اقتضى التصنيف الذى التزمته لرد الفروع إلى أصولها اقتضى أن أعرض سلفًا لعدد غير قليل من المقالات المتفرقة التى تضمنها كتاب «الإسلام دعوة عالمية»، هدانى إلى هذا استحسانى أن تُرَد المقالات إلى مواضعها الأنسب فى التبويب، وشجعنى على هذا أن «الإسلام دعوة عالمية»، ليس كتابًا وضعه الأستاذ العقاد فى حياته، وإنما هو مجموعة مقالات متفرقة نشرت سلفًا فى تواريخ مختلفة فى دوريات متعددة فى أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضى، جمعتها دار الهلال- بعد وفاته، ونشرتها فى كتاب الهلال العدد / 237 – نوفمبر 1970.
وطوى الكتاب على مباحث ودراسات عن نبى الإسلام، ورمضان والصيام، والأعياد الدينية وحكمتها الخالدة، وعالمية الدعوة بين أديان الأمم وتاريخ العالم، والإسلام والنظام العالمى الجديد، وعقيدة الذات الإلهية، والصوفية فى الإسلام، ومباحث فى القرآن الكريم.
وقد اقتضانى تجميع ما كتب عن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام بعد أن تناولت كتابىْ «مطلع النور» و«عبقرية محمد»، أن أختم ما كتبه عنه الأستاذ العقاد فى مقالات متفرقة، لتلى هذين الكتابين فى ترتيب المجلد الثانى من مدينة العقاد، وتناولت فى هذا الإطار من الموجود فى مجموعة «الإسلام دعوة عالمية» : «محمد العربى الإنسان»، و«رأى فى نبى الإسلام بين الأنبياء»، و«حكومة النبى وخلفائه»، و«الرسول فى كتب الغرب الحديث» كما اقتضتنى الكتابة عن كتاب «الله فى نشأة العقيدة الإلهية»، و«الفلسفة القرآنية»، و«حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» أن أعرض لعقيدة الذات الإلهية التى تناولها الأستاذ العقاد باستفاضة فى هذه المؤلفات، بحيث لم يعد هناك محل الآن لتكرار الحديث فيها وقد استوفت حقها وزيادة فى تناولها فى هذه المؤلفات.
وتناولت باستفاضة- الصوفية فى الإسلام، بمناسبة حديثى عن كتاب «التفكير فريضة إسلامية»، وكتاب «الفلسفة القرآنية»، كذلك تعرضت لمدلول ومعنى كلمة الأميين فى أكثر من موضع، وإعجاز القرآن وأوهام المستشرقين، كما تناولت القضاء والقدر أكثر من مرة، لعل أهمها ما كان بمناسبة تناول كتاب «الفلسفة القرآنية».
وعلى ذلك فلن أعرض الآن من موضوعات مجموعة «الإسلام دعوة عالمية»، إلاَّ للموضوعات التى لم يسبق تناولها.
الإسلام والمسلمون
تحت هذا العنوان تناول الأستاذ العقاد عدة موضوعات متكاملة، بدأها بالإسلام والعرب، ثم فهم الإسلام، ثم الإسلام بين أديان الأمم، قبل أن ينتقل إلى الموضوع المتخذ عنوانًا للمجموعة : «الإسلام دعوة عالمية».
الإسلام والعرب
هذا العنوان اسم لكتاب صدر بالإنجليزية Islam and the Arabs، للأستاذ «روم لاندو Rome Landau»، وهو أحد الكتب التى تصدر فى اللغات الأوروبية بالعشرات منذ الحرب العالمية الثانية عن الإسلام والعرب، ويسلك مؤلفوها مسلكًا يخالف ما درجت عليه أغراض كتب سماسرة التبشير والمطامع السياسية!
ولهذا التحول أسباب يستعرضها الأستاذ العقاد فى عجالة، مع إشارة للترصد الأخطبوطى للصهيونية فى ميادين النشر والإعلان، والتى لا يرضيها أن ترى خبرًا واحدًا مرضيًا عن العرب والإسلام، وتعددت من ثم أصابعها اللئيمة فى مراجع شتى، ومنها موسوعة صدرت حديثًا شاملة لأصول الأدب فى اللغة الفرنسية، وتوسعت فى الكلام عن حركة الثقافة ومدارس الشعر بين القرن الخامس الميلادى ومنتصف القرن العشرين، ولكنها اقتضبت القول فجأة عندما انتهى بها البحث إلى فضل الأدب الأندلسى على مدارس الشعر والغناء فى جنوب فرنسا.
وهذا الاقتضاب متكرر الحصول، يعبر عن العداوة الصهيونية المدسوسة وأمثالها من العداوات التى تتربص بالعرب وبالإسلام، فيما لا يجب أن تغنينا معرفتنا بالعالم عن وجوب معرفة العالم بنا معرفة صحيحة غير محرفة.
وهنا يعود الأستاذ العقاد إلى كتاب الأستاذ «روم لاندو»، «الإسلام والعرب»، ليوفيه حظه من التقريظ، لأنه من الكتب التى يؤلفها الغرباء عن الإسلام ومع ذلك ينوب مؤلفوها عن أهله فى إبراز محاسنه وتصفية تاريخه من شوائب المسخ والتشويه.
فالأستاذ «روم لاندو»، مثل واضح للمستشرقين الذين يقيمون فى البلاد الإسلامية ويؤدون لها عهد الوفاء بحقوق الصحبة والضيافة، ويلتزمون الموضوعية والإنصاف.
وقيمة كتاب الأستاذ «لاندو» أن مؤلفه جوال طاف العالم وجعل الله له قبلة فى مطافه كما قال هو فى كتابه هذا الذى أودعه خلاصة رحلاته وزياراته وسماه «الله وجهة مطافى» God is my Adventure، ولم يدع فيه معتقدًا من معتقدات الأمم يوصل إلى الله إلاَّ اتبعه ومضى معه ليبلغ به غاية مداها.
وهذا الكتاب عن الإسلام والعرب، ثمرة السنوات التى قضاها زائرًا أو مقيمًا فى البلاد الأفريقية الإسلامية وأخصها بلاد المغرب الأقصى حيث طال مقامه فيها.
وقد ألم هذا الكتاب فيما يقول الأستاذ العقاد- بعجالة حسنة عن نشأة الإسلام وسيرة النبى وبلاغة القرآن ووسائل نشر الإسلام ومشكلات العالم الإسلامى السياسية والفكرية، ومنها مشكلة الفلسفة اليونانية والفرق الدينية وحروب الدول، ثم حروب الصليبيين وغزوات الاستعمار الصهيونية.
ومن آرائه الدالة على اتصافه، ما ترجم الأستاذ العقاد بعضه لتيسير الاستشهاد به على منهجه وصدقه، فيقول مثلاً عن إخلاص النبى عليه السلام فى دعوته : «كان محمد مفطورًا على التدين مستعدًا بطبيعته لرسالة الإصلاح التى تلقاها فى رؤاه ومشاهداته الخفية، وكان مع هذه الفطرة الروحانية رجلاً عمليًا يفطن ببديهته إلى ما انطوى عليه المزاج العربى، ويدرك أن الأناة واجبة فى تلقينهم آداب الإصلاح…الخ».
ويدفع فى موضع آخر الأكاذيب التى تزعم أن الآيات الموحاة إليه وليدة نوبات من الصرع، ويؤكد فى موضع ثالث أن الامتحان الذى اختبرت به رسالته مدى السنين والأجيال، يؤكد أنه عليه السلام- براء من شبهتى الخداع والإدعاء، وأنه لم يحدث قط أن استمرت رسالة مخادع بعد ذهابه. ثلاثة عشر قرنًا تجذب إليها المؤمنين عامًا بعد عام.
ومن تعليله حيرة الغربيين فى فهم بلاغة القرآن، ومعرفة سر سلطانه العجيب الذى يملك القلوب أنهم يجهلون مناسبات النزول ولا يدركون ترتيب الآيات على حسب مواقعها.
وشَجَب المؤلف الحروب الصليبية موضحًا أن أوروبا كانت بحاجة إلى متنفس لما أصابها من الفقر والمرض، وجاءتها الدفعة إلى الهجرة من المغرب إلى المشرق من قبل شعوب النورمان والفرنجة.. ويضيف فى موضع آخر أن الصليبيين وجدوا فى الشرق حضارة مادية وثقافية أرفع مما كانوا يعهدونه فى معيشتهم، وعادوا إلى بلادهم بثمرات شتى من هذه الحضارة.
وتحدث عن فضل المسلمين فى إحياء الفلسفة، وعن مسألة العرب واليهود، وكيف أن اليهود عاشوا فى سلام مع العرب الساميين، وعطف العرب عليهم لما ابتلوا به من مظالم النازية.
هذه محض أمثلة فى عجالة لبعض ما تضمنه الكتاب من نظرة مؤلفه إلى العالم الاسلامى، مما رآه الأستاذ العقاد جديرًا بأن يلفت نظر القارئ العربى إليه.
رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com