Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (7)

الأدب لا يجد الأستاذ العقاد غضاضة فى أن يبدأ هذا الفصل بالاستشهاد ببعض ما كتبه الأستاذ «جب Gibb» فى فصل ممتع فى مجموعة تراث الإسلام، عن أثر العرب فى الآداب الأوروبية، واستشهد فيه بكلمة للأستاذ «ماكييل Macail» من محاضرات على الشعر قال فيها : «إن أوروبا مدينة لبلاد العر

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (7)
رجائى عطية

رجائى عطية

8:56 ص, الأحد, 4 ديسمبر 16


الأدب

لا يجد الأستاذ العقاد غضاضة فى أن يبدأ هذا الفصل بالاستشهاد ببعض ما كتبه الأستاذ «جب Gibb» فى فصل ممتع فى مجموعة تراث الإسلام، عن أثر العرب فى الآداب الأوروبية، واستشهد فيه بكلمة للأستاذ «ماكييل Macail» من محاضرات على الشعر قال فيها : «إن أوروبا مدينة لبلاد العربية بنزعتها المجازية الحماسية Romance كما هى مدينة بعقيدتها لبلاد اليهودية.. وإننا مدينون لبطحاء العرب وسوريا بمعظم القوى الحيوية الدافعة أو بجميعها التى جعلت القرون الوسطى مخالفة فى الروح والخيال للعالم الذى كانت تحكمه روما».

ومع أن الأستاذ «جب» لا يقر كل هذا التعميم، فانه لا ينفى الأثر الذى تركه الأدب العربى فى شعر الأوروبيين ونثرهم منذ القرن الثالث عشر إلى القرون الحديثة، وإن كان يرجح أن هذا الأثر قد تسرب من طريق الإيحاء والرواية اللسانية بين المسلمين الذين يتكلمون العربية وبعض اللغات الأوروبية وبين شعراء فرنسا الجنوبيين.

ويرى الأستاذ العقاد أن العقل يأبى أن يذهب الأدب العربى فى الأندلس من صفحة التاريخ بغير أثر مباشر على الأذواق والأفكار والموضوعات والأساليب اللغوية التى تستمد منها الآداب.

ويزيد هذا الاعتقاد أن أوروبا كانت تتلقى آثار الثقافة العربية من ثلاث جهات متلاحقة فى القرون الوسطى : القوافل التجارية. المواطن التى احتلها الصليبيون وعاشوا فيها. الأندلس وصقلية وغيرهما من البلاد التى قامت فيها دول المسلمين.

ويضيف الأستاذ العقاد أنه قد اقترنت بموضوعات الأدب العربى أسماء من عباقرة الشعر فى أوروبا خلال القرن الرابع عشر وما بعده، ويخص منهم بالذكر بوكاشيو، ودانتى، وبترارك، وشوسر، وسرفانتس.

فقد كتب بوكاشيو سنة 1349 م حكاياته «الصباحات العشرة»، وحذا فيها حـذو «الليالى العربية»، وضمنها مائة حكاية من طراز حكايات ألف ليلة وليلة. وقد ملأت هذه الحكايات أقطار أوروبا واقتبس منها شكسيبر موضوع مسرحيته «العبرة بالخواتيم»، كما اقتبس منها «لسنغ» الألمانى مسرحيته «ناثان الحكيم».

وكان شوسر إمام الشعر الحديث فى الإنجليزية أكبر المقتبسين فى زمانه، فقد نظم بعد لقائه ببوكاشيو قصصه المشهورة باسم «قصص كانتربرى» ومنها ما اقتبسه من ألف ليلة وليلة.

ويرى الأستاذ العقاد أنه ربما كانت صلة «دانتى» بالثقافة العربية أوضح من صلة بوكاشيو وشوسر، لأنه أقام فى صقلية على عهد الملك فردريك الثانى الذى كان يدمن دراسة الثقافة الإسلامية، ودارت بينهما مساجلات كان بعضها مستمدًّا من الأصل العربى، وقد لاحظ غير واحد من المستشرقين أن الشبه قريب جدا بين أوصاف الجنه فى كلام ابن عربى وأوصاف دانتى فى الكوميدية الإلهية.

وعاش«بترارك» فى عصر الثقافة العربية بايطاليا وفرنسا وحضر العلم بجامعتى مونبليه وباريس وكلاهما قامتا على تلاميذ العرب فى الجامعات الأندلسية.

أما«سرفانتس» فقد عاش فى الجزائر بضع سنوات، وألّف «دون كيشوت» بأسلوب لا يشك قارئة فى اطلاع كاتبه على العبارات والأمثال العربية الشائعة.
● ● ●

إلاَّ أن الأثر الذى يفوق هذه المقتبسات الفردية فى نظر الأستاذ العقاد هو الأثر الشامل الذى يُعْزى إليه أكبر الفضل فى إحياء اللغات الأوروبية الحديثة وترقيتها إلى مقام الأدب والعلم. ويضيف أن شيوع التعليم بالعربية كان سببًا لإهمال اللاتينية والإغريقية وخطوة لابد منها لإحياء اللغات الشعبية فى البلدان الأوروبية وتداول الشعر والبلاغة والعلم بهذه اللغات الشعبية.

ولم تنقطع الصلة بين الأدب العربى أو الإسلامى بين الآداب الأوروبية الحديثة من القرن السايع عشر إلى اليوم. حتى أننا لا نجد أديبًا من نوابغ الأدباء عندهم خلا شعرة أو نثره من بطل إسلامى أو نادرة إسلامية، وتمثل الأستاذ العقاد بشكسبير وأديسون وبيرون وسوذى وشيللى من أدباء الإنجليز، وبجيتى وهردر ولسنغ وهينى بين أدباء الألمان، ولافونتين الفرنسى الذى صرح بأنه اقتدى فى أساطيره بكتاب كليلة ودمنة الذى عرفه الأوروبيون عن طريق المسلمين.

وهناك من يرى من النقاد الأوروبيين أن «رحلات جلفر»التى ألّفها «سوفيت»، ورحلة «روبنسون كروزو» التى ألّفها «ديفوى» مدينة لألف ليلة وليلة، ولرسالة «حى بن يقظان» التى ألّفها الفيلسوف «ابن طفيل»، وأن ألف ليلة وليلة كان لها تأثير بالغ بعد ترجمتها.

على أن المدرسة المجازية الحماسية فى أوروبا فى القرون الوسطى، إنما هى فيما يرى الأستاذ العقاد، وليدة الحياة الحماسية المجازية التى سرت من فاتحى العرب والمسلمين إلى الغرب، فلم تكن أوروبا تعرف بآداب الفروسية ونخوتها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم فى أقطار الجنوب.

وقد بلغت المفردات العربية التى أضافها الأسبان والبرتغاليون إلى لغتهم ما يملأ معجمًا غير صغير، ولدخول هذه المفردات فى الحياة الاجتماعية والمقاصد النفسية أثرًا أبلغ من دخولها فى صفحات المعاجم.

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

8:56 ص, الأحد, 4 ديسمبر 16