلاً من 48 مليون طن خلال عام 2010 من إجمالي 80 مليون طن تمثل إنتاج الدول العربية من الأسمدة الناتجة عن مشروعات استثمارية تصل استثماراتها إلي 228 مليار جنيه، منها مشروعات بقيمة 60 مليار جنيه في السوق المصرية، ومن المرجح أن ترتفع هذه الاستثمارات إلي 80 مليارًا خلال العامين المقبلين بعد الانتهاء من تنفيذ 4 مشروعات لإنتاج الأسمدة.
وتناول الملتقي أبرز التحديات التي تواجه الاستثمار في مجال صناعة الأسمدة، سواء علي مستوي العالم أو علي مستوي الدول العربية، وتتمثل هذه التحديات في قلة مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل مصانع الأسمدة الجديدة أو ضعف البنية التحتية في الدول النامية بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، وقلة العناصر البشرية المدربة.
واستعرضت جلسات الملتقي وضع الشحن العالمي للأسمدة خلال الفترة الأخيرة والتحديات التي يواجهها القطاع نتيجة عمليات القرصنة، فضلاً عن توقف ما يقرب من 60% من أسطول ناقلات الأسمدة عن العمل ليعمل بـ40% فقط من طاقته الإنتاجية، وتوقع مسئولو كبريات شركات الشحن العالمية المشاركة في الملتقي أن ترتفع معدلات شحن وتجارة الأسمدة خلال الفترة المقبلة بنسبة لا تقل عن 5.7% مستبعدين تأثير الاضطرابات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط علي نقل قطاع الأسمدة خاصة بعد النجاح الذي حققته التجربة المصرية في القضاء علي رموز الفساد بما فيها رأس النظام الذي يخضع حالياً للتحقيق بواسطة الأجهزة القضائية باتهامات تتعلق بالفساد المالي والسياسي.
“القابضة للبتروكيماويات” تعرض الخطة القومية لتنفيذ استثمارات بـ20 مليار دولار
وعرضت الشركة القابضة للبتروكيماويات الخطة القومية لتنفيذ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار لاقامة 24 مشروعا بطاقة انتاجية تقترب من 20 مليون طن سنوياً بحلول عام 2020 والتي من شأنها توفير 10 آلاف فرصة عمل، ومن المرجح أن تحقق صادرات بقيمة 51 مليار دولار سنوياً.
وأشار المشاركون في الملتقي إلي أن مناطق شمال وغرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا ستشهد نوعاً من النمو في جذب رؤوس الأموال الأجنبية في مجال صناعة الأسمدة علي حساب الدول الأوروبية، نتيجة انخفاض أسعار الغاز اللازم لتشغيل المصانع التي تمثل المحدد الرئيسي لهامش ربحية هذه المشروعات.
وتناول المؤتمر تجربة كل من الصين والهند في صناعة الأسمدة وكيفية الاستفادة منها باتباع بعض السياسات للتعامل مع عمليات انتاج وتصنيع الأسمدة والمخصبات الزراعية بهدف تحسين الانتاجية الزراعية، وبالفعل تمكنت الهند من سد الفجوة بين الانتاج المحلي والاستهلاك ولم تعد تستورد سوي كميات بسيطة، فيما تمكنت الصين من التحول من الاعتماد بشكل كبير علي استيراد الأسمدة والمخصبات إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي ثم تصدير الفائض لديها.
وكشفت أعمال الملتقي الدولي السابع عشر للأسمدة عن أن أهم السياسات التي اتبعتها الدولتان ويمكن أن تستفيد منها مصر للتغلب علي المشاكل المتعلقة بصناعة وتوفير الأسمدة للمزارعين بأسعار مناسبة، تركزت في تقديم الدعم لمصانع الأسمدة بهدف تشجيع الصناعة، وضمان توفير الأسمدة للمزارعين في الوقت المناسب بالكميات المناسبة وبأسعار تقل كثيراً عن التكلفة الحقيقية، بالاضافة إلي تحكم الحكومة في كل شيء يتعلق بعمليات إنتاج الأسمدة وتوزيعها لكي لا تتيح الفرصة للقطاع الخاص للاحتكار أو زيادة الأسعار، خاصة مع موجة ارتفاع أسعار الأسمدة علي المستوي العالمي، إلي جانب وجود شبكة متكاملة من المعلومات تتعلق بحجم الإنتاج ونوعياته والاحتياجات الاستهلاكية للمزارعين ومساحات الأراضي المزروعة وخطط التوسع في استصلاح الأراضي، مما مكن الحكومة في كل من الهند والصين من بسط سيطرتها علي عمليات الإنتاج والتوزيع المتعلقة بالأسمدة.
أبرز تحديات القطاع: التغييرات المناخية وضعف البنية التحتية
أكد المشاركون في الملتقي الدولي السابع عشر لصناعة الأسمدة، أن أبرز التحديات التي تحول دون التوسع في إقامة المشروعات الاستثمارية في مجال الأسمدة، تتمثل في التغيرات الشديدة في العوامل المناخية، وضعف منظومة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة المستخدمة في هذه الصناعة، فضلاً عن قلة العناصر البشرية المدربة في عدد واسع من الدول، خاصة الدول النامية بما فيها الدول العربية، وكذلك ضعف البنية التحتية المتاحة، التي من شأنها تسهيل عمليات الشحن والتفريغ.
في هذا السياق، قال المهندس عادل الموزي، المفوض باختصاصات وزير قطاع الأعمال العام، إن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الأسمدة في مصر بشكل خاص، والدول العربية بشكل عام، تتمثل في ضعف مصادر تمويل المشروعات التوسعية في مجال الأسمدة، وضعف البنية التحتية اللازمة لنجاح أي صناعة، بالإضافة إلي قلة الأيدي العاملة المدربة علي استخدام التقنيات الحديثة في صناعة الأسمدة.
إلا أن الموزي أكد أن السوق المصرية، ستشهد تطوراً في صناعة الأسمدة خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلي أنه سيتم تنفيذ 4 مشروعات لإنتاج الأسمدة خلال العامين المقبلين، بتكلفة استثمارية تقدر بـ20 مليار جنيه، موضحاً أن إجمالي إنتاج السوق المحلية من الأسمدة، يصل إلي 9 ملايين طن، يتم إنتاجها، من خلال 17 شركة تحقق عوائد سنوية تصل إلي 10 مليارات جنيه.
وأضاف الموزي أنه من بين المشاكل التي تعاني منها صناعة الأسمدة في مصر، صعوبة توفير الغاز اللازم لتنفيذ المشروعات، غير أن الحكومة بدأت تتجه لاعطاء مزيد من الاهتمام لتوفير الغاز، فعلي سبيل المثال، تم توفير الغاز لإعادة تأهيل مشروع شركة كيما، بتكلفة مبدئية تصل إلي 750 مليون دولار، والذي من المتوقع أن يتم تنفيذه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
التغلب علي مشاكل صناعة الأسمدة في الدول العربية يأتي من خلال وضع برامج تخطيط للاستفادة من الموارد الطبيعية
من جانبه، أكد شفيق الأشقر، الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة، عدم إمكانية التغلب علي المشاكل التي تواجه صناعة الأسمدة في الدول العربية، إلا من خلال وضع برامج تخطيط للاستفادة من الموارد الطبيعية في الدول العربية، بحيث تتم الاستفادة منها، تمهيداً لتحقيق التكامل بين جميع الموارد وتفعيل دور مؤسسات التمويل العربية، لتسهيل المعوقات المالية الخاصة بتمويل المشروعات، بحيث يساهم الجهاز المصرفي في تنفيذ هذه المشروعات.
وأوضح الأشقر أن هناك ضرورة لإنشاء شركات تعمل في مجال توزيع وتسويق الأسمدة، بالإضافة إلي تأسيس شركات تعمل في مجال الاستشارات الهندسية، والتمويل اللازم للمشروع، فضلاً عن تبادل الخبرات الفنية بين الدول العربية، وتوظيفها في تحقيق التكامل في مجال إنتاج الأسمدة.
وأضاف الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة، أن نصيب صادرات الدول العربية من الأسمدة يصل إلي 48 مليون طن، متوقعاً زيادتها إلي 51 مليون طن خلال العام الحالي بنسبة %6، حيث يصل إنتاج الدول العربية من الأسمدة إلي 80 مليون طن في مشروعات استثمارية تقترب من 228 مليار جنيه، منها مشروعات بقيمة 60 مليار جنيه في مصر.
وتستهدف مصر إقامة 4 مشروعات بقيمة 20 مليار جنيه خلال العامين المقبلين، ستعمل علي توفير ما يقرب من 4 آلاف فرصة عمل، لترفع حجم استثمارات الأسمدة في السوق المحلية إلي 80 مليار جنيه مع حلول عام 2013، حيث يصل حجم إنتاج الأسمدة في السوق المصرية إلي 9 ملايين طن، تحقق عوائد بقيمة 10 مليارات جنيه سنوياً.
وتصل حصة صناعة الأسمدة العربية من الإنتاج العالمي للأسمدة النتروجينية، إلي نحو 8% من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ نحو 102.6 مليون طن، بينما تقدر حصة الإنتاج العربي من الأسمدة الفوسفاتية بنحو 11.4 مليون طن من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ نحو 37.5 مليون طن، في حين أن حصة الإنتاج العربي من الأسمدة البوتاسية، تبلغ نحو 5.1 مليون طن من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ نحو 23.5 مليون طن.
الدول العربية تستورد 50% من المواد الغذائية بتكلفة 40 مليار دولار سنوياً
من جانبه، أكد محمد ربيع، أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، أنه علي الرغم من أن الدول العربية تمتلك ثروة كبيرة من المعادن والمواد الطبيعية الداخلة في صناعة الأسمدة والأدوية، غير أنها تعاني فجوة غذائية، حيث تستورد ما يقرب من 50% من المواد الغذائية، بتكلفة إجمالية 40 مليار دولار سنوياً.
وطالب ربيع الدول العربية بتمويل المشروعات الزراعية وصناعة الأسمدة، لدعم قطاع البحوث وبناء بيوت خضراء للزراعة، ودعم المزارعين وشركات تصنيع الأسمدة.
أما نيك ناش المدير العام لشركة «FIFA» الاسترالية، فأكد أن أبرز التحديات التي تواجه الاستثمار في مجال الأسمدة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، مشيراً إلي موجة ارتفاع درجات الحرارة التي شهدتها استراليا في صيف العام الماضي، مما أدي إلي توقف تصدير القمح للخارج، فضلاً عن الانبعاثات الحرارية الناتجة عن الإسراف في استخدام هذه المواد، مشيراً إلي أن الحكومة الاسترالية تضع الاشتراطات لضمان أمان استخدام الأسمدة في التربة الزراعية دون الإضرار بمناخ البيئة.
توافر الغاز في شمال وغرب أفريقيا يزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية
تركزت أعمال الجلسة الرابعة من الملتقي الدولي السابع عشر لصناعة الأسمدة حول تأثير ارتفاع أسعار الطاقة علي حجم التوسعات الاستثمارية في مجال الأسمدة خلال السنوات المقبلة، خاصة أسعار الغاز، حيث أكد المشاركون في الجلسة أن منطقتي شمال وغرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ستشهدان المزيد من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في هذا القطاع خلال السنوات القليلة المقبلة، نظراً لانخفاض تكاليف الطاقة بهذه الدول، مستبعدين وجود أي تأثير علي المدي البعيد للحراك السياسي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط علي تدفق الاستثمارات، خاصة بعد نجاح ثورتي مصر وتونس في تغيير الأنظمة السياسية السابقة في الدولتين، وفي المقابل ستشهد بعض الدول تراجعاً في جذب الاستثمارات، خاصة دول أوروبا التي تعاني بشكل كبير من ارتفاع أسعار الطاقة، ومن ثم ستؤثر بشكل سلبي علي هامش ربحية المشروعات.
وتطرقت الجلسة إلي محاولات بعض الدول كالصين وأوكرانيا في السعي لإيجاد الحلول اللازمة لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز، حيث بدأت الصين العمل علي استخدام خام الفحم بدلاً من الغاز لخفض تكاليف الإنتاج، فيما دخلت أوكرانيا في مفاوضات مع روسيا لتنفيذ مشروعات لإنتاج الأسمدة بشرط الحصول علي الغاز اللازم لتشغيلها.
وأشارت الجلسة إلي أن الطلب علي منتجات الأسمدة، سيشهد تزايداً خلال الفترة المقبلة، بنسبة تتراوح بين 2 و2.5% خلال العام المالي 2011-2012، في ظل السعي لاستخدام الأسمدة في إنتاج المحاصيل الزراعية، بعد زيادة حجم الطلب العالمي عليها.
وفي هذا السياق، توقع رتشارد شاور، الخبير العالمي في مجال صناعة الأسمدة، أن تشهد منطقتا شمال وغرب أفريقيا خلال الفترة المقبلة نمواً ملحوظاً في حجم استثمارات الأسمدة، نظراً لتمتعها بمزايا انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، مما يدفع بهامش ربحية هذه المشروعات بالصعود، مقارنة بدول أوروبا التي ترتفع فيها أسعار الغاز بشكل مستمر.
الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط لا تؤثر علي حجم الاستثمارات الأجنبية في مجال الأسمدة
ونفي شاور وجود تأثير للاضطرابات السياسية التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط علي حجم الاستثمارات الأجنبية في مجال الأسمدة، خاصة أن الدول التي شهدت هذه الاضطرابات، ومنها تونس ومصر، بدأت تتخذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تشجيع الاستثمار، فعلي سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء المصري، الدكتور عصام شرف، أن مصر ستعيد النظر في تعاقداتها لتوريد الغاز الطبيعي إلي الخارج، وتحديداً إلي إسرائيل والأردن، الأمر الذي سيساعد علي توفير الغاز للصناعة المحلية، مشيراً إلي أن مصر ستنفذ استثمارات بقيمة 20 مليار جنيه خلال عامين فقط في 4 مشروعات لإنتاج الأسمدة.
وأكد شاور أن الفترة المقبلة ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الغاز والنفط بشكل عام، في ظل زيادة الطلب وقلة المعروض منهما، مشيراً إلي أن بعض الدول بدأت تتجه إلي توفير حلول بديلة للتغلب علي المشاكل السابقة خلال الفترة المقبلة، فعلي سبيل المثال، نجد أن الصين بدأت تتجه لاستخدام الفحم بدلاً من الغاز، لتقليص تكاليف الإنتاج، والتوسع في المزيد من المشروعات الاستثمارية الخاصة بالأسمدة.
أوكرانيا تعاني من ارتفاع أسعار الغاز
وأضاف أن أوكرانيا تعاني حالياً من ارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير مقارنة بروسيا، مما دفع الأولي بالاتجاه إلي جذب الاستثمارات الروسية لإقامة مشروعات لإنتاج الأسمدة بها، بشرط أن يتم توفير حصص الغاز اللازم لتشغيل المصانع من روسيا، مؤكداً أن هذا من شأنه بروز صناعة الأسمدة في أوكرانيا خلال السنوات المقبلة.
من جانبه، تحدث ميشيل برو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، عن العلاقة بين ارتفاع أسعار الحبوب وأسعار الأسمدة في العالم، خاصة بعد موجة الارتفاعات الشديدة التي شهدتها المنتجات الغذائية خلال فترة الأعوام القليلة الماضية، فعلي سبيل المثال، صعدت أسعار القمح في موسم 2008-2009 وحتي 2010-2011، بنسبة تزيد علي 5%، وهو ما أثر علي ارتفاع أسعار الأسمدة.
وأوضح برو أن الطلب علي الأسمدة نهاية الربع الأول من العام الحالي، ارتفع بنسبة 5.2%، بعدما سجل انخفاضاً بنسبة 7.3% خلال موسم 2008-2009، نتيجة حالة الركود العالمي خلال فترة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتوقع أن يرتفع الطلب العالمي علي منتجات الأسمدة بنسبة تتراوح بين 2 و2.5% خلال الفترة المقبلة، ضارباً المثل علي ذلك بأن حجم الطلب علي الأسمدة في فرنسا، انخفض خلال موسم 2008-2009، ثم ارتفع خلال عام 2010، وكذلك روسيا والبرازيل والهند واندونيسيا.
5 محاور رئيسية للنهوض بالصناعة عبر الاستفادة من تجربتي الهند والصين
قامت كل من الهند والصين خلال السنوات القليلة الماضية باتباع بعض السياسات للتعامل مع عمليات إنتاج وتصنيع الأسمدة والمخصبات الزراعية، بهدف تحسين الإنتاجية الزراعية، وبالفعل تمكنت الهند من سد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، ولم تعد تستورد سوي كميات بسيطة، فيما نجحت الصين في التحول من الاعتماد بشكل كبير علي استيراد الأسمدة والمخصبات إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي، ثم تصدير الفائض لديها.
وكشفت أعمال الملتقي الدولي السابع عشر للأسمدة، عن أن أهم السياسات التي اتبعتها الدولتان ويمكن أن تستفيد منها مصر للتغلب علي المشاكل المتعلقة بصناعة وتوفير الأسمدة للمزارعين بأسعار مناسبة، تركزت في تقديم الدعم لمصانع الأسمدة، بهدف تشجيع الصناعة، فضلاً عن ضمان توفير الأسمدة للمزارعين، في الوقت المناسب بالكميات المناسبة، وبأسعار تقل كثيراً عن التكلفة الحقيقية، بالإضافة إلي تحكم الحكومة في كل شيء يتعلق بعمليات إنتاج الأسمدة وتوزيعها لكي لا تتيح الفرصة للقطاع الخاص للاحتكار، أو زيادة الأسعار، خاصة مع موجة ارتفاع أسعار الأسمدة علي المستوي العالمي، إلي جانب وجود شبكة متكاملة من المعلومات تتعلق بحجم الإنتاج ونوعياته والاحتياجات الاستهلاكية للمزارعين ومساحات الأراضي المزروعة، فضلاً عن خطط التوسع في استصلاح الأراضي، مما مكن الحكومة من بسط سيطرتها علي عمليات الإنتاج والتوزيع المتعلقة بالأسمدة.
واتخذت حكومتا البلدين، إجراءات أخري تتعلق بمنع التصدير حتي يتم تغطية الاحتياجات المحلية، واستحداث نوعيات جديدة من الأسمدة، تمكنهما من تقليل اعتمادههما علي استيراد المنتجات مرتفعة الأسعار، بالإضافة إلي تطبيق البحوث والدراسات الجديدة الخاصة بتطوير عمليات الإنتاج والتوزيع، والتوسع في إنشاء المصانع واتباع أسلوب الإنتاج واسع النطاق، لما له من مزايا توفيرية.
الهند تأتي في مقدمة الدول التي تقدم دعماً للأسمدة لتمكين المزارعين من شراء احتياجاتهم بأسعار مناسبة
في هذا السياق، استعرض ساتيش تشاندر، المدير العام لمنظمة «FAI»، السياسات التي اتبعتها الهند، وكيف انعكست علي عمليات الإنتاج والرؤي المستقبلية التي تتجه الحكومة الهندية لتطبيقها خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن الهند تأتي في مقدمة الدول التي تقدم دعماً للأسمدة لتمكين المزارعين من شراء احتياجاتهم بأسعار مناسبة، كما استغلت الهند توافر المدخلات اللازمة لعملية الإنتاج، مثل المياه والطاقة لتطوير الصناعة، مشيراً إلي حرص الحكومة علي ضمان وصول الكميات التي يحتاج إليها المزارع بأسعار رخيصة، بالإضافة إلي التوزيع المتساوي بين المزارعين، مؤكداً أن ذلك يتم من خلال تشجيع الإنتاج المحلي لعزل السوق الهندية عن العالمية التي تشهد تقلبات سعرية كبيرة خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن عام 2010 شهد تحكماً كاملاً من جانب الحكومة في كل الأمور المتعلقة بإنتاج وتوزيع الأسمدة، حيث تحدد الأسعار المحلية وأسعار التصدير.
وأوضح أن الآلية التي مكنت الحكومة من ضبط الأسعار، بالإضافة إلي التوسع في الإنتاج هي الدعم الذي يمثل 35% من سعر المنتج، بهدف حماية المزارعين من تذبذب الأسعار، نافياً أن يؤدي التدخل الحكومي إلي الإحجام عن التوسع في الإنتاج، حيث أدت هذه السياسات إلي زيادة إنتاج مواد مثل الفوسفور والبوتاسيوم، بنسبة 17% خلال السنوات القليلة الماضية.
وأشار إلي منع الحكومة تصدير اليوريا، حتي يتم استيفاء الطلب المحلي، من خلال الإنتاج المقترن بالتركيز علي إنتاج الأسمدة صديقة البيئة حتي تمكنت شركة الأسمدة الهندية من الحصول علي جائزة الورقة الخضراء التي تمنحها “AFA” للشركات الملتزمة بإجراءات التوافق البيئي.
وأضاف أنه ترتب علي هذه الإجراءات اعتلاء الهند المرتبة الثالثة عالمياً، من حيث إنتاج الأسمدة بعد الصين والولايات المتحدة، والثانية من حيث الاستهلاك بعد الصين.
الهند أصبحت ثاني أكبر منتج للأرز والقمح والفواكه بعد تطور عمليات الإنتاج
ولفت إلي أنه بعد تطور عمليات الإنتاج في الهند، أصبحت ثاني أكبر منتج للأرز والقمح والفواكه والشاي والخضراوات، فضلاً عن احتلالها مرتبة متقدمة بين الدول المنتجة للموز «والبابايا» والمحاصيل ذات الألياف، موضحاً أن الإنتاج الزراعي أصبح يساهم بنحو 17% من الناتج القومي الإجمالي و10% من إجمالي الصادرات، مؤكداً أن نمو الاقتصاد الهندي، يعتمد بشكل كبير علي نمو القطاع الزراعي.
وأشار إلي امتلاك الهند شبكة متكاملة من المعلومات عن عمليات إنتاج واستهلاك الأسمدة والنشاط الزراعي بصفة عامة، مما أدي إلي تحكمها في هذه الصناعة، موضحاً أنه وفقاً لهذه الشبكة، فإن المساحة الجغرافية للهند تصل إلي 329 مليون هكتار يزرع منها 141 مليون هكتار، ويصل منسوب الأمطار إلى1100 ميللي متر مكعب من المياه، ويعمل نحو 50% من السكان في النشاط الزراعي، وتصل نسبة المزارعين الذين يمتلكون هكتارين فأقل إلي 83%.
الهند تستورد 5.2 مليون طن سنوياً من اليوريا
وأضاف أن الهند مازالت بحاجة إلي التوسع في إنتاج الأسمدة لخفض مستوي الاستيراد الناجم عن زيادة حجم الاستهلاك خلال السنوات الأخيرة، موضحاً أن الهند تنتج حالياً 21 مليون طن من اليوريا، وتستورد 5.2 مليون طن سنوياً، متوقعاً أن يصل حجم الاستيراد خلال العام الحالي إلي 6 ملايين طن، فيما تنتج 4.25 مليون طن من أسمدة «DAP» وتستورد 5.89 مليون طن سنوياً، في حين لا يتم إنتاج أي كمية من أسمدة «NOB» حيث يتم استيراد 6 ملايين طن سنوياً.
وأرجع استمرار الهند في عمليات الاستيراد، رغم تحقيقها الاكتفاء الذاتي منذ 8 سنوات في بعض المنتجات، مثل اليوريا إلي التوسع في عمليات الاستهلاك، حيث بلغ خلال العام الماضي 55 مليون طن.
وأكد تشاندر أن الهند مازالت حتي الآن تواجه تحدياً يتمثل في زيادة الأسعار العالمية بصورة كبيرة، خاصة أنها تعتمد علي استيراد بعض المنتجات لتغطية الطلب المحلي، موضحاً أن الهند قامت بمواجهة هذا التحدي بشكل جزئي خلال العام الحالي، من خلال الاتفاق مع الفلاحين علي عدم استخدام البوتاسيوم، الذي ارتفع سعره بشكل كبير خلال الفترة الماضية، علي أن يتم استخدامه خلال المرحلة المقبلة، بالإضافة إلي العمل علي استحداث منتجات جديدة لسد الفجوة بين مستويي الإنتاج والاستهلاك المحليين.
وأضاف أن الفترة المقبلة، قد تشهد تراجعاً تدريجياً في حجم الدعم المقدم للصناعة، وقد يتم اعطاؤه بشكل كامل للمزارعين، بهدف تمكين شركات القطاع الخاص من التوسع في إنتاج الأسمدة، علي أن تقوم الحكومة بوضع حد أعلي للأسعار لا يمكن تجاوزه، بهدف حماية المزارعين من تقلبات الأسعار، مؤكداً أنه سيتم التراجع عن هذه الخطوات في حال إضرارها بالزراعة والفلاحين، لأنها تمثل العمود الفقري الذي يقوم عليه الاقتصاد الهندي.
الصين تمتلك القدرة علي التحكم في سوق الأسمدة العالمية
من جانبه، قال مايك ناش، المدير العام لشركة الكبريات البريطانية، إن صناعة الأسمدة في الصين، شهدت تغيراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، حتي أصبحت الصين تمتلك القدرة علي التحكم في سوق الأسمدة العالمية، مشيراً إلي احتمال تنامي قدراتها المستقبلية في مجال إنتاج الأسمدة، والتحكم في أسعارها العالمية.
وأشار إلي أن الطلب علي الأسمدة منتصف الثمانينيات في الصين، دفعها إلي التوسع في إنشاء المصانع واستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة، وتقديم أموال طائلة كدعم لهذه الصناعة، من خلال العديد من السياسات التفضيلية، بالإضافة إلي تبني أساليب الإنتاج واسع النطاق الأكثر وفرة، بالإضافة إلي السماح للعديد من شركات القطاع الخاص في الصين، بالدخول في مجال إنتاج الأسمدة، شريطة عدم ممارسة سياسات احتكارية تهدد بارتفاع الأسعار والإضرار بالمزارعين.
وأضاف أن إنتاج الأسمدة يتركز بشكل أساسي في جنوب الصين، حيث يستحوذ علي نحو 60% من إجمالي الإنتاج.
وأكد أن الفترة المقبلة لابد أن تشهد عمليات دمج الشركات والمصانع العاملة الصغيرة في مجال إنتاج الأسمدة في الصين، مشيراً إلي أن التجارب السابقة، أدت لبروز أسماء شركات صينية كبيرة في السوق العالمية.
وأشار ناش إلي أن السياسات السابقة، أدت إلي احتلال الصين المركز الأول عالمياً، من حيث إنتاج مادتي “DAP” و”MAP” بالإضافة إلي تحقيق الصين الاكتفاء الذاتي من الأسمدة، ومن ثم خفضت حجم وارداتها، مشيراً إلي أن الإنتاج تطور في الصين، حتي وصلت لدرجة التصدير دون استيراد العديد من أنواع الأسمدة.
وأوضح ناش أن صادرات الصين من “DAP”، الذي كانت تعتمد علي استيراده لتغطية الطلب المحلي، تمثل نحو 75% من حجم صادراتها من الأسمدة، وتستحوذ الأسواق الآسيوية علي الجانب الأكبر منه، خاصة اليابان وبنجلاديش وباكستان، موضحاً أن الصين احتلت عام 2010، المركز الثاني بين الدول المصدرة لـ”DAP”، فيما احتلت المركز الثالث بين الدول المصدرة لمادة “MAP” بعد الولايات المتحدة وروسيا.
وتوقع أن يشهد عام 2015 نمواً كبيراً في حجم إنتاج الصين، ومن ثم ضرورة العمل علي تصريف هذا الإنتاج، من خلال البحث عن أسواق جديدة.