قدمت أميرة الحداد، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مجموعة من التوصيات عن دراسة أعدتها حول تأثير الأزمة المالية العالمية علي صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة في مصر وكشفت توصياتها عن عدة محاور يجب تنفيذها في الأجل القصير والمتوسط البعيد للنهوض بـ”صناعة المنسوجات” في مصر.
وأوضحت الدراسة فيما يتعلق بالأجل القصير والمتوسط أنها تتمثل في مستويين، الأول خاص بأدوات السياسة التجارية من خلال الاستمرار في تقديم حوافز مشروطة للمصدرين لفترات محددة، مع محاولة تجنب آثارها السلبية مثل خروج المنشآت غير المصدرة من السوق المحلية مع العمل علي التوسع في التنويع الجغرافي للصادرات، حيث يتم تصدير 75% من حجم صادراتنا لأمريكا وأوروبا، والعمل علي تفعيل اتفاقية الكوميسا، والضغط المستمر من أجل الحصول علي شروط أفضل لدخول منتجات المنشآت المصدرة من خارج الكويز إلي الأسواق الأمريكية، بينما تعلق المستوي الثاني بأدوات السياسة المالية، من خلال المطالبة بتوفير الائتمان اللازم لمشروعات التي تعاني نقصاً في السيولة.
مستوي الأجل البعيد يتطلب ضرورة تعميق صناعة الغزل والنسيج والملابس
وأشارت الدراسة إلي أن مستوي الأجل البعيد يتطلب ضرورة تعميق صناعة الغزل والنسيج والملابس، والمساهمة في تقديم أساليب تكنولوجية جيدة لصناعة الغزل والنسيج وتفعيل المشاركة بين قطاعين الأعمال والخاص، إلي جانب التخلص من البيروقراطية وحل مشاكل التدريب، موضحة أن نسبة العمالة المدربة لم يتجاوز 8% الأمر الذي يتطلب الاهتمام، بالتدريب وبناء القدرات والارتقاء بالمهارات بهدف تحسين الإنتاجية عن طريق رفع جودة التعليم، والارتباط الوثيق بين الأداء والأجر، وتحسين بيئة العمل والارتقاء بالمعايير الأخلاقية، والعمل علي إقامة مشروعات مشتركة مع الشركات الآسيوية.
وكان المركز المصري للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع منظمة التعاون الدولية قد عقد ندوة بعنوان «أثار الأزمة المالية العالمية علي صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة في مصر» نهاية الأسبوع الماضي استعرض خلالها نتائج دراسة كانت قد أعدتها الدكتورة أميرة الحداد أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بمشاركة مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في قطاع صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة في مصر.
حيث أوضحت الدراسة أن أكبر الآثار المترتبة علي القطاع النسيجي من الأزمة المالية هو إحلال المنشآت المصدرة بالشركات العاملة بالسوق المحلية، حيث زادت نسبة تواجد النوعية الأولي بالسوق المحلية بنسبة 4%، مرجعة ذلك إلي كفاءة الشركات العاملة في مجال التصدير بضعف كفاءة مثيلتها بالسوق المحلية، إلي جانب قيام الحكومة بمضاعفة دعم الصادرات المقدمة من صندوق دعم الصادرات بنسبة تتراوح بين 12 و13.5% من ديسمبر 2008 حتي يوليو 2009 الأمر الذي سمح للمنشآت المصدرة بالاستفادة من هذا الدعم واستغلاله بالسوق المحلية.
أهم الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة المالية علي القطاع النسيجي
واستعرضت أميرة الحداد خلال دراستها أهم الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة المالية علي القطاع النسيجي علي مستوي الشركات والتي تمثلت في صعوبة حصول الشركات علي تمويل وتنامي المخزون من الإنتاج بسبب قلة التوزيع، وانخفاض الاستثمار في المعدات والماكينات وإهمال تدريب العاملين بالقطاع.
أما انعكاستها علي السوق التصديرية، فقد أوضحت الدراسة أنها أدت إلي تأخر المستوردين في الالتزام بسداد قيمة تعاقداتهم وإلغاء أكثر من 500 عقد والتشدد في وضع المواصفات القياسية، مشيرة إلي أن هناك انخفاضاً في حجم الإنتاج بنسبة 25%، وانكماشاً في حجم الصادرات بنسبة 20%، مؤكدة انخفاض معدلات تشغيل العمالة بنسبة 3.2% أي ما يصل إلي أكثر من 60 ألف عامل تم تسريحهم، علماً بأن الخسارة في العمالة تركزت في قطاع المنسوجات وليس الملابس.
وأوضحت الدراسة أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار قام بدراسة توضح أن تسريح العمال حدث دون الدخول في أي مشاورات بين أصحاب العمل والعمال، مؤكدة أن إلغاء نظام اتفاقية الألياف المتعددة ونهاية نظام الحصص عام 2005 أعطي فرصة لمنافسة متزايدة من قبل الدول الأكثر تقدماً مثل الهند، وباكستان، حيث كانت من أكثر العوامل التي أثرت علي صناعة المنسوجات في مصر، إلي جانب برنامج الخصخصة الذي انتهجته الدولة كجزء من الاصلاح الاقتصادي، الأمر الذي أدي لانخفاض استثمارات القطاع العام بنسبة 50% دون أن يقابلها نمو مماثل في القطاع الخاص الذي لم تتجاوز حجم استثماراته 30% مما أدي لانخفاض إنتاج المنسوجات في مصر بشكل عام.
وأشارت الدكتورة أميرة، خلال دراستها إلي أنه من ضمن العوامل التي شكلت هيكل صناعة الغزل والنسيج خلال الـ13 عاماً الماضية انضمام مصر إلي منظمة التجارة العالمية، ومن ثم التزامها برفع حظر الاستيراد الذي استمر مدة 30 عاماً حيث تم رفع الحظر عن صناعة المنسوجات اعتباراً من عام 1998 وحررت صناعة الملابس الجاهزة في عام 2002، تبعتها تخفيضات متتالية في الضريبة الجمركية علي واردات المنسوجات بدءاً من عام 2003 ومروراً بعامي 2004 و2007 وانتهاء بعام 2009.
لم تتم الاستفادة القصوي من اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية
وأضافت الدراسة أنه لم تتم الاستفادة القصوي من اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي سمحت للمنتج المصري الدخول إلي الأسواق الأوروبية دون حصص محددة ودون جمارك، ورغم ذلك فإن الصادرات المصرية لم تتجاوز 50% من حجم وارداتها من هذه الدول خلال 2008، مما ترتب عليه انعكاسات سلبية علي صناعة الملابس والمنسوجات.
وقد ذكر محمد قاسم المدير العام لشركة التجارة العالمية، في تعقيب له علي الدراسة، أنه لا تأثير للأزمة المالية علي صناعة الغزل والنسيج، مؤكداً أنه من أكبر الصعوبات التي تواجه صناعة الغزل والنسيج عدم ضخ قطاع الأعمال لاستثمارات جديدة، مما أدي إلي تدهور شديد في الصناعة، خاصة أن قطاع الأعمال يضم 32 شركة صناعة غزل ونسيج.
وأضاف قاسم أن انخفاض العمالة في قطاع الغزل والنسيج مستمر منذ 1990، بسبب سياسات المعاش المبكر، وقلة التعيينات، أما فيما يتعلق بقطاع الملابس فلم يشهد أي انخفاض في العمالة، بل إن المصانع تعمل بطاقة 80% و70% بسبب نقص العمالة التي تسببت في عدم قدرتها الوفاء بتعاقداتها.
وأشار »قاسم« إلي أن نظام الحصص أدي لزيادة المنافسة وتفتيت الصناعة وظهور الملابس في أماكن لم تكن فيها تلك الصناعة.
وأكد قاسم صعوبة دراسة تأثير الأزمة علي الاستثمار بالقطاع خلال عام واحد، مشيراً إلي أن الاستثمار في القطاع شهد طفرة خلال الفترة من عام 2004 إلي2008 عن طريق توسع الشركات القائمة ودخول استثمارات أجنبية مثل »الاستثمارات التركية والهندية والإيطالية والسويسرية» بجانب استثمارات عربية، إلا أن هذه الاستثمارات تعاني انخفاضاً في حجم الأيدي العاملة بها.
وشدد مدير عام الشركة علي ضرورة وضع قضية الدعم في الاعتبار، حيث تمثل نسبة الدعم في مصر أقل كثيراً من الدعم في الهند وباكستان، موضحاً أن دعم مصر لقطاع الملابس والمنسوجات من 4 إلي 10% فقط في حين أن الدعم في الصين يصل إلي 13%.
صناعة الغزل والنسيج تعاني مشكلات كثيرة نتيجة توقف الدعم الحكومي منذ عام 1990
من جانبه أوضح مجدي طلبة، رئيس مجلس إدارة شركة كايرو قطن، أن صناعة الغزل والنسيج تعاني مشكلات كثيرة نتيجة توقف الدعم الحكومي منذ عام 1990، مشيراً إلي أن الحكومة تمتلك 95% من صناعة الغزل والنسيج، و25% من صناعة الملابس، والمشكلة عند تقييم صناعة الغزل والنسيج حيث يشتمل التقييم أيضاً علي صناعة الملابس في مصر.
وأشار طلبة إلي أن صادرات الغزل والنسيج في مصر لا تتجاوز 2.2 مليار دولار في حين أن صادرات العالم تصل إلي 240 مليار دولار، حيث تمثل الصادرات الأمريكية 40% من حجم تجارة المنسوجات، في حين أن تواجد مصر في السوق العالمية لا يتجاوز 1% ومن ثم فالمطالبة بفتح أسواق جديدة يعتبر أمراً طريفاً – علي حد تعبيره -.
وأرجع طلبة تحول المنشآت المصدرة إلي السوق المحلية نتيجة حدة المنافسة في السوق العالمية، مقارنة بدول مثل شرق اسيا، أو المغرب وتونس التي تبلغ صادراتها ضعف صادرات مصر.
وأكد طلبة أن أداء الشركات المصرية يعاني ارتفاع التكلفة وقلة في الجودة، وبذلك يفقد عوامل جذب المستهلك الذي يهتم بالسعر الرخيص والجودة العالية، مشيراً إلي أنه كان ينبغي استغلال الأزمة المالية العالمية كفرصة ذهبية لمصر بسبب انخفاض الإنتاج في كثير من الدول المنافسة، غير أن مصر بلد الفرص الضائعة – علي حد قوله – فتكلفة الإنتاج مرتفعة والعمالة في خطر بسبب ارتفاع معدل دورانها شهرياً حيث تتراوح نسبة هذا المعدل بين 18 و20% في حين أن العالم يقيس دوران العمالة.
وأضاف طلبة أن مشكلة مصر الدائمة هي الاهتمام بالصادرات وإهمال السوق المحلية وعدم النظر إليها بنظرة إيجابية حيث تفتقد 90% من الشركات المحلية للجودة ومن ثم فهناك ضرورة لوضع معايير جودة سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً.
إنتاجية العمالة في مصر أقل من مثيلتها في كثير من الدول الأخرى
وأشار طلبة إلي أن إنتاجية العمالة في مصر أقل من مثيلتها في كثير من الدول الأخري، مثل بنجلاديش فالعالم ينتج نفس حجم الإنتاج في فترة أقل بنسبة 50-60% مقارنة بمصر.
وأوضح طلبة أن مصر لا تستغل مزايا الاتفاقيات التجارية مثل اتفاقية الكويز، فالصناعة في مصر مازالت تقليدية وبسيطة، بالإضافة إلي أن الكويز ليست أبدية فهي بروتوكول من الممكن أن ينتهي في أي وقت وعلي الرغم من أن اتفاقية الشراكة الأوروبية أعطي المنتج المصري حق الدخول إلي الأسواق الأوروبية بدون جمارك فإن الصادرات المصرية مازالت متواضعة.
وقال طلبه، إن هناك إهمالاً في الاستثمار في العنصر البشري، والذي يعد من أكبر معوقات الصناعة المصرية، حيث تصدر مصر العمالة إلي الخارج في حين أن المصانع تعمل بطاقة 70–80% فقط بسبب نقص تلك العمالة.
ودعا إلي دراسة مشكلة العمالة بشراكة بين العمال وأصحاب العمل للوقف عند حل مناسب للطرفين.
وأشار محمد الصباغ شرياني، رئيس الاتحاد العربي للصناعات النسيجية عن مستقبل صناعة الغزل والنسيج، إلي أن الاستثمار في هذا القطاع تضاعف 5 مرات مقارنة بما كان من قبل عن طريق استثمارات تركيا وسويسرية، مؤكداً أن هناك محاور رئيسية يجب التركيز عليها لتطوير القطاع تتمثل في تطوير منظومتي الضرائب والجمارك، بحيث يكون هناك عدالة في التطبيق وأخيراً إعادة هيكلة الشركات العاملة بالقطاع، ودعا الصباغ الشركات الصناعية العاملة بمصر إلي تقليد الشركات اللبنانية التي تتميز بالعلامات التجارية.
وأوضح الدكتور إبراهيم فوزي وزير اقتصاد سابق، أن صناعة الغزل والنسيج من أهم الصناعات في مصر لارتباطها بالقوي العاملة لكنها تواجه مجموعة كبيرة من المشكلات لا سبيل لحلها إلا من خلال الجهد الجماعي فيما بين الأفراد والشركات والحكومة، مشيراً إلي التمويل المقدم لتلك الصناعة من البنوك لتمويل الشركات العاملة بالقطاع بالرغم من وجود فائض لديها يبلغ 5 مليارات دولار دون تشغيل.