حسناً، إذ من الطبيعى لمصر التحصن بحصونها الأربعة الطبيعية (..) من تأثيرات مخططات غير حميدة تلح للنفاذ إليها من خلال الجارات المتاخمات لصحاريها وبحارها ونيلها، لكن دون النأى بنفسها عن الانفتاح الحذر على جوارها إذا ما دعت إلى ذلك ضرورات استراتيجية وتنموية تستوجب – على سبيل المثال- استتباب السلام على حدودها الشرقية أو إلى تواصل الجسور الجيوسياسية مع بلدان الجزيرة العربية.. أو إلى ما يمكن اعتباره، إن جاز التعبير، «تضامناً كونفيدرالياً» مع كل من ليبيا غرباً.. والسودان جنوباً، ما يشكل بحسب المتعارف على تسميته «المثلث الذهبي» لتحقيق التكامل والمنعة بين المقدرات المتنوعة للجارات العربيات الأفريقيات الثلاث- من ناحية- وللعمل المشترك من ناحية أخرى على تسوية نزاعاتهم الداخلية، سواء ما بين شمال السودان وجنوبه.. وعلى النحو الكونفيدرالى الذى سبق أن اقترحه فى 2010 وزير خارجية مصر قبل شهور من الاستفتاء على تقرير مصيرهما.. أو سواء للعمل على جمع شمل الفرقاء الليبيين فى جبهة واحدة لمواجهة العنف المسلح الذى يشيع الفوضى وعدم الاستقرار فى ليبيا، وعلى النحو الذى تنشط على أساسه الدبلوماسية المصرية للمصالحة بين مختلف الملفات الشائكة بما فى ذلك المساعدات اللوجيستية العسكرية للجيش الليبى، إذ من تحصيل الحاصل القول بأن الحفاظ على سيادة ووحدة أراضى كل من السودان وليبيا.. وإنقاذهما من الفوضى.. يضمن لمصر استقرارها- والعكس صحيح- ناهيك عن الجوانب الإيجابية التى تعود على مجمل التنمية المستدامة لدول هذه «الترويكا» الأفريقية- العربية.. حال الاتفاق فيما بينهم على الآليات المناسبة لمواجهة الفوضى السياسية والأمنية من ناحية..
وللتنسيق من ناحية ثانية على كل المستويات بالنسبة للتنمية المشتركة، ما يسمح لثلاثتهم المساهمة بثبات فى النهضة المأمولة فى بلادهم.. كذا فى عمق القارة الأفريقية- التى تتسابق القوى الكبرى للاستفادة بمواردها الطبيعية وبأسواقها الواعدة.. وآفاق الاستثمار المتاحة- بحسب خبراء الاقتصاد الدوليين.
إلى ذلك، من الطبيعى أن تفتح القاهرة أبوابها فى الأعوام الأخيرة لاستقبال كافة القيادات السياسية والمتخصصة فى كل من ليبيا والسودان- شماله وجنوبه- آملين بعد طول غياب مصرى.. عودة القاهرة إلى استئناف خطوات سبق أن قطعتها مع ليبيا مطلع السبعينيات فى اتجاه «الوحدة الاندماجية» التى لم يكتمل مشروعها وقتئذ، لأسبابها، كذلك لاستئناف مشاريع «التكامل» مع السودان مطلع الثمانينيات التى لم تكتمل أيضاً وقتئذ، لأسبابها، التى من المرجح أن تكون قد انتفت كضرورة لإنقاذ البلدان الثلاث من وهدة عدم الاستقرار، بأقله منذ العام 2011، وحيث تبدو مؤشرات إيجابية لنسخ مناخ التوتر الذى كان سائداً بين القاهرة والخرطوم (..)، مبشرة بمصالحات داخلية فى الخرطوم.. وبين الأخيرة وجوباً، ليست مصر بعيدة عنها أو عن التأثر بإيجابياتها حال استكمال أسبابها، كذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا حيث استكمل الجيش الوطنى مقوماته بتأييد إقليمى دولى ما يمكنه من إصلاح الخلل لمعادلات موازين القوى فى الصراع داخل ليبيا، ليست مصر بعيدة عنها أو عن التأثر بإيجابياتها حال استكمال أسبابها، ما يضع دول المثلث الذهبى على مشارف طريق واعد- صعب ولكنه غير مستحيل- لاستكمال التلاحم الأمنى والسياسى والاقتصادى بين مصر وجارتيها الأقرب إليها ربما من حبل الوريد.