Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

الإسلام دعوة عالمية (4)

يشير الأستاذ العقاد فى البداية إلى ما سبق أن تناوله بشأن ما كان قد كتبه الأستاذ «سوندرس» المحاضر الأول بقسم التاريخ بجامعة نيوزيلندا، تحت عنوان «الخليفة عمر المستعمر العربى»، وذهب فيه إلى أن ابتداء انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، إنما كان من عمل هذا الخليفة ولم يكن عملا

الإسلام دعوة عالمية (4)
رجائى عطية

رجائى عطية

12:26 م, الثلاثاء, 3 يناير 17


يشير الأستاذ العقاد فى البداية إلى ما سبق أن تناوله بشأن ما كان قد كتبه الأستاذ «سوندرس» المحاضر الأول بقسم التاريخ بجامعة نيوزيلندا، تحت عنوان «الخليفة عمر المستعمر العربى»، وذهب فيه إلى أن ابتداء انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، إنما كان من عمل هذا الخليفة ولم يكن عملاً داخلاً أصلاً فى برنامج الدعوة المحمدية.

وكان الأستاذ العقاد قد أبدى فى تعقيبه عليه، أنه إن كان حسن النية، فانه قد وقع فى خطأ جسيم فى تطبيق علم المقارنة بين الأديان، لأنه لا وجه للشبه بين الدعوة إلى الموسوية وإلى المسيحية وبين الدعوة إلى الإسلام، حالة كون أتباع موسى عليه السلام قد دخلوا فلسطين بعد وفاته، وكذلك بولس الذى تصدى للدعوة المسيحية دون أن يكون قد قابل المسيح قط، وبين خلفاء النبى محمد عليه الصلاة والسلام الذين تلقوا عنه الدعوة، وكانوا من غرس النبوة، وكان من ثم تصديهم لنشر الإسلام امتدادًا لصحبتهم معه عليه الصلاة والسلام.

ثم أضاف الأستاذ العقاد أنه حينما وصل إليه عدد شهر يونيو (1961) لمجلة «التاريخ اليوم History Today»، واطلع عليه، وجد تصحيحًا لمزاعم الأستاذ «سوندرس» كتبه إلى المجلة الأستاذ أحمد إبراهيم الشريف مدرس الفلسفة بالمدارس الثانوية، وذكر فيه أدلة كثيرة لتصحيح ما وقع فيه الكاتب الإنجليزى، وأضاف أنه لو تركها واكتفى بالقرآن لوجد أكثر من أربعين آية تذكر الله سبحانه وتعالى باسم «رب العالمين»، عدا الآيات التى ذكر فيها بالنص أن محمدًا عليه الصلاة والسلام قد أرسل «للناس كافة»، وأن القرآن قد تنزل عليه ليقرأه على الناس.

فلما أحالت المجلة الإنجليزية هذا الرد إلى الأستاذ «سوندرس»، أمعن مكابرةٍ فى الخطأ، فعاد يقول : إن هناك أدلة تفيد أن محمدًا عليه الصلاة والسلام قد أراد بدينه أن يُنشر على الناس، كما أن هناك أدلة أخرى ولم يذكرها، تفيد أنه لم يفعل ذلك، ومن ثم فإن المسألة إذن من مسائل الشك لا يقطع فيها بأى من القولين!

وعَقَدَ هذا الجهول، أو سىء النية، مقارنةً جهولة بين آية سورة الفرقان التى تقول عن محمد : «لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا»، وما جاء فى سورة القصص من قوله تعالى: «لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، وما جاء فى سورة الشورى من قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ»، دون أن يتفطن إلى مغزى كل آية وتأويلها ومناسبة نزولها.

وقال هذا المغرض إن الأوروبيين المتخصصين للإسلاميات ينقسمون فى هذه المسالة انقسامًا شديدًا، فيرى «موير» أن الدعوة الإسلامية من البداية إلى النهاية كانت دعوة للعرب وحدهم، وأن نولدكه وجلدزيهر وأرنولد يقولون أن محمدًا عليه السلام أراد بدينه منذ أوائل الدعوة أن يكون مجرد عقيدة وطنية محلية.

ولم يتوقف- بداهةً أو جهلاً- عندما كتبه عليه الصلاة والسلام إلى هرقل الروم وكسرى فارس وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وهى تؤكد عمومية الدعوة إلى الناس كافة، وتكذب هذه التخرصات.

وقد ختم «سوندرس» جوابه على تعليق الأستاذ الشريف، قائلاً : «وعندنا صعوبة كهذه فى أمر المسيحية، فهل كان المسيح ينظر إلى نفسه كأنه صاحب ديانة جديدة كما جاء فى إنجيل متى : «اذهبوا وعلموا جميع الأمم»، أم كان ينظر إلى نفسه كأنه مصلح فقط لليهودية ليس إلاّ طبقًا لما قاله من أنه ما جاء إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.

ويدل رد الأستاذ «سوندرس» على أنه لم يكن صادقًا ولا متحرزًا فى جوابه، لأنه تجاهل أصلاً الفارق الواضح بين الدعوة المسيحية والدعوة المحمدية، وما بين بولس الذى لم يقابل المسيح قط، وبين عمر الذى صاحب النبى عليه السلام أكثر من عشر سنوات، وكان من غرس النبوة المحمدية.. ومع ذلك لا يجد بأسًا من أن تتحول الدعوة المسيحية من إسرائيلية إلى عالمية على يد من لم يقابل المسيح قط، ويجد كل البأس فى أن يكون الإسلام دعوة عالمية بنصوص القرآن الكريم، وبسيرة النبى عليه الصلاة والسلام ودعوته وكتبه إلى القياصرة والملوك، وبأن أصحابه الذين تعهدوا الدعوة من بعده هم جميعًا من غرسه وتلقوا عنه الإسلام وهم فى صحبته !

أما تذرعه بأن القرآن نزل باللغة العربية، للاستدال على أنه نزل للعرب فقط، فإنه أكثر إبعادًا فى الخطأ وسوء الاستدلال من الخطأ السابق، فلم تكن لغة السيد المسيح لغة عالمية، ولا كانت اللغة العبرية لغة عالمية، ومع ذلك لم يجد بأسًا فى أن تصير الدعوة إلى بيت إسرائيل بلغتهم آنذاك، دعوة عالمية !!!

ولو كان هذا الكاتب متحرزًا على الأقل، لو افترضنا جدلاً حسن النية، للفت نظره أن العباد المخاطبين بالدعوة الإسلامية، قد اندرج فيهم بنصوص آيات القرآن الكريم من يركبون الفلك التى تجرى فى البحر، وتسخر لهم الأنهار، وينزل إليهم الماء من السماء ليخرج لهم من الثمرات رزقًا لهم، مع أن العرب أهل بادية، لا يركبون البحر، ولا تجرى فى باديتهم أنهار، ولا تُنزل عليهم السماء أمطارًا مدرارة تنبت لهم من الثمرات رزقًا لهم، وأن هذه الأوصاف لآية الآيات على أن المخاطبين بالآيات القرآنية هم الناس كافة، وليسوا العرب أهل البادية خاصة !

فإذا كان عرب الجاهلية قومًا لم يأتهم نذير من قبل، فإن الدين الذى جاء به صاحب الدعوة المحمدية يعم الناس كافة، ويعم المتدينين الذين سبقت إليهم الرسل، لتتحقق كلمة الله ويقوم هذا النبى العربى بالدعوة إلى الإسلام، ليظهره على الدين كله، وصدق سبحانه وتعالى إذ يقول فى كتابه العزيز : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (الصف 9).

وأيًّا كان القول فى اللغة التى تكلم بها النبى عليه الصلاة والسلام، وفى صلاح هذه اللغة للدعوة العالمية، فإن النوع الإنسانى المخاطب بهذه الدعوة يشمل أم القرى وما حولها، ولا تعتبر هداية أهلها عزلاً لهم عمّن عداهم من الناس، فقد كانت الدعوة نصًا وصياغةً وأحكامًا وروحًا إلى الناس جميعًا، فاجتمعت لها كافة عناصر الدعوة العالمية.

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

12:26 م, الثلاثاء, 3 يناير 17