Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

مولد الفلسفة الإسلامية

سبق نشر هذا المقال الذى يتتبع جذور الفلسفة الإسلامية- سبق نشره بمجلة الكتاب عدد أكتوبر 1946، واستهله الأستاذ العقاد بحديث نبوى يدعو لتتبع سنن الذين من قبلنا، ويقول : «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا فى جحر ضب لاتبعتموهم». ويرى الأستاذ العقاد أن تاريخ المذ

مولد الفلسفة الإسلامية
رجائى عطية

رجائى عطية

10:15 ص, الأثنين, 23 يناير 17

سبق نشر هذا المقال الذى يتتبع جذور الفلسفة الإسلامية- سبق نشره بمجلة الكتاب عدد أكتوبر 1946، واستهله الأستاذ العقاد بحديث نبوى يدعو لتتبع سنن الذين من قبلنا، ويقول : «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا فى جحر ضب لاتبعتموهم».

ويرى الأستاذ العقاد أن تاريخ المذاهب والفرق فى الإسلام، قريب الشبه بتاريخها فى المسيحية، وإن كانت تطوراتها فى الإسلام أسرع، وفى المسيحية أقل سرعة، وفى اليهودية أبطأ من كلتيهما لأسباب اقتضت ذلك التفاوت فى سرعة الانتقال من دور الشرح والتفسير.

ولم تظهر التأويلات الفلسفية فى الديانة اليهودية قبل «فيلو» الإسكندرى المعاصر للسيد المسيح عليه السلام، أما الخلاف على نصوص التوراة بين السامريين فقد ظهر سلفًا فى أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، ثم انقضت تسعة قرون بعد الميلاد حتى اتسعت فجوة الخلاف بين «القرائين» و «الربانيين»، أى بين القائلين بالتزام الحرف وهم القراؤون، وبين القائلين بجواز التفسير وهم الربانيون، فكان القراؤون يقولون بالجبر، ويقول الربانيون بالاختيار.

ولم يكن «فيلو» من الفلاسفة المنقطعين للفلسفة أو للمنطق والعلوم العقلية بل كان يمزج بين الدين والفلسفة، ويجتهد فى تأويل نصوص التوراة بحيث تتسع للمعانى الفلسفية.

وقد نظر «فيلو» إلى الأوصاف الحسية التى وصف بها الإله فى أسفار التوراة، فلم يقبلها على ظاهرها، وفتح باب التأويل، وذهب فى التجريد إلى أبعد مداه، وأنكر الصفات الإلهية لأن الصفة حد والله تعالى منزه عن الحدود، واحتال على تأويل الصفات بأنها «نفى» للنقص الذى لا يتصوره العقل فى حق الخالق العظيم.

● ● ●

وكان «أوريجين- Origenes»- فيما يقول الأستاذ العقاد- أكبر المجتهدين السابقين من أصحاب القول بالتفسير والتأويل فى الديانة المسيحية، ومع ذلك لم تظهر دعوته قبل القرن الثالث للميلاد، وشغل «أوريجين» كما شغل «فيلو» بمسألة النصوص والتوفيق بينها وبين المعقولات، ومع ذلك فإن من العجيب أن هذا المجتهد الجرىء بلغ بالإيمان الحرفى بالنص حدًا لم يبلغه أحد من أشد المؤمنين بالنصوص الحرفية. ولكنه تعلم الفلسفة وأدرك البدائه العقلية فأضطره فرط الإيمان إلى التوفيق بينها وبين نصوص الكتب الدينية، لا سيما النصوص التى تشير إلى «بنوة» السيد المسيح ودلالة «الثالوث» والتوحيد.

وخلف «أوريجين» تلميذان قويان، هما «آريوس» فى الإسكندرية و «نسطور» فى سوريا، فمضيا فى التأويل والتوفيق بين النصوص والمعانى، ولكنهما اختلفا بشأنهما أشد الاختلاف، وتراميا كما ترامى أتباعهما زمنًا بتهمة الكفر والجحود، لأن «آريوس» كان يقول بأن المسيح «إنسان حادث»، بينما كان «نسطور» يؤمن «بالطبيعة الإلهية» فى المسيح ويأبى التسوية بينه وبين الله فى الدرجة والقدم.

ودخلت العوامل السياسية فى هذا الخلاف فدفعت به إلى أقصى مداه.

● ● ●

على أن الفرق والمذاهب لم يتراخ بها الزمن فى الإسلام فيما يقول الأستاذ العقاد كما تراخى بها فى اليهودية والمسيحية، فلم ينقض جيل النبى عليه السلام نفسه- حتى ظهرت مسألة النص والتفسير، ولحقت بها المسائل التى اقترنت بها فى كل عقيدة دينية، كمسألة القضاء والقدر، ومسألة الظاهر والباطن، ومسألة الصفات الإلهية، وما ينبغى للروح من الصفات بمعزل عن عالم المادة أو عالم الأجساد.

ويرجع فارق السرعة، إلى أن اليهودية لم تنهض لها منذ نشأتها ضرورة تقضى بالتعجل فى التفسير والتأويل لان اليهودية ذاتها كانت بمثابة فلسفة تجريدية. وإلى أن المسيحية قد تأخر تدوين كتبها إلى أواخر القرن الثانى للميلاد، وكان معظم هذه الكتب – أى الأناجيل- مسطورًا باللغة الإغريقية، فلا يطلع عليها سواد المسيحيين، فلما آمن المتعلمون بالدين الجديد- كان اختلافهم مقصورًا على بيئات الدرس والثقافة.

أما الإسلام، فقد كان الاستعداد فيه لظهور الفرق والمذاهب- على غير ما رأيناه فى اليهودية والمسيحية، ومن ثم كانت الأسباب مهيأة لظهورها منذ الجيل الأول، سواء
من جانب الفلسفة أو من جانب المشكلات اللاهوتية التى شغلت عقول الباحثين بين اليهود والمسيحيين.

وجدير بالذكر أنه من قبل الجهر بالدعوة الإسلامية، كانت مشكلات المذاهب المتقدمة تملأ الآفاق فى الشرق العربى، وتسرب الكثير منها إلى الجزيرة العربية قبل الدعوة. وأشار القرآن الكريم إلى الخلاف بين الأديان المتعددة، فجاء فى سورة الحج : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ( الحج 17 ). وجاء فى سورة الأنعام عن الدهريين : «وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ» ( الأنعام 29 )، وجاء عنهم فى سورة الجاثية «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ» ( الجاثية 24 ).. بل وأشار القرآن فى سورة آل عمران إلى تأويل المتشابه من الكتاب، فقال : «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ» ( آل عمران 7 ).

وكان بعض المسلمين يسمعون بان التوراة أنبأت بظهور النبى، وبغير ذلك من الأحداث، وفهم المسلمون أن هذه الأسرار لا يعقل أن تودع فى التوراة ولا تودع فى القرآن الذى لم يفرط الله فيه من شىء.

ولما انتشر الإسلام كان انتشاره فى الرقعة التى جمعت كل هذه الفرق والمذاهب بل وشهدت المناظرات وتصارع الآراء، وليس ببعيد تجمع الأديان الثلاثة فيما يشبه المؤتمر للمناقشة بالمدينة بحضور نبى الإسلام عليه الصلاة والسلام.

وقد كان من أسباب نشوء هذه الاتجاهات، ظهور الشيعة بقوة منذ خلافة عثمان ثم ظهور الخوارج فى النزاع الذى أثاره معاوية فى خلافة الإمام على، وارتباط ذلك بنشوء القدرية والمرجئة، والقائلين بالرجعة والتناسخ، ومذهب أهل الحقيقة ومذهب أهل الشريعة، وما استتبعه ذلك من فرق الباطنية وأصحاب الرموز والأسرار، وعلى تفاوت أنصبة هؤلاء وأولاء من الحكمة الدينية أو الحكمة الفلسفية.

ونشأت الأفكار بين طلاب الواقع الذى يقولون بطاعة السلطان القائم، وبين طلاب التغيير الذى يقولون بطاعة الإمام المستتر،، ويقولون بعلم الظاهر وعلم الباطن، أو بعلم الحقيقة وعلم الشريعة، أو بالفرق بين الكلام الواضح والكلام الخفى الذى يفطن إليه ذوو البصر والإطلاع.

ولما ذهبت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية لم تتبدل الحال، حيث كان العلويون والعباسيون خبراء بالمذاهب والتفسيرات، ولجأت كل دعوة إلى ما يؤيدها من المذاهب مثل دعوة الفاطميين التى عرفت سبيلها إلى أقصى المشرق حيث كان الناس يؤثرون العلويين على العباسيين، وانتشرت من ثم أوكار الأصوات والنظر والبحث والاستدلال فى الأطراف الشرقية، وفى كافة الأرجاء، فانفسح المجال من كل باب لتنامى علم الكلام وإرهاصات الفلسفة الإسلامية.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

10:15 ص, الأثنين, 23 يناير 17