لفت نظرى فى آخر سطور مقال الزميلة رولا خرسا بجريدة المصرى يوم السبت 11/12.. فى مجمله يصف رحلتها إلى جبل سانت كاترين ومعاناتها ومن معها فى الصعود إلى القمة ثم هذا الإحساس بجلال المكان وقدسيته بعد صعود ثلاث ساعات على درجات وعرة متسلقين الجبل وصلت قبل الفجر بقليل لتسند ظهرها إلى المسجد الصغير ليتأمل الجمع بزوغ الشمس فى روعة التوحد مع الكون.
جلست منذ عدة سنوات مكان الزميلة رولا وصحبنا فى رحلة الصعود حجاج من البلدان الأفريقية قادمون للحج فى سانت كاترين ينشدون فى الصعود أغنية «هالى لويا» وهى إحدى الأهازيج الدينية المسيحية فى انتظار نفس لحظة الوصول إلى القمة حيث جسد يتحد فى رهبة استثنائية داخل حزمة هذا الفضاء المهيب فى وحدة اللحظة الجامعة لأكوان شتى نجوم أكثر قربا تدنو إلى قمر، بزوغ شمس خجلى فى أفق يبدأ بنفسجيا ثم ينتهى إلى الأحمر ينعكس على جبال نادرة النحت متغيرة الظلال فى سرعة مذهلة.
لحظة متفردة فيها ينعتق الإنسان من لغط غامض فجأة ينفصل الجالسون كل يسبح لغته إلى الله فى هدوء،على رؤوسهم الطير فى سلام المكان المفدس.
تقول رولا فى آخر المقال..«وإذا بفوج من المصريين يدخل علينا وهو يتلفظ بأبشع الشتائم بسبب إرهاق الرحلة.. إلى أن جلست سيدة بجانبى انطلقت من تليفونها أغنية يا بتاع النعناع يا منعنع» ومع إعجابى بالأغنية ولكن ليس مكانها، قالت رولا للسيدة: « رجاء أوقفى الأغنية وصلى على النبى.. محمد نبى..عيسى نبى..».
وأضيف وموسى نبى كليم الله على هذا الجبل بكل قداسته وتاريخه والوحى والدينى بلا رهبة أو احترام أو ثقافة لتاريخ المكان، هؤلاء المصريون الجدد يطلعوا المسافة بلا حافز دينى أو ثقافى أو روحى، بل هو نوع من التحدى العضلى والجسمانى بلا أى انعكاس روحى أو قدسى لذلك مات الاحترام حتى للأنبياء ما بالك بأولياء الله الصالحين ذوى المكانة فى التاريخ الإسلامى.
دعتنى زميلة للذهاب إلى مولد على زين العابدين بحى السيدة زينب، أكبر أولاد الحسين حفيدا لسيدنا محمد ابن «شهر بانو» ابنة شاه الفرس «الإمام الرابع، من الأئمة الاثنى عشر ولد فى الخامس من شعبان فى 38 هجرية فى المدينة المنورة.. عاش بعد شهادة سيدنا الحسين بأربعة وثلاثين عاما لقبه السجاد لطول سجوده وتعبده.
يعد مسجده من أجمل وأفخم المساجد الإسلامية معمارا وزخرفة داخلية، كل هذا الوصف اكتشفته بصعوبة من زحمة خيام منصوبة أمامه تحتها حلل قل «ماعون ضخم» داخلها أرز أو مكرونة أو صلصة بداخلها لحم من أهل الصدقة، تحت الخيام يتمدد الرجال بجانب النساء فى استرخاء وبلا تكليف يتبادلون الصراخ والشتائم والنكات، الكثير غطاء الرأس ثابت ولكن تعرية السيقان فيها «قولان»شكل لافت للنظر فجأة مصر أخرى انتشل منها برقع الحيا، أما فى الضريح فناحية الستات تجد الولايا ممددين على الأرض شبه عاريات السيقان نائمات وكل شوية يدخل عم أحمد عشان يهشهم بعصاته يرفضن فى دلع، ثم يتحولن إلى غربان ناهشة حين قدوم إحدى الموسرات، وقد أدهشنى قول إحداهن لتلك الموسرة: «ادينى فلوس وأنا أبنى لك ضريح يزوره الخلق كله..».!
فى مصر الآن جيل حين انحسر عنهم العلم والتعليم، انحسر عنهم الإحساس بالإنسانية، والأصالة الروحية والتاريخ وحضارة الارتقاء.. بديله التدهور.