حسناً، منظمة «فتح» – كبرى الفصائل الفلسطينية- أن أنهت مؤتمرها السابع 4 ديسمبر الحالى.. بتكريس الثقة فى قياداتها الحالية، كضرورة من غير الصواب تغييرها والسلطة الفلسطينية تخوض معركة بقاء مع التسوية النهائية منذ منتصف التسعينيات.. ما بين التمسك بالحدود الدنيا للمشروعية الفلسطينية التى دونها الإندثار.. وبين عنت إسرائيلى يروم الاعتراف بنقاء «الدولة اليهودية» إذ دونها- برأيهم- يصبح الإسرائيليون فى 2020 أقلية سكانية مقارنة بأغلبية ديموغرافية فلسطينية مطردة، ولتدور محاولات المؤتمر الذى انعقد بموافقة إسرائيلية وتحت أعينها المفتوحة.. فى ضوء احتمال تصعيد واتساع حال عدم الاستقرار فى الأراضى الفلسطينية سواء فيما وراء «الخط الأخضر» (عرب إسرائيل) أو فى الضفة الغربية (المناطق المدارة)، كما فى ظل تدخل عدد من الدول العربية وإيران فى تحديد الأجندة الفلسطينية.. حيث لم يعد مصير الفلسطينيين بيدهم تماماً.. ناهيك عن الطريق المسدود الذى بلغوه نتيجة انقساماتهم، ذلك فى الوقت الذى تبدو إسرائيل- بوضعيتها الأقليمية والدولية- كأنها ملكت الدنيا وما عليها.. ماضية بلا وجل فى التمرد حتى على حلفائها الغربيين أو الإقليميين بسواء، إذ تتهيأ للزمن الجديد القادم- زمن التفتت العربى- لربما يكرس عنصريتها «الخالصة» من خلال تغذيتها «يهودية الدولة العبرية».. غير عابئة بأن يؤدى ذلك إلى اندلاع «حرب دينية» تلوح نذرها فى الأفق- لا يمانعها تقريباً حلفاء أو خصوم للجانبين العربى والإسرائيلى بسيان، إضافة لتداعيات سلبية فى مسيرتهما الداخلية جراء التغول فى الاعتداء على الديمقراطية وحقوق المواطنة، الأمر الذى يدعو مستشارين ومسئولين كبار (..) فى إسرائيل إلى تحذيرها من أن يصلها اجتياح طوفان الوحل الذى يفجر المنطقة، ومع ذلك يكاد المراقبون أن يُجمعوا على أن مصطلح «يهودية الدولة» لم يعد مجرد فكرة.. إذ تسعى مؤسسات الدولة المختلفة إلى تنفيذها، سواء بنسخ «الخط الأخضر» أو فى القدس أو بالنسبة إلى اللاجئين (عودة 600 ألف لاجئ إلى أراضى السلطة بعد اتفاقية أوسلو).. إلى تعزيز المستوطنات وتطويرها.. وما إلى ذلك من إجراءات استباقية للانقلاب الديموغرافى القادم، مع المراوغة فى الوقت نفسه- للمفارقة- عن قبول «حل الدولتين» والتمسك بـ«ضم الأراضي» دون «حل وسط إقليمي»، ولتذهب الدولة الفلسطينية المقترحة عندئذ إلى حيث ألقت.
إلى ذلك، فإن حيلولة مؤتمر «فتح» دون استبدال القيادات التاريخية الفلسطينية- بآخرين لم يجرب عليهم بعد الجدية والصدق (..)، تمثل ضمانة مبدئية لعدم القبول بالأمر الواقع التهويدى الذى تحاول إسرائيل فرضه على الجميع.. فى سياق ركائز فكر المشروع الصهيونى «المؤسس» على عنصرية صريحة.. سبق للأمم المتحدة أن أدانتها نوفمبر 1975.. حين ذهب قرارها وقتئذ (72 دولة) إلى اعتبار «الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصرى».. ما يشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين، فيما ذهب «إسحق شامير» رئيس الكنيست- إلى وصف عنصرى للمصوتين للقرار بـ«الهابطين توّاً من على الأشجار»، ذلك قبل أن تنجح إسرائيل فى نسخ القرار فى خطوة غير مسبوقة أممياً فى ديسمبر 1991، فيما يمثل إن جاز التعبير.. حالة دولية ممنهجة للإبقاء على الذئب حياً.. فيما تفنى الحملان، إلا أن المؤتمر «فتح» لم يكتف بتكريس الثقة فى قياداته.. إنما كفل لها الاستمرار التاريخى من خلال التصويت الكبير الذى حصل عليه «مروان البرغوثى»- الأسير- ما يدعم فكرة انتخابه نائباً للرئيس تمهيداً لانتخابه فيما بعد رئيساً للسلطة نفسها، ربما على غرار ما كان مع «سعد زغلول» فى مصر عشرينيات القرن الماضى.. ومع «نيلسون مانديللا» فى جنوب أفريقيا تسعينيات القرن الماضى.. وهو الذى تمثل تجربته- وبلاده- ما الذى يمكن لآليات الوعى الإنسانى الصاعد فى القرن 21 أن تفعله فى الحرب على العنصرية وعزلها ومقاطعتها، إذ ربما تقلم أنياب الذئب حتى لا تفنى الحملان، ولأن تشهد مشارف المئوية الثانية منذ وعد «بلفور» 1917 بالغزو الصهيونى تجاور الدبابة بجانب المحراث فى مناخ ليس غير مستحيل تماماً من التعايش السلمى الموعود.